كمال عمر : خياراتنا مفتوحة حال يأسنا من الحوار

الأحزاب التي قاطعت الحوار ليس لها تجربة سياسية
تجارب “غازي” لا تجعلنا نحترم آراءه
قادة الإصلاح الآن لجأوا للمعارضة بعد فصلهم من (الوطني)
الحديث عن اشتراطات ينقلنا لخانة الحركات المسلحة
هذه الأحزاب المقاطعة لا يجمعها سوى كراهية (الوطني)
نحن لسنا جزءاً من تحالف أحزاب المعارضة المحاورة
لديهم مبررات مضحكة لمقاطعة اجتماع الرئيس
إرضاء الله أفضل لنا من كل التحالفات

المشهد السياسي المرتبط بعملية الحوار الوطني المتعثرة ينبئ أنه لم يعد هناك منافح ومدافع عن الحوار سوى المؤتمر الشعبي، أو على الأقل ليس هناك من هو أعلى صوتاً منه. فأمس الأول أعلنت عدد من أحزاب المعارضة المحاورة تجميد مشاركتها في الحوار ومقاطعة اجتماع آلية (7+7) مع رئيس الجمهورية. وهذه الأحزاب كانت هي العصا التي يتكئ عليها جسد الحوار المنهك. (المجهر) جلست إلى الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي “كمال عمر” وواجهته بالأسئلة الصعبة والاتهامات التي توجهها القوى السياسية بل وقطاعات واسعة من الشعب لمواقف (الشعبي) الموصوفة بالقرب من النظام. وكعادته كان “كمال عمر” ممتشقاً سيفه للدفاع عن مواقف حزبه.
حوار: عقيل أحمد ناعم
{ الآن وبعد أن كنتم تسعون طيلة عام كامل لتقوية موقفكم في الحوار ها أنتم الآن تصلون مرحلة بداية الحوار الحقيقية وأنتم ضعفاء ومفككون في المعارضة؟
– لا أتفق مع هذا القول، فقوة المعارضة في الطرح وليس بعدد الأحزاب المشاركة في الحوار، فالقضايا الأولية الأساسية التي تم إنجازها في خارطة الطريق المتعلقة بوحدة البلد، والدستور والاقتصاد والهوية ، بجانب اختيار (67) شخصية قومية ورؤساء لجان الحوار ونوابهم. كل هذا يمثل القوة الحقيقية للحوار، وهي القوة الفكرية الحقيقية التي من خلالها يستطيع أي حزب محاور أن يحقق مكاسب كبيرة وحقيقية للبلد وللشعب.
{  عن أي قوة تتحدث وأنتم في المعارضة وفي (الشعبي) عجزتم عن إلزام (الوطني) بإنفاذ التزاماته تجاه الحوار؟
– نحن في (الشعبي) لدينا قوة حقيقة وتجربة كبيرة جداً في هذه القضايا المطروحة، ولدينا تجربة كافية ومعرفة كبيرة بالمؤتمر الوطني، باعتبار أننا كنا جزءاً منه، ومن خلال تجربتنا في المعارضة وفي الحوار، فهذا الرصيد الكبير لـ(الشعبي) وثقةً في قوته يجعلنا مطمئنين جداً أن الحوار من ناحية إجرائية يقف على أرض صلبة جداً.
{ هذا يعني أنكم تؤيدون بدء الحوار بمن حضر كما يعلن (الوطني)؟
– أبداً، نحن لا نتطلع إطلاقاً أن ينطلق الحوار بمن حضر، لأننا نؤمن أن هناك قضايا متعلقة بالحركات المسلحة سيتم تناولها بشكل واسع داخل الحوار متمثلة في (إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين وإحلال السلام).
{ ولكن كل هذه القضايا الآن تم تجاوزها بإصرار على بدء الحوار بهذه الطريقة وبهذه القوى التي ارتضت الحوار دون غيرها؟
– لا أبداً، نحن سنتحدث بدءاً من لقائنا مع الرئيس ومن خلال مؤتمر الحوار حول هذه القضايا، فهي أمهات القضايا التي سننافح عنها داخل الحوار.
{ ولكن صوت المعارضة أصبح أضعف بتعليق عدد من الأحزاب مشاركتها في الحوار؟
– بالمناسبة هناك حقيقة لا يعلمها كثير من الناس، وهي أن الأحزاب الموالية للحكومة ليست كلها على قلب رجل واحد، فبعضها لها مواقف قوية تجاه قضايا الحوار، فكثير من الأحزاب التي يصفها الناس بأنها (أحزاب فكة) غير راضية عن مسيرة الحوار خاصة في ما يتعلق بموقف (الوطني) من الانتخابات والتعديلات الدستورية، وهذا يخلق سنداً قوياً جداً للقضايا المطروحة في الحوار؛ لذلك فالصوت المنافح عن هذه القضايا ليس ضعيفاً أبداً.
{ ولكن أحزاب المعارضة التي ارتضت الحوار منذ البادية خرجت منه الآن وجمدت نشاطها وهذه إضعاف للحوار؟.
–  الحديث عن أن كل أحزاب المعارضة المحاورة جمدت مشاركتها في الحوار غير صحيح، فقد اتصلت بي عشرة أحزاب من أحزاب المعارضة المحاورة وتبرأت من البيان الذي صدر معلناً تجميد الحوار.
{  هذه يفرض سؤالاً عن عدم مشاركتكم في الاجتماع الذي أصدر قرار التجميد، هل كنتم تعلمون أن الاجتماع سيصدر هذا القرار؟
– لا لم يكن متوقعاً صدور قرار بتجميد الحوار، لأننا اجتمعنا (الاثنين) الماضي، وأصدرنا بياناً مشتركاً أكدنا فيه أن الحوار هو الخيار الأنسب رغم العقبات التي تعترضه وأننا سنظل ندعم الحوار بمواقف ثابتة تجاه الحريات وإطلاق المحكومين والمعتقلين وتهيئة المناخ.
{  ولكن عدم إنفاذ الحكومة كل هذه الاشتراطات هو ما دفع بعض الأحزاب للخروج من الحوار؟
– هنا يجب التنبيه لأمر مهم جداً، وهو أن خارطة طريق الحوار التي أجزناها ليس فيها أية اشتراطات، فالحديث عن اشتراطات ينقلنا من مربع المحاورة لمربع الحركات المسلحة وتحالف الإجماع الوطني المعارض. فكل هذه القضايا هي قضايا مكانها طاولة الحوار وليس التلويح بها كاشتراطات. وكن للأسف إخوانا في أحزاب الحوار أخرجت هذه القضايا بطريقة تسئ لأحزاب المحاورة ولا تتفق مع مواقفنا الكلية المتفق عليها.
{ هل هذا يعني التأكيد على اتهامات المؤتمر الوطني لحركة الإصلاح الآن بالتحديد بأنها تسعى لتعويق الحوار، خاصة وأنك اتهمتها ومنبر السلام بالوقوف وراء قرار التجميد؟
– يجب أن يعلم الجميع أن هناك أحزاباً معنا في مجموعة أحزاب المعارضة المحاورة حديثة التجربة في العمل السياسي المعارض، خاصة أن هناك أحزاباً خرجت من الحكومة ومن المؤتمر الوطني بقرار فصل بعض قياداتها. ما يعني أن سبب تبنيها للمعارضة هو فصلها من المؤتمر الوطني  على خلاف ما فعلناه نحن سابقاً بمفاصلتنا للحزب الحاكم من أجل الحريات والحكم اللامركزي ودستور 1998، وهؤلاء الذين ينتقدوننا الآن لم يفاصلوا معنا، بل طالب كبيرهم بمحاكمتنا في محاكمات عاجلة، ويجئ الآن ليجلس في مجالس المعارضة لينظر لنا في قضايا الحريات وليوجهنا متى نحاور ومتى نخرج من الحوار؟!
{ مقاطعة ـ  أنت تعني د. “غازي صلاح الدين”؟
– هذا الرجل تجربته في النظام لا تجعلني أحترم آراءه، فالشعبي قد صبر وتحمل الأذى في المعارضة من أجل قضايا الحريات. أما هذه الأحزاب التي جمدت مشاركتها في الحوار ليس لديها أصلاً أفكار ورؤى تجاه قضايا الحوار.
{ إذن، كيف تفسر موقف الأحزاب التي جمدت نشاطها الآن رغم أنها كانت جادة تجاه الحوار؟
– هذا الموقف يمثل عدم خبرة سياسية وعدم معرفة، ويؤكد ضعف التجربة السياسية، هذه الأحزاب لا يجمعها سوى كراهيتها للمؤتمر الوطني فتحالفها يقوم على هذه الكراهية دون وجود أي برنامج.
{ ولكنكم كنتم جزءاً من تحالف أحزاب المعارضة المحاورة، فهل هذا يعني أنكم خرجتم عنه بهذا الموقف؟
– نقولها بأعلى صوتنا نحن لسنا جزءاً من هذا التحالف، وليس لدينا أية صلة به، فما جمعنا مع هذه الأحزاب هو فكرة الحوار. أما الآن فقد انقطعت علاقتنا بهم، وإذا استمروا في موقف المقاطعة للحوار فلن تجمعنا بهم أي صلة سوى العلاقة السياسية العادية. ونحن نتوقع أن يعودوا في مرحلة عمل لجان الحوار فإن عادوا فستعود العلاقة معهم.
{ ولكنهم يبررون أيضاً بأن (الوطني) يحاول إذلالهم من خلال فرض أحزاب وأشخاص لتمثيل أحزاب المعارضة في الحوار (العدالة والحقيقة الفدرالي) وهذا يبدو مبرراً منطقياً؟
– إن كان موقفهم مبنياً على الاعتراض على دعوة “فضل السيد شعيب”، و”بشارة أرور” لاجتماع آلية (7+7) مع رئيس الجمهورية، فكان قرارهم سيكون منطقياً، لو أنهم أعلنوا فقط مقاطعة اجتماع الرئيس، وبهذا كانوا سيدخلوننا في مطب، لكنهم بعدم خبرة سياسية واضحة جداً اتخذوا قراراً بتجميد المشاركة في الحوار، وهم بهذا مثل (القاضي قليل الخبرة) الذي يضع حيثيات ويبني عليها قراراً خاطئاً، فقائمة الاشتراطات التي وضعوها تنقلهم إلى مربع آخر خارج أحزاب الحوار ليتحولوا إلى أحزاب ضد الحوار، لأنه منذ بداية الحوار كانوا يعلمون أن هذه الاشتراطات هي قضايا تناقش على طاولة الحوار. ولكن واضح أنهم كانوا متسرعين.
{ ولكنه خلاف معتبر، كيف يفرض (الوطني) على المعارضة أحزاباً وأسماءً بعينها ؟
– بالمناسبة هناك حقيقة سأكشف عنها الآن، وهي أن الخلاف حول حضور الاجتماع مع الرئيس بدأ قبل وصول دعوة من الرئاسة للأخوين “شعيب” و”بشارة”، فقد اجتمعنا لتحديد أجندة الاجتماع وحينها تحدث هؤلاء المجمدون عن ضرورة عدم الذهاب للاجتماع وتحججوا بأن أحزاب الحوار لديها ندوة في ذات اليوم، (بالله دو كلام ده يمكن أن يصدر من أحزاب مسؤولة؟). وللأسف تحججوا بسبب آخر مضحك جداً بأنهم يرغبون في مقابلة “ثابو أمبيكي” قبل مقابلة الرئيس، فبالله عليكم هل يمكن أن يحترمنا الرأي العام مهما كانت خلافاتنا مع الرئيس؟!
{ بعد هذه المعطيات كيف تقيم تجربة تحالف أحزاب الحوار؟
-نحن  قررنا أن لا نلتفت لمواقف هذه الأحزاب إطلاقاً ، لأننا وصلنا لقناعة أن هذه الأحزاب لم تحترم مواقفها تجاه الحوار. نحن عملنا مع الحزب الشيوعي (9) سنوات في تحالف الإجماع وقد احترمنا خلالها طريقة تعاملهم مع العمل الجماعي، فتجربتنا مع قوى الإجماع ثرة وكبيرة ومليئة بالخبرة السياسية.
{ أستاذ “كمال” قد لا يجد الرأي العام والشعب تفسيراً لإصراركم في (الشعبي) على الاستمرار في الحوار سوى أنكم تحرصون فقط على التوافق مع الحكومة والحزب الحاكم لأسباب تخصكم؟
– أي كلام عن أن (الشعبي) يرغب من خلال الحوار في المشاركة في الحكومة قد انحسم تماماً بموقفنا المقاطع للانتخابات والرافض للتعديلات الدستورية الأخيرة، فالآن أي حديث عن أن (الشعبي) لديه أجندة خاصة في الحوار (وحاجات تحت تحت) لا مكان له، فلو كنا نرغب في دخول الحكومة لشاركنا في الانتخابات وأخذنا نصيبنا من (كيكة) الدوائر الانتخابية التي يتم تقسيمها الآن.
{ إذن فأنتم من دون بقية الأحزاب تعولون على الحوار الذي يمضي متعثراً الآن في معالجة قضايا الوطن؟
– رغم ضآلة الرجاء في الحوار لتحقيق المطلوب منه في معالجة قضايا البلد، لكنه يظل أفضل الخيارات المطروحة أمامنا، فرغم كل المتاريس أمام الحوار فإننا إزاء مشروع (نداء السودان) الذي تتبناه الجبهة الثورية وبعض أحزاب المعارضة ودعواتها بإعادة هيكلة الدولة وتعالي النزعة ضد الإسلام السياسي التي لن تعالج قضايا السودان، فإننا سنظل ثابتين على موقفنا تجاه الحوار باعتباره المخرج من أزمات البلاد.
{  أنتم الآن بهذه المواقف كأنكم استعضتم بعلاقتكم مع المؤتمر الوطني  عن كل تحالفاتكم في المعارضة – (الإجماع وأحزاب الحوار)- التي خسرتموها جميعها ؟
– هذا غير صحيح، فنحن لم نخسر علاقاتنا مع هذه القوى السياسية، لأنها لم تكن علاقات قائمة على انتهازية، بل على أصول فكرة الحريات مع قوى الإجماع، وعلى أصول فكرة الحوار مع الأحزاب المحاورة.
{ لماذا أنت واثق لهذه الدرجة من مواقف حزبكم التي تجد رفضاً واستنكاراً من غالب القوى السياسية؟
– نحن غير قلقين أبداً، فنحن سلكنا طريقنا من المطالبة بإسقاط النظام وحتى تبني الحوار، ونحن على يقين أننا كوننا نرضي الله سبحانه وتعالى في الانحياز لمعاني ديننا فهذا أفضل لنا من كل التحالفات. فنحن الآن قدمنا قضية الوطن والدين على ما سواهما.
{ أستاذ “كمال”، يبدو الآن أن الخاسر الأكبر وربما الوحيد من هذا المناخ هو (الشعبي) الذي وضع كل البيض في سلة الحوار فخسر نضاله في المعارضة ولم يظفر بمبتغاه عبر الحوار؟
– لا اتفق مع هذا القول، فالشعبي لم يضع كل البيض في سلة الحوار  فنحن لدينا غداً مؤتمر طلاب الحزب، ونعمل على إقامة مؤتمرات شورى الولايات، ونعمل في المساجد، وإقامة الندوات، ونؤسس لـ(نظام خالف). إذن فنحن لم نتوقف عند محطة الحوار فحزبنا يشهد حركة تطور كبيرة جداً. ولا يهمنا الخروج من تحالفات المعارضة ما دمنا نرضي الله.
{ ما هي اللحظة والتطورات التي يمكن أن تجعل (الشعبي) يخرج من الحوار ويقتنع بدم جدواه؟
– الأمر الوحيد الذي يجعلنا نخرج من الحوار إذا لم ننجح في تحقيق رؤانا التي نطرحها في قضايا الحوار المتعلقة بالحريات وبكيفية حكم السودان ووحدة البلاد والسلام، فإذا فشلنا في إنفاذ ما نطرحه في هذه القضايا عبر الحوار فوقتها سنكون (علمنا العلينا) وإن يخدعوك فإن حسبك الله، وسنقول حينها حسبنا الله ونعم الوكيل، ولن تكون مجرد شعار بل عملاً قوياً وسط الشعب والمجتمع.
{ ما هي خياراتكم حال الخروج من الحوار هل ستعودون لخانة الدعوة لإسقاط النظام؟
– حينها كل الخيارات مفتوحة.