نجم الدراما السودانية "عبد الرحيم قرني"
“محمود” كان يعد نفسه لمواجهة الجمهور ولم يتلق دارسة فنية غير الدراما
فقدته وصديقه “مجدي النور”.. وجسده النحيل كان يتحمل أشياء كثيرة
جلست إليه ـ نهلة مجذوب
كما هو معروف للكثيرين أن “محمود عبد العزيز” المطرب الضجة الذي رحل عن دنيانا مخلفاً فراغاً عريضاً في الأوساط الإبداعية، بدأ مشواره الفني عبر التمثيل الذي عشقه منذ الصغر وشارك في برنامج (جنة الأطفال) ممثلاً، وما أن بلغ الصبا حتى التحق بقصر الشباب والأطفال ليدرس الدراما التي أحبها وكانت مساره في بداياته.. وفي القصر التقى “محمود” بأستاذه “عبد الرحيم قرني” وكوّن علاقة حميمة امتدت إلى الأسرة.
(المجهر) التقت بمعلم “محمود” الأول في مجال الدراما الأستاذ القدير الممثل “محمد عبد الرحيم قرني” الذي أدلى بحديث الصراحة والحزن عن “محمود” في فترة دراسته بالقصر فضلاً عن جوانب أخرى.
يقول “قرني” إن بدايات “محمود” الفنية كانت منذ عمله في (جنة الأطفال) وعندما بلغ الخامسة عشرة التحق بقصر الشباب والأطفال قسم الدراما كونه يهوى التمثيل، وذلك في منتصف السبعينيات.. ويذكر هنا أن بداياته كانت مع صديقه وابن منطقته ببحري الممثل والمخرج المسرحي الراحل “مجدي النور”.. ويؤكد “قرني” أنه برحيل “مجدي” و”محمود” في أوج شبابهما حزين أشد الحزن لأنهما (كانا كأبنائي أعجبت بهما وآمنت بأفكارهما وذلك لإبداع كل في مجاله).
ومن ملاحظة الممثل القدير على شخصية “محمود” أنه أبرز قدراً هائلاً على الذكاء وقدرة على الاستيعاب، لكن يقول إنه كان يرى أن “محمود” كثير الشرود الذهني، وعينيه فيهما عمق يشعرك بأنه أكبر من سنه في ذلك الوقت.. ويعود “قرني” ليقول إن هذا الجسم النحيل كان يتحمل أشياء كثيرة، كان يحتمل التمارين الدرامية ورهقها فيرى فيه شاباً قوياً صابراً.
ويمضي “قرني” ليضيف إن إحساس “محمود” باليتم بفقده والده كان يرتسم على وجهه ويكسوه ملامح حزينة دائماً يزيدها خجله المعهود وابتسامته الطيبة.. ولكنه لم يأبه ويستسلم كثيراً لهذا الحزن البادي.. ويؤكد “قرني” قائلاً: (كان له طموح واضح كونه يريد أن يحقق شيئاً ما)، ويضيف إن فترة الثمانينيات كانت عصيبة جداً على “محمود”، فيها عانى من مشقة المواصلات، ويبين أنه كثيراً ما كان يذهب مشياً على الأقدام من بحري إلى أم درمان ليدرس ويرجع أيضاً ماشياً. وقال إن “محمود” برهن في إبداعه على الصلابة والمعاناة وبذل جهداً كبيراً حتى وصل إلى ما هو عليه، حيث كان ممثلاً جيداً، لكنه آثر أن ينحاز إلى الغناء وكانت ملكته فيه أكبر من الدراما.
وعن معرفته بـ”محمود” الفنان ذي الصوت الجميل الفريد في الغناء حسب قوله، أوضح أنه كان على رئاسة قسم الدراما وقد سمع بأن “محمود” يحب ويهوى الغناء كما أنه سمع من موسيقيين بالقصر أن لديه صوتاً يصنف بأنه غليظ لا يتناسب مع حجمه الصغير، وقال إنه ذات مرة طلب منه أن يغني فغنى للمطرب “محمود تاور” لكنه كان خجولاً بعض الشيء كما طبعه.. وهنا أوضح “قرني” أن “محمود” يبدو أنه كان يريد أن يجهز نفسه من خلال دراسته بالقصر.. وقال إن “محمود” قال له إنه يريد من دراسة التمثيل أن يتمرس على مواجهة الناس وعدم مهابة الجماهير.
ويمضي “قرني” في ملاحظاته على “محمود عبد العزيز” الفنان بأنه كان مهموماً بقضايا الدراميين، وكان يتواصل معهم ويكن لزملائه وأساتذته في قصر الشباب والأطفال كل التقدير والاحترام.. ويذكر “قرني” أن “محمود” الذي شارك ممثلاً ومغنياً بعد أن صار نجماً في سماء الأغنية السودانية في مسرحية (تاجوج في الخرطوم) الشهيرة لمؤلفها الراحل القدير صديق “محمود” “مجدي النور”، كان قد دفع تكاليف إنتاج المسرحية، وكلفته مبالغ طائلة، ما يؤكد وقوفه مع أصدقائه ودعمه للآخرين وحسه الفني وحماسه للمشاركة والدفع بأي عمل قيم، ويضيف إن المسرحية وجدت رواجاً كبيراً وكانت محضورة.
ويكشف “عبد الرحيم قرني” عن أنه كان بصدد عمل درامي من بطوله “محمود عبد العزيز” قبيل وفاته بفترة وجيزة، بدافع وفكرة من “محمود” نفسه على أن يتناول الفيلم الدرامي جانباً من حياة “محمود” المليئة بالتجارب والمواقف المختلفة، لكن قدر الموت كان سباقاً ولم يكتمل العمل.. ويأمل “قرني” في إنتاج فيلم عن “محمود” في المستقبل القريب وسيكون خاصاً بمجموعة قصر الشباب والأطفال التي عاصرت “محمود” ودفعته.. ويشير “قرني” إلى أن الفترة التي قضاها “محمود” معهم بقصر الشباب والأطفال كانت جميلة، ويؤكد أن “محمود” اكتفى فقط بدراسته الدراما في القصر وهي الدراسة الوحيدة التي تلقاها في مجال الفنون.
ويرى “قرني” أن “محمود” كان يعبر عن هذا الجيل وعمل عملاً كبيراً وخطيراً في ظل موجة الغناء التي اجتاحت الوطن العربي بظهور مطربين شباب إبان فترته، لكنه استطاع وحده بغنائه أن يوقف هذا المد بالتفاف الشباب حوله والاهتمام بأغانيه، وإحيائه العديد من أغاني الفنانين الكبار بصورة مدهشة، ويضيف: (لهذا السبب أحست به الجماهير).. ويبين أنه سيبقى لمدى طويل لأنه كان صادقاً فنياً وقدم عطاء ضخماً وزاخراً في فترة وجيزة (وكأنه كان يحس بهذا الفراق).