فتاوى موسمية
نسب إلى مسؤول في هيئة علماء السودان حسب الصحف قوله إن تولي المرأة لرئاسة الجمهورية لا يجوز، وقدم القائل رؤيته وشرحها، والأمر بالضرورة سيعني المرشحتين للرئاسة المتقدمتين الآن لقب المرشح الرئاسي في الانتخابات المرتقبة بعد أشهر. وهكذا سيفتح القول لآراء عديدة ومباحث فقهية وسياسية وآخرون سينضمون للقافلة كل حسب تقديره. وستنضم كذلك الفتوى -إن كانت فتوى وليس رأياً- إلى جملة أقوال وسوابق كلها تجعل من مثل هذه التعليقات تتسم بالموسمية كما جرت العادة.
إن أتت أعياد ما خرج البعض بفرمانات الحرمة وإن أتى مغنٍ كذلك وإن صادق البرلمان وهكذا دواليك لكل حال تكييف فقهي، يقول دوماً إن الأمر لا يجوز وأن ذاك حرام وأن هذا ضد الشريعة. وليس في هذا ما يعيب إذا حسن أن تستبرئ تلك الجهات للناس دينهم ودنياهم من الشبهات، والسودانيون قوم يحرصون على ذلك. وأقرب مثال البرامج الدينية التي تشهد على موجات الإذاعات استفسارات في الصغير والكبير من أمر الدنيا والآخرة.
هذا يتطلب من تلك الجهات حرصاً يجب أن يتجاوز الإدلاء بالرأي عند الطلب إلى موقف أكثر تقدماً، وأعني به في مثال الانتخابات وما شاكل من أمور الحكم والسياسة، أن يكون الأمر يراعى حين إعلان الدساتير والقوانين، لأن قول هيئة العلماء في قضية رئاسة المرأة للدولة تطرح استفهاماً عن أين كانت هذه الرؤية الشرعية يوم إجازة الدستور وقانون الانتخابات. وكلاهما شهد تعديلات لأغراض الإضافة والحذف، فإن كان ذلك كذلك فمن باب أولى تطوير الأمر لمواءمة مثل هذه المسائل بين الشرعية والشريعة، حتى لا يترك الأمر للاجتهادات والمذاهب ويظهر الأمر وكأنما المشرع في البرلمان في ضفة والمشرع في الهيئة في ضفة أخرى ووجهة !
والآن أعتقد أن الهيئة قد وضعت المترشحات أو الراغبات في الترشح في مأزق، كما أن مفوضية الانتخابات قد أحرجت وهذا إلى جانب الأمر بصورته تلك سيعني إقصاءً مبكراً لأي سيدة تتقدم للمنافسة على منصب الرئيس، فإن كان العرف في المجتمع السوداني يقول إن (المرة لو فاس ما بتشق الراس)، وهو قول سلبي وغير دقيق لا يتناسب وحقيقة دور النساء وحقوقهن وكريم بذلهن، فما بالك ورأي شرعي يشير بالحرمة ومخالفة الشريعة.
والأمر كما قلت سيعقد كثيراً من الأمور وسيفتح باب جدل لن تسلم منه الهيئة نفسها.