(المجهر) تتسلل لعالم الحرفيين وتقف ميدانيا علي أوضاع من يكسبون بعرق جبينهم !!
البعض قال إنهم يعاملون بإزدراء ..
سلطات المحليات تطاردهم و70 ألف جنيه عربون لتسليمهم أكشاك صغيرة كانوا يعملون بها
غرامة تصل لـ(100) تلهف قوت يومهم وآخرون يصرخون (لسنا شماسة) !!
المحليات هددتهم بالإنذارات لإخلاء المواقع لصالح المستثمرين
نقابة العاملين : نسعي لمقابلة التخطيط العمراني وتخصيص أماكن للعمل
تحقيق- أسماء علي
يجلس (الحرفيون) على الطرقات وهم يفترشون الأرض يضعون عليها أدوات المهنة في انتظار من يناديهم لإصلاح عطب في عطل يحدث في محل تجاري او منزل ، يستقبلون أشعة الشمس وقد تساقطت علي وجوههم حبات العرق تجدهم منذ الصباح الباكر يجلسون علي الأرصفة يتبادلون الأحاديث مع بعضهم، وقد كست وجوههم ابتسامة برئية علامة الرضا بما يقسمه الله لهم فشعارهم (نحن علي باب الله ومركب علي الله لا بتحرق ولا بتغرق) ، وعندما تطلب أحدهم تجدهم منظمين يشيرون إلى الشخص الذي لم تأته الفرصة منذ الصباح، وحين تحدد أنت أحدهم يتنازل عن عمله لأكثرهم حاجة وما أكثر الحاجة بينهم. (ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) كيف لا وهم يعملون بـ(رزق اليوم باليوم) مجتمع الحرفيين سواء كانوا (اسطوات ) بنائين أو نقاشين أو كهربجية أو يعملون في مجال السباكة وو يعانون من واقع مرير فإلي جانب محدودية دخلهم فإن دفار المحلية لهم بالمرصاد وإذا لم يساعدك القدر وحملت بهذا الدفار في حملة أو كشة فقد يكلف إطلاق سراحك حرمان أسرتين من الطعام، لأن الغرامة التي تفرض مقدارها (100) جنيه قد تكون دخلك ودخل زميلك.
تتكرر هذه المشاهد يومياً بأماكن مختلفة وتتكرر معها شكاوى وتوسلات الحرفيين، فهم لا يملكون حق إيجار المحلات وليس لديهم بديل سوى الشارع. (المجهر) دخلت عالم يتكون من الكادحين وجلست إليهم ووقفت على حجم معاناتهم.
ضحكات في زمن الوجع
في سوق (الخرطوم 2) ملأت ضحكاتهم المكان وهم يتبادلون الطرائف ويزاولون أعمالهم، جلسنا بالقرب من العم “عبد الرحيم رحمي” كما يحلو لأهل السوق مناداته وهو منهمك في عمله فطلب منا الجلوس واحتساء الشاي إلى حين إتمام ما بيده. تحدث لنا “رحمي” عن سوء بيئة العمل وسوء التعامل الذي يلاقونه، فهم يعملون بعرق جبينهم في الشارع وتحت أشعة الشمس لتوفير اللقمة الشريفة، لكن المحلية لا تدعنا في حالنا حيث يقوم الدفار بزيارتنا أكثر من مرة في الأسبوع مما يسبب لنا خسائر فادحة، لأن مبلغ الغرامة قد يفوق الدخل اليومي، ولا تجد من يساعدك من الزملاء لمعاناتهم نفس الظروف. وأضاف: (نحن في هذا المكان منذ عشرات السنين ومع ذلك لا نستطيع توفير ثمن شراء دكان، فماذا يضير المحلية لو ساعدت في رزق أبنائنا ووقتنا هجير الشمس).
نعامل كالشماسة
وفي الشارع المجاور جلسنا إلى العم “قادم” الميكانيكي الذي عبر عن استيائه مما يعانيه الحرفي في هذا الوطن. وحدثنا بقوله: (نحن الحرفيين نعمل بكد ونأكل من عرق جبيننا ولا نجد تقديراً أو رعاية رغم أهمية عملنا وجودته، فأصحاب المحلات التي نعمل أو نجلس أمامها يعاملوننا كالشماسة، ولا نعتب عليهم طالما أن الاتحاد المعني بنا بعيد عنا ولا يعيرنا أدنى اهتمام، وجل اهتمامه بالشركات الكبرى وبسببه ضاعت معظم حقوقنا، فهذه الشركات يجب أن تعطينا (10%) من ثمن كل اسبير نقوم بشرائه لكن ولعدم اهتمام الاتحاد نشتري كبقية خلق الله دون عمولة أو تخفيض، علماً بأن الاسبيرات غالية جداً ما يضطرنا للرأفة بالزبون ووضع سعر بسيط جداً لعمل يدنا. وأضاف: “قادم” رغم كل هذه المشاكل تأتي المحلية لتزيد الطين بلة فعيننا دائماً تراقب الدفار وقلوبنا بأيدينا). وطالب “قادم” الاتحاد بنشر مناديبه في الطرقات للوقوف على حالة الحرفيين.
العودة بخفي حنين
ومن (سوق الخرطوم 2) توجهنا إلى المنطقة الصناعية الخرطوم، وعند دخولنا وجدنا عدداً كبيراً من الحرفيين يجلسون وظهورهم إلى مقابر اليهود، والشمس تحرق وجوههم بعد أن أطاحت شرطة حماية الأراضي برواكيبهم التي تحميهم من وهج ولفيح الشمس منذ عشرات السنين، بعد أن تم بيعها لأحد المستثمرين. تحدثنا إلى كل من (عبد الرحمن، تاور، عثمان، جمال وعم يعقوب) فحدثنا أحدهم أنهم يأتون منذ الصباح الباكر وفي المساء يرجعون إلى البيت خاليي الوفاض حيث لا يوجد عمل بعد هدم محلاتهم، وإذا ذهبوا إلى الشارع يجدون دفار المحلية في انتظارهم.
وعن تمليكهم للمحلات بدلاً من بيعها لمستثمرين قالوا إنه قد طلب منهم دفع (70) مليون للتمليك، وكانت إجابتهم (إذا عندنا قروش قدر دي بنقعد في راكوبة ؟؟!! نحن نعمل رزق اليوم باليوم فمن أين لنا بهكذا مبالغ؟). وبجانب هؤلاء وقف شاب في مطلع الثلاثينيات وتحدث إلينا بغضب عرمرم واصفاً ما يجري حيالهم من قبل الشرطة التي جردتهم من مكان عملهم بالاستفزاز، ويفترض على المحلية أن توفر لهم بدائل قبل أن تشرع في التكسير.
مقارنة شاسعة
واستطرد محدثنا مقارناً: هناك أشخاص يعملون هنا لأكثر من (30) عاماً بينما هناك دول تملك القطعة للشخص الموجود بها بعد (15) عاماً من إقامته فيها فلا يتم تجاوزه أو تشريده.
ثمة مشهد أثار فينا لواعج الحزن والأسى وهو مشهد شيخ طاعن في السن يجلس حزيناً ويديه فوق رأسه، اقتربنا منه فتبينا أنه مقطوع الأطراف بالخلاف،فأخبرنا أن حكومة “نميري” نفذت فيه حد السرقة في بداية شبابه، وعندما أتت الانتفاضة وفرت له كشكاً ليعمل ويسكن فيه. ثم استدرك: لكن اليوم وبعد أكثر من (40) عاماً وجد نفسه بلا مأوى وبلا عمل. تأثرنا لحديثه الذي رواه فجلسنا بالقرب منه فزاد بحديث فاق احتمالنا بقوله: (يا بتي قطع الرقاب أهون بكثير من قطع الأرزاق)، مبيناً أنه في هذا المكان منذ العام 1969 فإذا كان لابد للمحلية أن تبيع محلاتهم كان من المفترض أن توفر لهم بديلاً.
المكان خرابة
ومنه توجهنا غرباً لنجلس براكوبة رئيس نقابة الحرفيين بوحدة المنطقة الصناعية العم “الحلو” الذي لم يختلف عن سابقيه في التعبير عن مدى استيائهم مما يلاقونه من المحلية، واصفاً الحالة بالاستهداف. واستنكر ما قامت به المحلية من جلبها نفر من الشرطة لإخراجهم. وقال: بعدها ذهبنا إلى المحلية وجلسنا مع المدير التنفيذي الذي وعد بتوفير (جملونات) بعد أن يستلم المستثمرون دكاكينهم. وتعرض “الحلو” في حديثه إلى المحلية التي أرسلت لهم إنذارات لكنهم أجابوها بأن ليس لديهم بديل ولا مكان يذهبون إليه، علما بأنهم جاءوا إلى هذا المكان منذ سنين عددا عندما كان خرابة وهم من قام بتعميره.
جباية غير مبررة
حملنا كل هذه الآراء وذهبنا بها إلى الأمين العام لنقابة عمال العمل الحر (الحرفيين) “حسن الطيب” وقد علق عليها بقوله: (نحن نستنكر وندين ونرفض ما تقوم به المحلية فهذه جباية غير مبررة وبها ظلم كبير، والمبلغ نجبر على دفعه ويوجعنا لأنه يستقطع من لقمة طفل، أو لبسة برد، أو رسوم مدرسة، لذا يجب على المحلية أن تجلس معنا لنتفق على سعر المخالفة التي من المفترض أن لا تتعدى الـ(10-15) جنيهاً).
وعن عمل النقابة قال “حسن” إنهم في سعي مستمر لإيجاد محلات ثابتة للحرفيين. والآن عدد كبير يخضع لمقابلات بوزارة التخطيط لتحديد وإيجاد أماكن، وإلى أن يتوفر هذا المكان لأبد أن يتواجدوا في الأسواق لأنهم يعولون أسراً. وأردف: (إن الحرفيين لهم مساهمة في الدخل القومي والاجتماعي، لذا فعلى المحلية أن تنظر لهم من هذه الناحية بدلاً من فرضها للجبايات).
شركاء في الإنتاج
وطالب “حسن” المحلية وقائدها أن تنظر للحرفي ككادر اقتصادي قومي لإسهاماته المقدرة، فهو يقوم بتوليف اسبيرات غالية الثمن بأسعار معقولة، كما يقوم بمعالجة أعطاب السيارات. وأضاف: “حسن” نقول للمحلية: (نحن لسنا ضدها بل شركاء في الهم القومي والشريك تشاوره ولا تفرض عليه، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا فنحن ندعو للمعقولية).