حوارات

أمين أوقاف السودان بالخارج "خالد سليمان" في أول حوار بعد تبرئته

نافذون حركوا قضية فساد الأوقاف واتهامي بتبديد (4) ملايين ريال سعودي!!
لم أتوقع البراءة لهذه الأسباب…!! ولن تكون عواصف القضية سبباً لاعتزالي السياسة
استفدت الكثير من بقائي في السجن لثلاثة أعوام.. و(ياما في السجون مظاليم كُثر)!!
 حوار – محمد جمال قندول
بعد ثلاثة أعوام قضاها الرجل في السجن بتهمة تبديد (4) ملايين ريال سعودي من الأوقاف السودانية بالمملكة العربية السعودية، أعلنت المحكمة العليا تبرئته من التهمة الموجهة إليه، وقد سبقه في ذلك وزير الأوقاف السابق د. “أزهري التجاني” وأمين عام ديوان الأوقاف د. “الطيب مختار”، وأمين ديوان الأوقاف الذين برأتهم المحكمة في قضية فساد الأوقاف الشهيرة.. أمين الأوقاف بالخارج بوزارة الإرشاد د. “خالد سليمان”، الذي عانق الحرية بعد أن قضى ثلاث سنوات حبيساً بين أربعة جدران، التقيناه في حوار جريء كشف فيه المثير عن تداعيات القضية، وتجربته داخل السجن، والمحطة التي سيتجه إليها، ورد فعله على القرار القضائي.. ومحاور أخرى طرقناها معه في حوار لامس الحقائق الغائبة بمنزله بضاحية أركويت.

{ دكتور “خالد”.. حمداً لله على السلامة؟
– الله يسلمك.
{ بداية لخص لنا أبعاد تبرئتك التي شغلت الرأي العام؟
– أعتقد أنها معركة بين الحق والباطل، وبين المصالح العامة والخاصة.. والأصل في الأوقاف أنها أمانات أموات سواء أكانت حكومات أو سلطنات قديمة أو مؤسسات أو أسر أو أفراداً، وهؤلاء اقتطعوا من أموالهم وخصوها لوقف مصالح المسلمين المختلفة، وفي المملكة العربية السعودية تمثلت شروط الوقف في خدمة الحرمين الشريفين والعلماء والطلاب والحجاج والمعتمرين والخدمات الصحية لهم وغيرهم من أهل المدينة ومكة، وخدمة بعثة الحجاج السودانيين.. ويلاحظ أن الأوقاف عممت ضمن شروط أوقافها مصالح سودانية ومصالح عامة ما جعلها أوقافاً قيمة وعظيمة.. وإدارة الأوقاف تدير هذه الأوقاف نيابة عن الدولة وتقوم بالإشراف عليها، لكن نتيجة إهمال متوارث في الحقب السابقة في الوزارة أضحت هذه الأوقاف في أيدي آخرين وجهت نحو مصالحهم الخاصة أكثر منها للعامة.. وشروط الوقف الموجودة بالحج كانت تحتاج إلى إعادة فاعليتها بوضعها تحت يد إدارة الأوقاف حتى تتمكن من تطويرها، وهذا الأمر كان يتطلب ثورة تصحيحية قوية في وجه أصحاب المصالح الذين كانوا يستغلونها.. وإنفاذاً للهدف الأساسي جاء قانون الأوقاف القومية الإسلامية الذي وجه ديوان المراجعة بإعادة هذه الأوقاف من أيدي الغير سواء أكانت جهات رسمية أو مؤسسات أو أفراداً داخل وخارج السودان.
{ كأنما تريد أن تقول إن تحرككم تجاه تصحيح التجاوزات في الأوقاف هو ما حملكم إلى غياهب السجن؟
– كما ذكرت سابقاً، كانت هنالك جهات محركة لذلك ونيتها التآمر، وهم أصحاب مصالح خاصة بالأوقاف.
{ باعتقادك.. هل هناك قصد لشخصك أم أن الأمر عام؟
– نعم.. الأمر ضدي وضد غيري، وأي مسؤول يجتهد في إعادة هذه الأوقاف إلى إدارة ديوان الأوقاف وتطويرها وإنفاذ شروطها لمصلحة المستفيدين.
{ ومن هم أصحاب المصالح الذين تقصدهم؟
– لا أستطيع تسميتهم لأنها خطر عليّ، وأتحفظ على الأسماء.
{ هل سيأتي يوم وتعلن عنها؟
– أنا الآن خارج الأوقاف، لكننا سنملك الإدارة الجديدة المعلومات كافة عنهم، ومن ثم ينسقون مع الجهات الرسمية للوقوف على الأمر.
{ وهل هؤلاء الذين رفضت تسميتهم قيادات تنفيذية بالدولة أم أنهم مجرد موظفين؟
– لا.. هم جهات تنفيذية نافذة بالدولة ولها وزنها.
{ وما هي تفاصيل القضية؟
– القضية كانت بتوجيه من وزير الأوقاف وقتها “خليل عبد الله”، حيث طلب تحريك فريق من المراجعين لا يتبع لديوان المراجعة  لمراجعة أوقاف الخارج بالمملكة العربية السعودية دون أن يكون له حق في ذلك، ووفقاً لقانون الأوقاف الموجود، بأن السلطة لم تعطه الحق، وهنالك مراجعون تابعون للأوقاف كانوا يراجعون بصورة مستمرة ولم يخرجوا من قبل بمعلومات سالبة عن الأداء المالي، ما حدا بمجلس أمناء الديوان إلى أن يرفض الأمر واحتج وقدم مذكرة احتجاجية لم يكترث لها الوزير كثيراً، ومضى في إجراءاته وتحريك إجراءات بلاغات ضدنا أنا بصفتي أمين أوقاف السودان بالخارج ود. “أزهري التجاني” وزير الأوقاف السابق وأمين عام ديوان الأوقاف د. “الطيب مختار”.
{ وماذا بعد ذلك؟
– بدأت المحاكمات لثلاثتنا، وبعد أن احتملت المحاكمات التي امتدت فترة من الزمن تمت تبرئتنا جمعياً بفضل الله، ونتيجة هذه الإجراءات والقضية تم تجميد أعمال أوقاف السودان بالخارج والداخل وأهملت الأوقاف.. وفي هذه الفترة التي قضيناها بالسجن نزعت بعض الأوقاف التابعة للسودان بالسعودية وألغت السعودية من البنك الإسلامي للتنمية المشروعات التي كانت مخصصة لتنفيذ ثلاثة أبراج.. وللعلم فإن عدد الأوقاف التي أرجعت في عهدنا بالسعودية كانت عمارات تم الحصول عليها بقيمة (221) مليون ريال سعودي، وتعويضات أوقاف سابقة نزعت بسبب التوسعة للحرمين بقيمة (114) مليون ريال.
{ وكيف تم توجيه التهمة إليك؟
– وجهت لي تهمة صرف أموال على مشروع الأوقاف باعتبار أن الأوقاف تتبع للسودان، لكن القاضي في حيثيات الحكم أشار إلى أن الأوقاف تديرها المملكة العربية السعودية وتشرف عليها ويتم الصرف عليها من ميزانية سودانية، والاتهام كان تبديد الأموال في مشروع وهمي، وهذا يتعارض مع قانون الأوقاف الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية كما يتعارض مع توصياته، بجانب أن الحصول على الأوقاف التي بيد الغير بالخارج من إستراتيجية وزارة الأوقاف منذ العام 2000 وحتى اليوم، كما أنها هدف أساسي أصدره ديوان الأوقاف.. وقد أكد السيد وزير الأوقاف ذلك بالمحكمة.

{ وما حجم المبلغ الذي اتهمت بتبديده؟
– (4) ملايين و(300) ألف ريال سعودي.
{ وهل اكتفى الاتهام بتوجيه تهمة واحدة أم أن هناك تهماً أخرى؟
– هما قضيتان بتبديد المال العام تحت المادة (129) الإجراءات المالية بزعم تبديدي لمال أوقاف السودان بالمملكة العربية السعودية.
{ قضيت ثلاث سنوات بالسجن.. هل كنت تتوقع البراءة؟
– بصراحة لم أكن أتوقع البراءة نهائياً وذلك من واقع ما أحطت به من مؤامرة، لكن يقيني بأنني كنت أعلم نفسي بريئاً من كل التهم المنسوبة إليّ.. لكن عندما تمعنت في تفاصيل القضية والتآمر علينا فيها أحسست بأن الأمور ستسوء أكثر ولن نخرج من هذه القضية.
{ وكيف تمت خطوات البراءة؟
– البراءة صدرت من المحكمة العليا بعد دراسة البينات والاستئنافات السابقة على مدار ثلاثة أعوام.. وأخيراً صدر الحكم بالبراءة والحمد لله.
{ قلت إن أصحاب المصالح رفضوا الثورة التصحيحية التي قمت بها داخل أروقة الوزارة.. هل ستقود الحملة مجدداً بعد خروجك من السجن؟
– نعم سأواصل رسالتي، لكن ليس من خلال التوظيف.. (لو وظفوني مرة أخرى بالأوقاف ما عايز)، لكن عبر العمل الفكري سأوصل رسالتي.
{ بعد تجربتك بالأوقاف.. هل تعتقد أن هنالك رجالاً يسعون إلى تصحيح الأوضاع بالصورة المثلى؟
– نعم هنالك رجال كثر في الأوقاف حريصون جداً على الأوقاف بكل تفاصليها، وأثق أنهم سيقومون بالتصحيح اللازم لها.. والحمد لله هنالك أشخاص قدموا الكثير للأوقاف من خلال نشر ثقافة الوقف في المجتمع السوداني وعلى مستوى الدولة بأرفع قياداتها.. وقبل سنوات خلت لم يكن السودانيون يعرفون معنى الوقف.
{ من الذين ساهموا في براءتك؟ ومن وقف معك في محنتك؟
– كثر، لا تسع المساحة لذكرهم من الأهل والأصدقاء والقيادات.
{ الحزب هل وقف معك في قضيتك وهل كان مؤمناً ببراءتك؟
– كما قلت لا أريد أن أنسب الفضل لجهة أو شخص.. والذين وقفوا بجانبي كُثر جداً منهم المنتمون للحزب.
{ هل زارك قيادات من الحزب أو الحكومة أثناء وجودك بالسجن؟
– نعم.. زراني الكثير من القيادات العليا ومن المجلس التشريعي ووكلاء بدون تسميتهم.
{ وماذا أنت فاعل بعد خروجك من السجن؟
– أريد أن أكرس نفسي للعمل الفكري والدعوي فقط، وأن أمضي في الجوانب الفكرية والتنظيرية لرسالة الوقف كرسالة عشتها وتبنيتها وتثبيت توجيهاتها الصحيحة.
{ بمعنى أنك تريد اعتزال العمل السياسي بعد مواجهتك لهذه العواصف؟
– لا يستطيع أحد دخل معترك السياسية أن يعتزلها.. السياسة والدولة أصبحا أمرين ملازمين للإنسان في حياته.
{ من زارك بعد خروجك من السجن من القيادات؟
– عدد كبير من القيادات، أبرزهم الأمين العام للحركة الإسلامية  “الزبير أحمد الحسن”، وأمين الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم “عبد القادر محمد الزين”، والقيادي بالإصلاح الآن “حسن عثمان  رزق”، والشخصيات المجتمعية والإسلامية والمنظمات، وعدد كبير من الإخوان. 
{ وكيف كان يمضي يومك بالسجن؟
– كنت مسؤولاً عن المسجد وبرامج الدعوة المختلفة والأعمال الاجتماعية.
{ وماذا تقول عن تجربتك بالسجن؟
– كانت مهمة جداً واحتاجها بشدة رغم أنها جاءت قدرية، وهي تجربة مفيدة تعلمت فيها ما لم أتعلمه في مواقع العمل.. وكل المفكرين والمصلحين والقيادات الوطنية على المستوى العام مروا بهذه المحطة.
{ إلى ماذا خلصت من تجربة وجودك بالسجن؟
– اكتشفت الوجه الحقيقي لإخفاقات بعض المؤسسات العدلية.
{ وكيف كان التعامل معك بالسجن؟
– كانت رائعة من قبل منسوبي السجن بكل قطاعاتهم التعليمية والجهوية والعمرية، وهذا مكسب كبير في حد ذاته، واستفدت بالتعامل مع الطبقات الشعبية والبسيطة بعد أن كان تعاملي مع الصفوة قبل دخولي السجن.

{ مقولة (ياما في السجن مظاليم).. هل لمستها؟
– مظاليم كلمة بسيطة جداً وتقليل من عدد المظلومين.. ما وجدته أكبر من هذا بكثير.
{ كيف تنظر إلى تجربة الإسلاميين بعد (25) عاماً من الحكم؟
– كانت موفقة في بداياتها ومؤثرة عالمياً، ونجحت في تحوير الفكرة من النظر إلى الواقع.. لكن مسيرتها تعثرت في السنوات الأخيرة وتحتاج إلى مراجعة جادة، وشفافية حتى تستعيد عافيتها حتى تتمكن من تحقيق نجاحات لصالح الإسلام والمسلمين.
{ أثناء وجودك بالسجن خرج الكثير من القيادات “نافع” و”علي عثمان” وغيرهما.. كيف تنظر إلى الأمر؟
– لا علم لي ببواطن الأمور حسب وجودي في السجن، لكنها بشكل عام اختلافات الغرض منها ليس خدمة الفكرة الإسلامية وإقامة المجتمع الإسلامي.. وربما تكون لها جوانب أخرى.. والله أعلم.
{ وما رأيك بالحوار الوطني القائم الآن بين الحكومة والأحزاب؟
– الحوار ضرورة لازمة لاستقرار البلاد، ونتمنى أن يتحلى بالصدق والوفاء لمصلحة الوطن، وأن يتجاوز محطة الجهوية ويحقق النجاح المطلوب. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية