سلوكيات قبيحة..!!
كنت بمطار الخرطوم قبل يومين مودعاً صديقاً انحاز طوعاً لخيار الاغتراب والهجرة، ولست ألومه، فقد قدم لوطنه ولم يستبق شيئاً وأثق أنه سيكون ذات الشخص همّة ونشاطاً وتميزاً بالخارج وسيكون سفيراً فوق العادة لبلاده، وإن كان بلا لقب دبلوماسي.. ثرثرنا على حاشية الوداع والفراق، وانصرفت.. وفي طريق عودتي، وكنت أمسك ببقية (ورقة) تالفة بيدي كنت قد استخدمتها لشيء ما، وجدت نفسي في لحظة سهو أقذف بها في الباحة الخارجية حيث صالة المغادرة.. رميتها ومضيت بطريقي ليستوقفني صوت صبي يلحق بي وهو يصيح: (عمو.. عمو) توقفت ووجدته يشير إليّ معاتباً بعينيه وهو يومئ نحو الورقة التي رميتها.. شيء من الالتقاط العاجل للرسالة غشيني فأسرعت عائداً التقطها وأنا أدسها في جيبي متمتماً بعبارات الأسف والاعتذار.. كان درساً سريعاً ونابهاً للصبي الصغير الذي لم يتركني إلا وهو يشير إلى موقع مخصص لرمي المخلفات، صندوق كبير مضيت نحوه وأنا أرمي بالورقة والشكر يتقطر مني لذاك الصبي.
حادثة قد تكون في نظر البعض ليست بذات قيمة وأهمية، لكنها كانت مؤشراً على سلوك جديد وحسن يجب تطويره ليتحول إلى ثقافة عامة، فما يقعد بنا في هذه البلاد إلا التواكل وطبع البداوة الذي يجعل بعض تصرفاتنا جد مزعجة، وقد أحسست بالراحة إذ أيقنت أن الأجيال القادمة تبدو أكثر اتزاناً ورصانة في التعامل مع جيلنا.. وسبحان الله.. عقب ما حدث معي بساعات وليلاً أعاقت سيارة مظللة ومطهمة سيرنا بأحد شوارع العاصمة الكبيرة لأن سائقها لسبب ما كان كل دقيقة يرمي بحزمة أوراق وقارورات فارغة على جانب الأسفلت ووسطه في أسلوب فج، وحينما توقف عند أحد التقاطعات اكتشفنا أن الرجل كبير السن عريض المنكبين (شلولخ)، وكان بارداً إزاء نظرات الاستياء التي صوبها نحوه أكثر من شخص شهد الواقعة.
الآن، بكثير من الأحياء، وخاصة لمن هم يسكنون على الشوارع الرئيسية، توجد عادة سيئة إذ ينقل عادة السكان من الشوارع الخلفية مخلفات قمامتهم ويضعونها أمام منازل البعض ولا يحرصون على إيصالها للموقع المحدد حيث تأتي مركبات النظافة (إن حضرت ولم تغب) ليأخذها العمال، وهو سلوك يعني ببساطة أن مواطناً ما سيتحول باب منزله إلى مكبً عظيم للنفايات، لأن أحدهم تعامل بأنانية مع الأمر وقذف بالمخلفات حيث أراد.. والأمر هنا قبل أن يحسم بالقانون أو شكل آخر، أسلوب وسلوك ينم عن جهل، وللأسف فإنه يشير إلى أن مثل هذه الإشكاليات تحتاج إلى معالجات من أساليب أخرى غير العقاب بقدر ما هي جعل السلوك الصحيح نفسه عادة وجعل السلوك القبيح مستهجناً ومنكراً، وهذا مبحث طويل، وودت والله لو أن تحركاً بشأنه تم، وهو أمر يمكن أن يطور إيجاباً عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي لست أدري لماذا لا تناقش مثل هذه التفاصيل الصغيرة وتتعهدها ببرامج ورسائل للتحسين والتطوير.