الحلفاية.. تفريق النسيج الاجتماعي من ولاية الخرطوم!!
حلفاية الملوك قلعة شامخة من عبق التاريخ وشموخ الأجداد يكسوها المجد والإرث الإنساني بطعم الذهب الخالص، وهو انطباع تحسه يسري في دواخلك، ويبقى طازجاً في ذاكرتك، كلما طاف خيالك على تفرد المدينة العريقة التي تتوكأ على بريق رجالها، ورموزها، وموقعها الجغرافي والوجداني والتاريخي منذ القرون البعيدة مروراً بمشيخة العبدلاب حتى الأوضاع الحالية. كان النسيج الاجتماعي قدراً ملهماً، وجداراً قوياً وعنفواناً عظيماً في الحلفاية لا يفرق بين القبائل والعشائر والأقارب والجيران، فقد ظل مدرسة عظيمة للتراحم، والتكافل واقتسام السراء والضراء. الآن تشهد الحلفاية تطورات غريبة ومدهشة وخطيرة توشك على ضرب النسيج الاجتماعي واللحمة الوجدانية بين مواطني المدينة العريقة ارتكازاً على السياسات الموجعة والمنهج المؤسف من قبل والي الخرطوم عندما اشترط منح أصحاب الخطة الإسكانية الخاصة التي طرحت عام 2012 إلى المواطنين (الأصليين) بالحلفاية -على حد تعبيره- وعزل الفئات الأخرى التي تسكن المدينة منذ عشرات السنين ليست بقليلة باعتبارهم (غير أصليين) فقد كانت إفرازات هذا الموقف سالبة على النفوس حيث قوبلت بالاستهجان والرفض والاحتجاجات الكثيفة فضلاً عن مأساة دفع مبالغ عالية وصلت إلى (70) ألف جنيه لحوالي (4) آلاف مستحق من جملة (12000) متقدم للخطة ودفعهم كافة الرسوم لمصلحة الأراضي ومنسقيات اللجان الشعبية بالمنطقة.. التي انزلقت في وحل ولاية الخرطوم وإقامتها احتفال تدشين قل ما يوصف بأنه عنصري بغيض .. لسعر القطعة الواحدة، وهؤلاء يرون أن الرسوم الطبيعية لا تتجاوز أكثر من (3) آلاف جنيه، وبذاك القدر خسرت ولاية الخرطوم موقف أصحاب الخطة القديمة، وعددهم حوالي (1600) مستحق عندما فرض عليهم دفع((40 ألف جنيه لسعر القطعة الواحدة، وهؤلاء يرون أن الرسوم الطبيعية لا تتجاوز أكثر من 2 ألف جنيه، وفي الصورة المقطعية أصدرت اللجنة الأهلية العامة لأهالي حلفاية الملوك بياناً واضحاً ذكرت فيه أن رسوم الدفع لجميع المستحقين بالحلفاية عالية للغاية، ولا تتماشى مع أوضاع (الأهالي) وظروفهم الحياتية، بل لا تتناسب تلك المبالغ الكبيرة مع خصوصية ومزايا الخطط الإسكانية القائمة على الأسعار الزهيدة والمعقولة، فضلاً عن ذلك حذر البيان من الهجمة الشرسة المتوقعة من سماسرة الأراضي والمنتفعين الذين يستغلون هذه الأجواء المواتية لتحقيق مكاسبهم الرخيصة على حساب المواطن المكدود في الحلفاية. اللوحة التراجيدية السوداء على بساط حلفاية الملوك تتراءى أمام الناظر كطيف شاحب في الفضاء يكسو الأحلام الوردية، ويعزف أوركسترا المواويل الحزينة، فقد جاء تفريق النسيج الاجتماعي من ولاية الخرطوم عليهم!!.
الحلفاية الآن تغلي كالمرجل ووتيرة الغضب ترتفع إلى فضاءات بعيدة، فالخطة الإسكانية القديمة والجديدة صارت كابوسا موجعا على النفوس، حيث اختفت البسمات والأفراح رويداً رويداً، وظهرت تقطيبة الجبين من ثنايا ارتفاع أسعار القطع السكنية وتقسيم المواطنين إلى (أصليين وأهالي) يقول علماء البيئة إن النيران في الغابات إذا اشتعلت فإنها غالباً تعمل ضد المنطق الطبيعي إذ تتحرك طولياً وعرضياً بفعل الرياح وكذلك فإن تفريق النسيج الاجتماعي إذا وقع فإنه يتحرك في أكثر من اتجاه بفعل عوامل عديدة ويؤدي إلى مواجهة صعبة أخطر من حريق النيران. وتبقى المحافظة على النسيج الاجتماعي في الحلفاية من مهام الأسر العريقة في المدينة التاريخية على رأسهم آل” جماع” وآل” محمد صالح المك” وآل” تمساح” والرموز الأخرى في حلفاية الملوك…