"برنابا" .. والخط الصفري
زار وزير خارجية دولة الجنوب “برنابا بنجامين” الخرطوم وقد زارها وخفَّ، إذ غادر سريعاً بعد أن أطلق تصريحات دبلوماسية مفعمة بمستقبل أفضل للعلاقات بين “الخرطوم” و”جوبا”. وهو ما نرجوه جميعاً فقط أن يكون ذلك وفق قواعد معروفة وليس بناءً على حديث دبلوماسي من شخص أصلاً عرف بالاعتدال والتهذيب مثل الوزير “برنابا” والذي تعهد له السودان بحسن الجوار وكف الحملات الإعلامية والتصعيد، وهكذا فقد خرج (كسبان وربحان) بعد أن قال لنا إن مثل مزاعم الاتهامات المتبادلة إنما تحلها لجان متخصصة لبحث تلك الأمور، ومن ثم لا داع للجهر بها وتداولها. وهو قول مع احترامنا للرجل وحسن أخلاقه يدعونا للعجب لأن تلك اللجان حسب ما نعرف وندرك لم تجتمع لتراقب الحدود أو تتحقق من أية اتهامات لأنها ببساطة لجان على الورق بعد تلكؤ الجنوب في كل مرة وتراجعه وتنصله، هذا فضلاً عن غياب الخط الصفري الذي يحدد لكل طرف مناطق حدود رقابته !
منذ نحو عامين أو ثلاثة واتفاق التعاون الموقع بين السودان وجنوب السودان معلق ولم تنفذ تسع اتفاقات، لأن الجنوب يرفض ترسيم الخط الصفري المؤقت والذي سيحدد حدود السيادة لكل دولة والمنطقة المنزوعة السلاح والمعابر العشرة الخاصة بالعلاقات التجارية والاقتصادية. وحقيق أن نذكر هنا أن الأمم المتحدة وصل بها الضجر والاستياء من “جوبا” أن حملت “جوبا” بقرار صادر عنها مسؤولية تعطيل ترسيم الخط الصفري، وانعقدت أكثر من ثلاث قمم ووقعت (كذا) اتفاقية للتعاون والترتيب الأمني وكلها كانت تنتهي إلى اللا شيء، وكانت الخرطوم تعد نفسها وتسمي ممثليها ثم لا يلتزم الجنوب، ولا تتحرك تلك الملفات إلا أن أتت قمة للاتحاد الأفريقي والتقى الرئيسان “البشير” و”سلفاكير” في “أديس أبابا”، يومها تتذكر “جوبا” ما وعدت فتلتزم مرة أخرى إلى حين انفضاض المناسبة.
بالمقابل تمضي أعمال الدعم والإسناد لمتمردي دارفور من داخل “جوبا” ومن دولة الجنوب حيث أن (الغاشي والماشي) يعرف أن الحكومة هناك وجيشها هو من يوفر الآليات والانتقال عبر المدن وبعض عواصم الجوار لمتمردي دارفور وقياداتهم، هذا فضلاً عن ثبوت مشاركة أولئك المتمردون في القتال الدائر بين الفرقاء الجنوبيين ولابد أن عملاً مثل هذا له فواتيره وصفقاته التي ستكون أخر الأمر معنياً بها السودان وأمنه إلا أن يكون متمردي دارفور قد فعلوا هذا صدقة وعطفاً من أنفسهم على حكومة “سلفاكير” ! وليس من السهل إقناع عاقل بأن من يقاتلون إلى جانب الجيش الشعبي إنما يفعلون ذلك عصبية وحمية وليسوا يفعلون ذلك انتظاراً لرد التحية والدعم بأحسن منه وأكثر ولهذا اعتقد أن على وزير خارجية دولة الجنوب، أن يكون أكثر شجاعة وحضوراً وأن يدفع حكومته لرفع يدها عن دعم المقاتلين ضد الخرطوم.