تقارير

"محجوب محمد صالح ": "الأزهري" درسني وهذا سر علاقتنا بجيل الاستقلال

شخصيات عاصرت الاستقلال
“الترابي”: كنت في الجامعة وتنازع الحزبين سهل الاستقلال
فاطمة مبارك
اعتادت الصحف في  كل عيد لاستقلال السودان أن تتوجه صوب أسرة “الأزهري” باعتباره أحد رواد الاستقلال الذين لعبوا دوراً في نيله؛ لهذا السبب حاولنا هذه المرة اختيار زاوية مختلفة فكانت وجهتنا إلى بعض القيادات الحزبية والرموز الوطنية التي عاصرت هذه اللحظة التاريخية  واخترنا أن نبتدر هذه الرموز بدكتور “حسن الترابي” و”محجوب محمد صالح” وكان السؤال: أين كنت في تلك الأيام؟
كنت في الجامعة بين التخرج والابتعاث 
 “الترابي” قال: عندما أعلن الاستقلال كنت في الجامعة بين التخرج والابتعاث إلى بريطانيا وقبلئذٍ كنا طلاب في الجامعة وكان المد العام  اتحادي النزعة بعدما اكتسح الحزب الاتحادي الانتخابات وتقدم على حزب الأمة بنسبة كبيرة وكان الصراع يتوجه نحو الاستفتاء وحزب الأمة الحريص على الاستقلال أما الاتحادي فكان يريد الاتحاد مع مصر وكان لا يوجد أصلاً برنامج في الجامعة والطلاب الذين بالنسب هم موصولون بالأنصار أو حزب الأمة كانوا في الجامعة غالباً يدخلون في الحركة الإسلامية أو الشيوعية آنذاك كان أكبر تجمع مثقفين موجود في الجامعة والخرجين وسط الرأي العام كانوا هم الأخطر فمثلاً في البرلمان الناس كانوا يصوتون كما يؤمرون لأن عليهم رقيب إذا رفع يده يصوتون كما يؤمرون هؤلاء أمامهم رقيب وأولئك عليهم رقيب لا يعترضون على أي شيء لكن الجامعة كانت محلاً للتداول الحي فكنا شباباً مستقبلنا أمامنا ممثلاً في التخرج والحياة والزواج ،عندما خرج الاستعمار كنا نسأل الساسة الكبار ما هو منهجكم كانوا يقولون لنا التحرير والتحرير انتهى ونحن كنا نريد أن يحدثونا عن خططهم لأن الشباب دائماً لا ينظمون أنفسهم ، الأحزاب هي التي يجب أن تنظم الناس، فهم لم يكن لهم جملة واحدة ولا شعارات والأحزاب لم يكن لديها برنامج، أوراق مكتوبة ما فيها حتى بسملة أو شعار ، مشاعرنا بدأت تخيب وقتها ونحن مازلنا في الجامعات ولم يمض وقت طويل وذهبنا إلى الدراسات العليا وانكسحت النظم بسرعة وجاء الحكم العسكري الأول
تنازع الحزبين سهل الاستقلال
الانتماءات الدينية كانت انتماءات الإسلام دين ودولة وعدالة اجتماعية الشيوعيون كذلك لم يكن لديهم برنامج يجيبوه من الاتحاد السوفيتي، قبل الاستقلال كان لا يؤذن بأن يكون هناك حزب شيوعي فقط حركة تحرير وطنية وكان اسمها حركة التحرر الوطنية، ونحن كنا حركة تحرر إسلامي وهناك طلاب بلا ليبراليون ومستقلون منهج أو برنامج الحركات نفسها في أول عهدها كانت يسارية وإسلامية وكان لدينا رؤية للأمام لكن عندما نسأل القادة عن الرؤى يرجعون إلى الوراء ويقولون تحرير تحرير، فأي مرحلة تسعى لتجاوزها كان لابد من خطة عمل ورائها والتجاوزات كثيراً ما تأتي بغتة وأنا لا أقول إن الاستقلال باغتهم لكن نسبياً كان الاثنان (الاتحادي والأمة) متنازعين وهذا سهل على السودان أن يستقل أسرع من بلدان أفريقيا الأخرى فالبريطانيون لا يريدوننا أن ننتمي إلى مصر والمصريون يريدوننا أن نكون تابعين لمصر وإذا تنازع السيدان يرتاح العبد كما كنا نرتاح كثيراً عندما كان الاتحاد السوفيتي موجوداً وهناك قطبان غربي وشرقي.

“الأزهري” كان ديمقراطياً
في الجامعة النظام العسكري كان ضد السودانيين بعض الشيء بدأت محاكمات للإسلاميين اتسمت بالبشاعة والسخف والوحشية والانحطاط وبعد ذلك ذبحوهم كلهم (عبد القادر عودة ) الأستاذ الكبير ومؤلف الكتب وآخرين حول قضية ما استوثقنا فيها ببينة أنها كانت، وما اغتيل أحد أصلاً! فإذا كان الحكام المصريون يعاملون شعبهم بهذه الطريقة فكيف سيعاملون السودانيين إذا حكموا السودان وماذا يعلمون عنه ما كانوا يعرفون شيئا أصلاً بعد ذلك بدأنا نخرج المظاهرات من الجامعة وحكم على بعضنا وأذي بعضنا.
نحن بدأنا المظاهرات ضد حكم مصر وبالتالي ضد الاتحاد مع هؤلاء فهم لا يعاملوننا كإخوان شركاء وإنما يعاملوننا كمستعمرين على رؤوسنا نفس ما حصل من بعد ذلك في أمرنا مع الجنوب.
“الأزهري” بالرغم من أن أباه كان أزهرياً إسماعيلياً ينتمي إلى الطريقة الإسماعيلية لكن هو قرأ في بيروت وكانت لديه نزعة ديمقراطية وشعبية لم يكن يعول على السادة لجلب الأصوات لنفسه ونوابه وإنما كان السياسي الوحيد الذي يتعامل مع شعبه ويطوف الأرض الساسة أغلبهم كان السيد هو من يأتي لهم بالشعب والجماهير. أنت تطلع على رأس الجماهير منتخباً وتحكم كما تشاء والدين يقف عند الولاء ولم تكن هناك نظرة لا دينية في السياسة (كدا عمداً) لكن كانت هناك غفلة كاملة عن الدين في السياسة فهم لا يعرفونني وإنما يعرفون الرمز والصورة هذه كانت النزعة عموماً.
اشتركنا في  حفلات الاستقلال وكانت جماعية مع كل الشعب وكان لأول مرة نرى المرأة بمد ى واسع، المرأة كانت محصورة لا دور لها لكن في ذلك اليوم كان هناك فرح والفطرة دفعت كل البشر صغارا وكباراً.  
كنت طالب “الأزهري” درسني
بينما أكد “محجوب محمد صالح” رئيس تحرير صحيفة (الأيام) أنه عندما جاء الاستقلال كانت تجربته السياسية عمرها (10) سنوات. وقال: (التحقت بالصحافة عام 1949 من ذلك الوقت إلى العام 1956 كنت ناشطاً سياسياً أنا من جيل “عبد الخالق” و”التجاني الطيب” كانوا يسبقونني في المدرسة بعام، و”محمد يوسف” و”بابكر كرار” من حركة الإخوان المسلمين كانا بعدي نحن تأثرنا بالجيل الذي سبق هؤلاء معظم قيادات مؤتمر الخريجين كانوا أساتذتنا، “إسماعيل الأهري” درسني رياضيات في المدرسة الثانوية و”عوض ساتي” سكرتير النادي و”أمين زكي” كانوا قادة لمؤتمر الخريجين وأساتذة لنا وعندما تم نقل مدرسة “غردون” من طرف الخرطوم إلى شارع الموردة جوار السينما أصبحت قريبة من نادي الخريجين فأصبحنا نذهب إليهم ونستمع لهم ونتناقش معهم وهذا الجيل أثر فينا بنشاطه الوطني وحتى الحركات الحديثة التي أنشأناها لم تكن بمعزل من هؤلاء وكان الإنجليز يراقبون هذه الحركة بشكل دقيق لدرجة أنهم بدأوا يعدوا كشوفات بأسماء اليساريين المنتمين للحركة الوطنية على ضوء الأنشطة التي كنا نقوم بها  ممثلة في المنشورات التي توزع والشعارات التي تطرح في اللقاءات والليالي السياسية).
هؤلاء درسوا في مصر
مصر فتحت أبوابها للتعليم في السابق الناس كانوا يتسللون إليها خفية في 1946 حكومة الوفد اتخذت قراراً بعمل بعثات رسمية للسودانيين ونتيجة لذلك هاجر (40%) من طلاب المدارس العليا السودانية وكان بينهم شيوعيون وإسلاميون منهم “الصادق عبد الله عبد الماجد” التقوا بالإخوان وانتموا إليهم، والموجودون في الداخل عملوا حركة إسلامية بمبادرة منهم و”عبد الخالق” و”التجاني الطيب” استقالوا من المدارس العليا في السودان والتحقوا بالجامعات المصرية لذلك حدث تداخل بين الحركة اليسارية في مصر والسودان وكذلك الحال بالنسبة للحركة الإسلامية، والحركتان نشأتا كحركات طلابية لكن اليسار انفتح بسرعة على المجتمع تحديداً العمال والمزارعين.

اليوم الأول للاستقلال كان مفاجئاً
اليوم الأول لاستقلال السودان جاء مفاجئ فنحن منذ العام 1955 نجحنا مع آخرين في تحويل الحزب الحاكم من الدعوة إلى وحدة وادي النيل إلى الاستقلال وحينها أصبح الأمر محسوماً لكن كان هناك أشياء لابد من حسمها مثل العلاقة مع الجنوب الذي رفض أعضاؤه التصويت للاستقلال من داخل البرلمان وربطوا الموافقة بمنحهم الحكم الفدرالي.
المفاجأة كانت يوم (15/12) سنة 1955 وأنا صحفي في شرفة البرلمان مكلف بتغطية نشاط عادي سأل أحد الصحفيين يدعى “بابكر يعقوب” من النيل الأزرق “الأزهري” هل صدقتم بقاعدة للأمريكان في شرق السودان؟ فقال له “الأزهري”: (حكومتي ليس لديها سلطة على السياسية الخارجية هذه سلطة الحاكم العام لكن أنا يوم (الاثنين) القادم سأحضر لكم مقترحاً لإعلان السودان دولة مستقلة اعتبارا من 1/ 1/ يناير1956) وكان هذا الخبر مفاجئاً لنا ولأغلب عضوية البرلمان لأنه كان في نفس اللحظة هناك اجتماع في مجلس الشيوخ تشارك فيه حكومة “الأزهري” والمعارضة لدراسة كيفية إقامة حكومة قومية تقوم بدراسة مستقبل السودان.
السيد “عبد الرحمن” حسم الجدل
بعد ذلك بدأت الأنشطة فإذا كنت تريد أن تعلن الاستقلال كان لابد من عمل وفاق بين الأحزاب مثلا نواب المعارضة كانوا يقولون (الاستقلال دا بتاعنا نحن وناس الاتحاد مع مصر سيعلنوه ويأخذوا الشكرة لذلك لن نوافق) وحسم هذا الأمر السيد “عبد الرحمن” حينما قال (لناسو) وافقوا والجنوبيين كذلك اشترطوا منحهم الحكم الذاتي لذلك كان هناك نشاط ليل نهار لحسم هذه العقبات وفعلا في يوم 19/12/1955 مر المقترح بالإجماع ويوم 1/1/1956 كان يوماً مراسمياً تضمن رفع العلم والاحتفالات وكل الصحف آنذاك انشغلت بهذه التفاصيل بينما انشغل السياسيون بعمل الدستور المؤقت وتشكيل رأس الدولة.
التوازنات الإقليمية والدولية عجلت بالإستقلال
محجوب محمد صالح أكد أنه في العام 1946إنضم لأول تنظيم ماركسي أنشئ في السودان وهو الحركة الوطنية للتحرر الوطني التي بدأت بمنظور مختلف حاولت خلاله تحديث العمل السياسي الذي كان مرتبطاً بالقوى التقليدية داخل المجتمع ،وقال حركتنا في عام 1947 تمكنت من تشكيل نقابة عمال السكة حديد في عطبرة وأنا كنت من الذين أسسوا هذا العمل وهناك مجموعات عملت على توعية المزارعين واليسار أخذ الموضوع مأخذ الجد وقاد هذا العمل الأستاذ كامل محجوب
ونفي ما تردد حول أن الإنجليز كانوا ينوون الخروج من السودان دون مقاومة وقال السياسة البريطانية آنذاك عبر عنها الحاكم العام حينما أشار إلى أن السودان سيكون مستعداً لدخول مرحل الحكم الذاتي عام 1964 ما يعني أن سياستهم كانت الاستمرار في حكم السودان لكن لعبت الثورة المصرية دور في التوازنات السياسية العالمية والدور الأمريكي ومحاولات استقطاب مصر للتحالف مع الغرب كان لها دور في الاستجابة لطلب السودان.

المشهد السياسي قبل الاستقلال
عام 1946 كان عاما فارقاً في تاريخ السودان سياسياً ازداد فيه نشاط الأحزاب السياسية التي كانت بمثابة تيارات داخل مؤتمر الخريجين.
وفي العام 1946 أصبح العمل جماهيرياً فأول مظاهرة تخرج منذ العام 1924 كانت في فبراير 1946 وكانت ردة فعل وتعاطف مع طلاب مصرين قتلتهم الحكومة المصرية في مظاهرات في مارس. وأذكر أنه بدأت مفاوضات بين بريطانيا ومصر وكان جزء من الأجندة مناقشة مستقبل السودان، مؤتمر الخرجين قرر إرسال وفداً للقاهرة ورأت مجموعة من الطلبة عدم جدوى إرسال وفدين متعارضين فسعوا إلى توحيدهم ونجحوا في عمل وفد موحد بمساعدة بعض القوى السياسية فتح بسرعة على المجتمع تحديدا العمال والمزارعين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية