أمنيات مستحيلة!!
{ اليوم غرة العام الجديد.. تفيض جوانح البعض بالأماني العزبة التي تلاعب المخيلة وتسود الحسرة قلوب أخرى.. في العام المضى والذي من قبله انصرم وفي العام القادم يظل حالنا على ما هو عليه . . صراع حول السلطة من الخليج إلى المحيط.. ومقولة الكاتب “الصادق النهيوم” في كتابه البليغ الإسلام في الأسر والذي زينه بشعار هتافي ربما لدواعي التسويق والربح والذيوع والانتشار (من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة). يقول “النهيوم” إن آخر حكومة ديمقراطية عرفها العرب هي حكومة الخليفة “عمر بن الخطاب” الذي مات منذ خمسة عشر قرناً تقريبا ً، ولذلك فإن نموذج الحاكم الديمقراطي في ثقافتنا العربية يبدو قديماً جداً وبدوياً جداً وغير قابل للترجمة بلغة العصر، و”الصادق النهيوم” الذي رحل عن الدنيا عام 1994 ولم تتحقق أمنيته في رؤية ليبيا بعد مغادرة “القذافي” للمسرح ربما اختزل العرب في مشيخات الخليج ولم يبصر بعيداً عن الرؤية التقليدية لمن هم العرب!! هناك تجارب ديمقراطية في عدد من البلدان العربية تونس الآن تعيش حقبة ديمقراطية مزدهرة.. والمغرب أسست لديمقراطية ذات سقوفات لا تمس الذات الملكية ولا تقترب من القصور، ولكنها ما دون ذلك تصطرع التيارات السياسية وتتنافس في ديمقراطية حرة .. ومصر ما قبل “السيسي” هبت عليها نسائم الحرية.. لكن دبابات العسكر دهست زهور القاهرة.. وعادت مصر إلى تقاليدها وإرثها التليد.. والسودان له تجربتان ديمقراطيتان: الأولى انتهت بانقلاب عسكري والثانية أيضاً لكن من الانقلاب العسكري تخرج الآن زنبقة ديمقراطية، إن اطمأن الحزب الحاكم لشعبيته وراهن على كسب يديه لأرسى تجربة ديمقراطية جديدة.. لها ثوابت مثل الديمقراطية الغربية ولكن من يقنع المؤتمر الوطني بأن رصيده في بنك الجماهير غير قابل للنضوب في سوق الديمقراطية.. ومن يطمئن القوى المعارضة بأن اللعب النظيف لا وجود له مطلقاً ولكن نسبياً ما يتوفر الآن يكفي لإحداث التحول الديمقراطي المنشود.
{ في أمنيات العام الجديد. .إجراء انتخابات في أبريل القادم حسم قبل قيامها من هو الرئيس القادم، ولكن البرلمان يظل ساحة مفتوحة للمستقلين الأحرار والديمقراطيين الثوار والحزبيين من كل لون وطيف وجنس.. في تجربة الانتخابات الماضية، رغم المقاطعة وصل المؤتمر الشعبي وحينها كان أشد خصوم المؤتمر الوطني وأكثر القوى السياسية بغضاً للنظام، وصل للبرلمان وغذى شرايينه بعدد من النواب.. وزعيم معارض رفض البرلمان الاعتراف بزعامته .. ولكن اليوم تبدلت أشياء وتغيرت مفاهيم.. وأصبح “كمال عمر عبد السلام” قريباً من “ياسر يوسف” و”موسى هلال” ودوداً مع “مني أركو مناوي”.. والحزب الاتحادي الديمقراطي أكبر المستفيدين من الشراكة مع المؤتمر الوطني، يستطيع أن يدخل “حاتم السر” البرلمان محمولاً على أكتاف الجماهير .. ويمكنه أي الحزب الاتحادي أن يصبح الكتلة الثانية في البرلمان بعد المؤتمر الوطني إذا اطمأن ووثق في نفسه.
{ في أمنيات العام الجديد لبعض من السودانيين وليس جميعهم أو أغلبهم أن تتوقف أصوات البنادق وتجف الدموع وتغسل الأحزان بالسلام، من خلال تسوية تهبط فجأة وتعيد لدارفور سكينتها ولكردفان نقارتها ومردوعها وكرنقها ودلوكتها .. ويصبح عيد الحصاد أو (السبر) في “سلارا” وعند أهلنا النوبة حاضراً بعد أن غيبته الحروب في السنوات الماضية.. والله غالب على أمره ونافذ أمره وإن أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، رغم أن أقلية من السودانيين لا تريد السلام وتستفيد من الدماء والدموع وهؤلاء يعرفون بتجار الحرب.
{ في العام الجديد تتمدد الأماني بأن يتعافى الاقتصاد من أمراضه القديمة.. وينعم أهل هذه البلاد بمباهج الحياة.. يصلون في المساجد بلا خوف من متطرف يزهق أرواح ولا حرامي يسرق أحذيتهم .. ولا خطيب يصدر صكوك التكفير والدخول للجنة من جيوبه التي تفيض بالجنيهات.. وأن يتذوق البؤساء الفقراء حلاوة الباسطة وطعم اللحوم البيضاء .. وأن لا يخاف سائق العربة في شوارع المدينة الهبوط أسفل الأرض و(قوعاً) في حفر الطرقات .. ولا تصبح أمطار الخريف نقمة عليه .. ويترنم العمال في فرح مع “عبد الحميد يوسف”
روحي لو وافت حماماً أذكريني يا حمامة في ذهابك
أو في إيابك
ثم في فترة غيابك
وهاكي در شعري المنظم.. ودمتي يا القدرك
معظم في نعيم جنات ظلالك!!