نازحو الجنوب.. هجرة قسرية.. عكس التيار
(205) ألف نازح تمركزوا في (12) ولاية.. تتصدرهم “النيل الأبيض”
تداعيات هجرة الجنوبيين على مجمل المرافق بـ”السودان الشمالي”
ـــ الصحة: الخدمات الطبية لم تتأثر بالتوافد ولا يوجد قانون يمنع علاج الأجانب
ـــ المالية: نتوقع عوناً إنسانياً من المنظمات الإقليمية والدولية ونأمل أن يكون النزوح مؤقتاً
ـــ التعليم: أية إضافة غير محسوبة ستكون خصماً على نوعية التعليم
ـــ محلل سياسي: قرار انفصال الجنوب إخفاق سياسي ولا يجب أن يتحمله الجنوبيون
(83,600) نازح بـ”النيل الأبيض” و(72,615) بولاية الخرطوم قسموا على (39) موقع انتظار
تحقيق – هبة محمود
عودة قسرية واضطرارية فرضتها ظروف الحرب على الجنوبيين بفصائلهم ومللهم كافة، فها هم يتوكأون عصا الترحال في هجرة عكسية وينتشرون في عدد من بقاع وطنهم الأول “السودان الشمالي”، أكثر من (205) ألف نازح من دولة “جنوب السودان” عبروا الحدود السودانية بينهم (72,615) ألف داخل ولاية الخرطوم وفقاً لإحصائيات مفوضية الشؤون الإنسانية.
المشهد برمته كفيل بعكس صورة ناطقة تحكي عن مدى تدفقهم بأعداد كبيرة، فكما لو أنهم لم يغادروا، وبمباركة من السيد رئيس الجمهورية عادوا لتمتلئ بهم شوارع العاصمة (الخرطوم) من جديد بعد أن شهدت في وقت سابق أكبر عملية استفتاء لهم صوتوا خلالها للانفصال بنسبة (97%)!!
(المجهر) تلمست تداعيات هذه العودة وآثارها على الخدمات الاجتماعية والصحية، فضلاً عن النشاط الاقتصادي للبلاد.
مواقع الانتظار بالعاصمة والولايات
المفوض العام للعون الإنساني “أحمد محمد آدم” لفت في أول مؤتمر صحفي له عقده الأسابيع الماضية، إلى أن نزوح الجنوبيين بدأ تدريجياً قبيل أن يتدفقوا بأعداد كبيرة حتى بلغ عددهم بحلول (8) نوفمبر (205) ألف نازح يتمركزون في ولاية “النيل الأبيض” والخرطوم بصورة كبيرة، فضلاَ عن عدد من الولايات الأخرى التي بلغت في مجملها (12) ولاية، وبحسب المفوض فإن ولاية “النيل الأبيض” تتصدر عدديتهم، حيث يوجد بها (83,600) نازح يوجدون في أربعة مواقع انتظار، تليها من حيث العدد ولاية “الخرطوم” وتضم (72,615) نازح تم تقسيمهم على (39) موقع انتظار في مناطق مختلفة من العاصمة القومية.
أما بقية الولايات – بحسب المفوض – فتخلوا من المعسكرات ومواقع الانتظار، ويوجدون ـ أي الجنوبيين ـ بين الأسر وداخل الأحياء وتتم معاملتهم وفقاً لتعليمات رئيس الجمهورية الذي أوصى بمعاملتهم كمواطنين وليسوا لاجئين، من هذا المنطلق أتاحت لهم المفوضية الفرص إما بالبقاء في المخيمات أو الدخول إلى المناطق المختلفة دون قيدي الفحص الطبي أو التسجيل في الجوازات.
الخدمات والأوضاع الأمنية بالمعسكرات
اللواء معاش “علي محمد علي” مدير مركز النازحين والعائدين بـ(مفوضية العون الإنساني)، أشار في حديثه لـ(المجهر) أن الجنوبيين دخلوا ولاية “النيل الأبيض” عبر معبرين هما معبر (جودة) في الضفة الشرقية ومعبر (أبو كويك) في الضفة الغربية، لافتاً إلى أن ولاية “النيل الأبيض” رحبت بالعائدين من دولة “جنوب السودان” وقامت بتكوين لجان على مستوى الولاية والمحليات لاستقبالهم، وتم إنشاء أربعة مواقع انتظار بالتنسيق مع الشركاء الوطنيين والمحليين وهي موقع (العلقاية) بالضفة الشرقية وهو حتى شهر (نوفمبر) كان يستوعب حوالي (10) آلاف وافد، كما توجد في الضفة الغربية (3) مواقع وهي معسكر (الرويس والكشافة وجوري)، وكشف عن الإعداد لمواقع انتظار أخرى منها موقع في منطقة (الرويس) وآخر في (الضفة الشرقية) يكون امتداداً لمعسكر (العلقاية) لمواجهة الزيادة.
وعن الخدمات والأوضاع الأمنية بهذه المعسكرات يقول (مدير مركز النازحين) إنها مستقرة تماماً وتقدم لهم الخدمات كافة، كما أن المجتمع المستضيف يرحب بهم، مشيراً إلى أن كل الأراضي التي تم إنشاؤها كمواقع للانتظار عبارة عن ممتلكات لأشخاص بادروا بإعطائها دون مقابل، مستدركاً: يجب ألا يحاسب عامة الجنوبيين على ما فعلته الطبقة المتعلمة والمثقفة منهم، ومن جانبنا سنظل محافظين على الشعرة التي تربط بيننا حتى إذا قطعت من جانبهم.
أعداد متفاقمة
هذا التدفق الكبير والمستمر لأعداد نازحي دولة الجنوب ووفقاً للمقارنة بين إحصاءات كل من وزارة الداخلية و(مفوضية العون الإنساني)، نجد أن الفارق بين الإحصائيتين ارتفع من (98,671) وهو العدد الذي أشارت إليه (وزارة الداخلية) إلى (205,000) في فترة زمنية قدرها ثلاثة أسابيع فصلت بين بيان وزير الداخلية في البرلمان وحديث المفوض العام، الأمر الذي يدعو لتساؤلات كثيرة عن تأثير هذا النزوح على جميع الخدمات سيما أن هناك توصيات رئاسية بمعاملتهم كمواطنين.
من جانبها لفتت (وزارة الصحة الاتحادية) إلى أنها تقدم خدمات الرعاية الصحية في السودان للمواطنين وغير المواطنين دون الالتفات لجنسياتهم، وقال وكيل وزارة الصحة: د.”عصام الدين محمد عبد الله” في حديثه لـ(المجهر) إن الخدمات الطبية لم تتأثر بأي حال حتى هذه اللحظة من توافد الجنوبيين جراء الحرب، مشيراً إلى أنه لا يوجد قانون يمنع حتى الآن علاج الأجانب في السودان بشكل عام، وقال: حتى خدمات العلاج المجاني تقدم لهم شأنهم وغيرهم من المواطنين.
التأثيرات الاقتصادية
وفيما يتعلق بتأثيرات نزوح الجنوبيين على الجانب الاقتصادي للبلاد في ظل ما تمر به من أزمات اقتصادية وارتفاع أسعار الدولار، فقد قطعت (وزارة المالية) بزيادة ميزانية العون الإنساني المخصصة له في موازنة عام 2015م، وقال وزير الدولة بوزارة المالية د.”عبد الرحمن ضرار” لـ(المجهر) إنهم يتوقعون عوناً إنسانياً من المنظمات الإقليمية والدولية المختصة بذلك لمقابلة احتياجات النازحين من دول الجوار، وزاد: نأمل أن يكون النزوح لفترة مؤقتة بعد أن تتم معالجة الأوضاع في دولة الجنوب وينعم الشعب الجنوبي بالاستقرار وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه.
أما ما يلي الخدمات التعليمية ومدى تأثرها بعودة نازحي الجنوب مجدداً وعلى سير العملية التربوية وإمكانية استيعابهم بالمدارس الحكومية، ورغم أن المفوضية قامت بإنشاء مدارس أساس وثانوي ورياض أطفال في مواقع الانتظار التي أشرنا إليها سابقاً، لكن ماذا بشأن من فضل العيش داخل الأحياء، إضافة إلى أن مواقع الانتظار الموجودة بالخرطوم وهي الولاية الثانية من ناحية أعداد الجنوبيين لا توجد بها مدارس تضم أبناء النازحين الأمر الذي ترتسم على خلفيته علامة استفهام عن ما تداعيات ذلك على سير العملية التعليمية لكلا الطرفين؟ ومدى جاهزية وزارة التربية والتعليم؟
أي إضافة تشكل عبئاً
ابتدر مدير الإدارة العامة للتخطيط التربوي د.”سالم محمد سالم” حديثه لـ(المجهر) قائلاً: إن جميع الطلاب المقيدين بالمدارس يتم قيدهم وفق إحصائية الطلاب السودانيين الموجودين، بالإضافة إلى إتاحة فرص لاحتواء التلاميذ خارج مقاعد الدراسة، ولذلك فإن أية إضافة غير محسوبة فإنها ستكون خصماً على نوعية التعليم الجيد خاصة أننا نبحث عن الجودة التي تشمل كل مقومات العملية التعليمية، وقال: (لما يجيني زول إضافي بشكل ليا عبء) وزاد: نحن نعاني من مسألة الزيادة في عدد التلاميذ داخل الفصول، والآن نجتهد لأن يكون لدينا بحلول العام 2020م فصول تستوعب (45) طالباً لفك الاكتظاظ.
إلى ذلك كشف “سالم” عن وجود معالجات جارية منذ العام 2012م بتخصيص نسبة (1%) من ميزانية كل ولاية لمقابلة احتياجات المدارس وتحسين الجودة والبيئة المدرسية، مشيراً إلى المطالبة بتوصيات رفع النسبة إلى (3%) من خلال الملتقى التنسيقي لوزراء التربية والمديرين العامين للتعليم.
إخفاق سياسي
كثيرون ممن يؤمنون بأن خيار الانفصال لم يكن الخيار الأوحد أمام الجنوبيين ومع ذلك صوتوا له إيماناً منهم بأن استقلالهم عن الشمال لن يكون إلا به، ومن هذا المنطلق يرى البعض أنه يتوجب على الحكومة أن لا تحسن استقبالهم، ولكن توجيهات السيد الرئيس بمعاملتهم ـ أي الجنوبيين ـ كمواطنين أثارت تساؤلات الكثيرين ومدى مغزى ذلك، إلا أنه وبحسب المحلل السياسي د.”الطيب زين العابدين” في حديثه لـ(المجهر) فإنه يتوجب معاملة النازحين بطريقة أفضل لأن، والإخفاقات السياسية بحد قوله لا يجب أن يتحملها الجنوبيون وحدهم، وقال: هؤلاء اللاجئون ما هم إلا ضعاف مغلوبين على أمرهم حار بهم الدليل لأن السياسيين الذين صنعوا الانفصال ذهبوا إلى “نيروبي” و”أمريكا” وغيرهما.
معاملة مثلى
ونبه “زين العابدين” إلى أن نزوح الجنوبيين للشمال بعد اندلاع الحرب في وطنهم سيخلق أزمة على خدمات الصحة والمواصلات والتعليم، لذلك ينبغي على الدولة التعامل معهم بالطريقة المثلى من خلال عمل معسكرات تكون تحت رعاية وإشراف “الأمم المتحدة” وهي التي تقدم لهم العون قائلاً: هذا الأمر يمكنه أن “يحرك السوق” قليلاً، واستدرك – لكن الحكومة لديها حساسية من المعسكرات لأسباب سياسية بحد قوله، وزاد: رفضنا للمعسكرات زاد العبء على المواطنين خاصة في المناطق الحدودية.