الديوان

العيون اللغة الصامتة والسلاح الفتاك

معاها نسرح ونتوه في الغناوي
الخرطوم ـــ سعدية الياس
الشاعر “جرير” في إحدى قصائده الرائعة وأكثرها دفئاً قال: 
إن العيون التي في طرفها حور     قتلننا ثم لم يُحين قتلانا
يصرعن ذا اللبِّ حتى لا حراك له  وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا
وقال أمير الشعراء “أحمد شوقي”:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عينيَّ في لغة الهوى عيناك. وقال شاعر الحقيبة: العيون البيض لو صفن يجرحنك ويتلاصفن مرة نظرن لي وقفن شالوا نومي وما أنصفن. وتبعه الشاعر الأكثر حداثة “يوسف محمد يوسف” في رائعة “حمد الريح”: لو عارف عيونك توهت العيون ورقصت المشاعر/ غنى معاها كون. وتقول رائعة الفنان  (كمال ترباس)  والشاعر (عبد الله النجيب) عيونك فيها شي يحيِّر يغير اتجاه الزول يسهر في عيونا النوم يودر قلبي في المجهول.    
لوحة جمالية
 وللعيون لغة مختلفة تنفذ إلى القلب مباشرة دون ثرثرة وتحريك لسان، وتعتبر العيون أداة تعبيرية نافذة وبصيرة، ومرآة حقيقية تعكس معانٍ كثيرة مثل الفزع والدهشة والكذب والحب والسعادة والحزن والطمأنينة والأسى والكراهية والغضب، وما إلى ذلك من مشاعر وتعبيرات. وما يعجز عن قوله اللسان تقوله العيون التي بجانب (تعبيراتها)، فإنها تمثل لوحة جمالية يولع بها العشاق والشعراء والمغنون، حتى أن بعضهم حمل لقب شاعر العيون، كما الغناء السوداني احتفى أيما احتفاء بالعيون ، فأنجز أغنيات باهرات في سياقها. مدن منسية. وفي ذلك يقول الشاعر “صلاح حاج سعيد” في أغنيه الراحل “مصطفى سيد أحمد” (عدى فات زمن العيون/ الإلفة والحضن الملاذ/ ورهافة الحس البلون ضحكة الناس العزاز)، وأغنيات كثيرة حتى أن إحصاءها عدداً يصبح أمراً عسيراً وبالغ التعقيد، لكننا يمكن استعراض وجهاً منها على سبيل المثال فقط، وهنا تأتينا أغنية رائعة مثل (عينيك مدن منسية في كتب التواريخ والزمان) وأخرى تقول (عينك لي سقيا وحلاوة اللقيا) وأخريات وأخريات يجعلنك تنظر وأنت مذهول، ويجبرنك على التوقف هنا والركون إلى إفادات بعض الشعراء وأطباء العيون لعقد مقارنة للعيون (بعيون الشعراء وعيون الأطباء) إن صحت العبارة: عنوان الصدق وكانت البداية مع  شاعر العيون  “عبد الله النجيب” الذي قال في إفادته: (العيون هي مرآة القلوب والأرواح، والعيون عالمها الخلود، فهي ترسل الأنوار وتحجب الأسرار وهي رسالة الجمال، واتكاءات الحب على سطح الحياة، وأن (النجيب نفسه) مهما كتب في العيون فلن يستطيع إعطاءها حقها، أو وصفها بصورة تليق وعظمتها). واستطرد الشاعر الكبير الملقب بشاعر العيون قائلاً: (العين هي عنوان الصدق وهي الكلام من غير نطق، وبالعين نرى الليل والنهار والشمس والقمر والمصابيح المضيئة في ليالي بلادي، العيون هي التي تزين الوجود وليس هناك أجمل منها)، وختم قوله إنه هائم في حدائق العيون.
 أخشاهما جداً
وفي السياق ذاته يقول الشاعر الغنائي الكبير والملقب برئيس جمهورية الحب الأستاذ “إسحق الحلنقي” (الشاغلك مين عندك أحباب طولو غائبين). وأضاف: (أنا أحسن زول بقرا العيون )، ثم مضى قائلاً: (العيون عالم قائم بذاته يحتاج إلى إنسان بشوف صاح, العيون فيها الليل ودواخل ناس، ومن خلال العين تنكشف كل الأسرار، دون أن يتعرض الإنسان إلى جرح الرمشين). وكشف “الحلنقي” عن أن أكثر شيء يخشاه هما العينان لأنهما مثل البحر لا عودة منه، إذا سكنت أمواجه تصبح أسيراً لغرامه. وأشار إلى أن العيون هي منبع الإحساس وهي حافز مهم للكتابة.
عيونك جاحظة!!
 إلى ذلك يقول دكتور “السيسي” استشاري الطب وجراحة العيون، إن العين عبارة عن انعكاس لضوء كيميائي يقع عليها في شكل صورة، ويتحلل ويترجم إلى إشارة عصبية تنتقل إلى خلايا المخ وتحفظ، ثم يرى الإنسان الأشياء من حوله بوضوح، وأضاف: (العيون أصدق من اللسان، وعندما تكون رموش العين إلى الأسفل وترتخي عضلاتها تدل على خجل الإنسان، والنظرة الحادة والعين الأكثر وضوحاً تدل على كذب الإنسان، وعند الفرح تجد عضلات العين منبسطة ومرتخية، ويكون (الجزء الأبيض) الذي يلتقي مع القرنية لامعاً ومصحوباً بدمعة فرح عندما يقع ضوء عليه)، واستطرد: (أحياناً نجد الحاقد الذي يتمنى زوال النعمة (عينيهو) جاحظتين وعضلاتهما مشدودة من شدة انخفاض عضلات العين الداخلية، وقد تكون أحياناً بسبب أمراض في الغدة الدرقية). ولفت “د. السيسي” إلى أن لغة العين أجمل اللغات. وقال: (العيون الجميلة هي الواسعة ذات الرموش الكثيفة غامضة السواد وشبهها بعيون المها التي ارتبطت بالجمال، وقد خص المولى عز وجل العيون بارتباطها الوثيق بالإحساس لأنها مربوطة بالقلب وموجودة أمام المخ مباشرة)، وكشف “السيسي” عن أن لألوان العيون دلالاتها أيضاً، فالعيون العسلية تدل على جمال بسبب وجود مادة الملامين في القزحية، والبنية تكون فيها القزحية داخل العين، كما أن ألوان العيون مرتبطة بالاثنيات المختلفة، فهناك من هم سود العيون وزرقها وخضرها وما إلى ذلك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية