شهادتي لله

إنسان الجزيرة.. وشركة "كومون"

1
طالعت مقالاً رائعاً للصديق الدبلوماسي الرائع “خالد موسى” عن الصورة النمطية لإنسان الجزيرة في المخيلة السودانية. غير أن تعبيره الدقيق بأن إصابة الجزيرة بنزلة برد تعني إصابة السودان – كل السودان – بالتهاب رئوي حاد لا تجدي معه المطببات، بعد تعديد الأسباب والحيثيات، يبقى لافتاً وحقيقياً.
وبالفعل وكما ذكر الكاتب، فإن الجزيرة تعتبر (المصهر) الأكبر لقبائل وجهات السودان ولا يتوفر لبقعة أخرى في بلادنا ما توفر للجزيرة من عوامل انصهار وتمازج اثني باستثناء “أم درمان” العزيزة التي كانت هي الأخرى معملاً متقدماً في صهر أعراق ودماء وثقافات سلالات النوبة والعرب في قلب البلد النابض.
والجزيرة تمثل المركزين الحضري والريفي المهمين في السودان، فمدينة “ودمدني” هي العاصمة قبل “الخرطوم”، والريف.. قرى وحلال الولاية على امتداد النيل الأزرق شكلت أكبر قاعدة لإرث وثقافة وعادات وتقاليد غالب أهل السودان وليس الوسط فحسب. أبسط نموذج ثقافي يمكننا الاستدلال به دون حاجة لذاكرة واجتهاد هو أغاني التراث و(الحماسة) التي ينتفض لها جميع أهل السودان حتى يومنا هذا، شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً.. بما في ذلك (جنوبنا الراحل).. هي من إنتاج أهل الجزيرة.. ( دخلوها وصقيرها حام.. أنا ليهم بقول كلام.. )..(مناي ليك ما وقف واتمنيت أنا.. تكبر تشيل بي ردف…) وغيرها بمئات القصائد من نظم حبوباتنا وأجدادنا بشمال الجزيرة وهي ما زالت تفرح السودانيين في أعراسهم وحفلاتهم.. بل ولياليهم ومخاطباتهم السياسية.. كلهم يغادرون المقاعد ويحلقون في سماء هذا الأدب والنغم الرفيع.. سواء كانوا في الخرطوم أو شندي أو الفاشر أو في المهاجر في دبي.. القاهرة و شيكاغو..!!
الجزيرة قدمت خلاصة منتوج السودان الثقافي مثلما قدمت خلاصة إنتاجه الزراعي، فإن (قعد) المشروع (الأكبر) في العالم، فهذا من عجز الحكومات وضعف بصيرتها، وقلة حيلة وزرائها، وضعف خطط وبرامج وزاراتها، وليس لضعف في سلوك وشخصية إنسان الجزيرة، وإلا ما الذي جعل المشروع ناجحاً وفاتحاً لمصانع النسيج في “لانكشير” ببريطانيا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنصرم، وكاسداً في عهود حكوماتنا (القاعدة) والفاشلة.؟!!
2
قبل أكثر من عام كتبت في هذه المساحة معدداً ثلاث أو أربع مؤسسات وجهات مشرقة ومشرفة، تستحق وسام إنجاز جمهور المتعاملين معها، على رأس هذه الجهات شركة (كومون) للأغراض المتعددة، المسؤولة عن تشغيل صالات كبار الزوار بمطار الخرطوم. فقد لجأت لها يوم تسفيرنا للراحل الكبير الفنان “زيدان إبراهيم” للقاهرة، فأرسلوا له سيارة فخيمة على هيئة إسعاف أقلته – رحمه الله – من السلاح الطبي بأم درمان وإلى المطار، ثم تعاملت معها كثيراً في رحلاتي، وكتبت أكثر من مرة أن صالات “كومون” وكأنها قطعة  مقطوعة من مكان آخر في مطارات العالم الأول، جيء بها نشازاً مفرحاً، فوضعت في قلب مطارنا القديم !!
وأن يرفع عضو البرلمان الأستاذ ” محمد الحسن الأمين” مسألة لدى وزير الدفاع مطالباً باستدعائه لسؤاله حول كيف تم منح العطاء لـ”كومون” قبل عدة سنوات كان وقتها “الأمين” عضواً بذات المجلس، فهذا من حقه، ولكنني أعلم أن مثل هذه الأمور ليست من أولويات ومراكز اهتمامات وزير الدفاع في بلد موبوء بالتمردات في أكثر من جبهة. وغض النظر عن ذلك، فإن ما يعنينا أن “كومون” تقدم خدمة (خاصة) مقابل مال لفئة محددة كما يحدث في كل الدنيا، وقد أجادت في تقديمها وأحسنت باعتراف العضو المحترم نفسه!! ولو أن كل مواقع الخدمة العامة والخاصة في السودان، فعلت ما تفعله هذه الشركة بشبابها الواعد، لكنا الآن في مصاف ماليزيا وتركيا والبرازيل.. ولكن.. ثم لكن. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية