تداعيات الأحداث في "أديس أبابا"
المبعوث الأمريكي يجتمع بقيادات قطاع الشمال ويعتذر لـ(المجهر) عن التعليق
“محمد ضياء الدين” يقدم مرافعته حول (نداء السودان) ويثير دهشة قيادات المعارضة
(4) أحزاب تنضم لإعلان باريس والشيوعي يتحفظ على التوقيع لاتفاق العاصمة الفرنسية
أديس أبابا- طلال إسماعيل
اقتربت من المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان “دونالد بوث” صباح أمس (الخميس) عقب لقائه الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال “ياسر عرمان” في “أديس أبابا” في محاولة لانتزاع تعليق منه حول جولة المفاوضات، لكنه اعتذر عن التعليق قبل أن يمضي بعربته الخاصة إلى حيث لا أعلم، ولم يعد. من المستغرب أن تلتقي مبعوثة الاتحاد الأوربي في السودان “روزاليندا مارسدن” سفيرة دولة بريطانيا السابقة في الخرطوم، بالفرقاء السودانيين في العاصمة الإثيوبية، ولم ندخل فندقاً إلا وكانت حاضرة.
في فندق (رديسون) اجتمعت الوساطة الأفريقية بوفد حركتي العدل والمساواة منذ الساعة الواحدة والنصف من ظهر أمس(الخميس). ويقول مصدر مطلع لـ(المجهر) – شارك في الاجتماع – إن المفاوضات حول دارفور بصدد رفعها إلى جولة أخرى لم يحدد لها ميقات. وتبقت جولة المفاوضات مابين الحكومة وقطاع الشمال في العاشرة من صباح اليوم(الجمعة)، ويطل التساؤل من حولها: إلى أين تمضي؟ وماهو المصير؟ وهل يلوح في الأفق شبح الحرب؟ وهل قدر السودان أن لا تجف دماء أبنائه؟ وهل وهل؟
في فندق (اليللي) الذي انضم إلى (رديسون) و(شيرتون) بأديس أبابا كان التوقيع على (نداء السودان) والتحاق بعض الأحزاب بإعلان باريس الموقع مابين الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي. وكان اللافت في الأمر هو عدم توقيع الحزب الشيوعي على إعلان باريس رغم وجود سكرتيره العام “محمد المختار الخطيب” و”صديق يوسف” في قاعة التوقيع. ومن الخرطوم جاء تعليق الناطق الرسمي باسم قوى الإجماع الوطني “محمد ضياء الدين” – من حزب البعث العربي الاشتراكي – على نداء السودان بأنه لا جديد فيه، ليثير الدهشة في أديس ويفتح الباب واسعاً أمام التحليلات السياسية حول النداء.ويبدو أن (نداء السودان) الموقع مابين قيادات الجبهة الثورية والإجماع الوطني وحزب الأمة القومي قد ألقى بظلاله على التفاوض.
يقول رئيس حزب الأمة القومي”الصادق المهدي” قبل سفره إلى القاهرة:(انتقلت القوى السياسية السودانية إلى الجارة الشقيقة أديس أبابا ومن جانبي كما تعلمون إن إعلان باريس كان فتحاً جديداً للحياة السياسية السودانية، وكون توازن قوى جديد، نحن في حزب الأمة القومي كنا على اتصال بالجبهة الثورية منذ تكوينها ولكن كنا متحفظين على بعض الوجوه التي ظهرت في الفجر الجديد، أهمها أمران، أننا لا نوافق على الإطاحة بالنظام بالقوة لأننا قلنا هذا غير صحيح وكذلك كنا نتحفظ على مطلب تقرير المصير ولذلك لم نتفق إلى أن جاءت فرصة أغسطس 2014 التي اتضح أن الإخوة في الجبهة الثورية مستعدون للاتفاق حول ما ورد في إعلان باريس). وأضاف “المهدي” بالقول: (حقق إعلان باريس (5) اختراقات أولها بخلقه توازن قوى جديد بين قوى في المركز وقوى أساسية في جوانب السودان الأخرى، وثانياً إعلان باريس ذكر ضرورة مشاركة عربية أسوة بالمشاركة الأفريقية في الشأن السوداني، ثالثاً إعلان باريس ذكر مناشدة لمصر أن يكون لها دور في الشأن السوداني أسوة بجيراننا في القرن الأفريقي، إعلان باريس من الأشياء الجديدة التي حققها أن الراهن الأساسي على حل سياسي سوداني وكذلك أخذ الأسرة الدولية في الحسبان، باعتبار أن الأسرة الدولية تضطلع إلى حلول خالية من العنف، هذه الأشياء حققها إعلان باريس وكنا نتوقع من كل القوى السياسية أن توافق عليه وتبصم عليه بالعشر، باعتبار أنه عمل اختراق ولكن للأسف جاءت الاتهامات بأنه غطاء لعمل مسلح تحت مظلته، واتهام آخر أن هذه المسألة آتية من وساطة ودافع إسرائيلي). وأشار “المهدي” إلى أن الحلول السياسية قد حان أوانها لأن النظام ما عنده مخرج، واعترف بضرورة الحوار- بحسب رأيه – والمعارضة وافقت على الحوار والآن توجد مرجعيات متفق حولها للحوار القرار (2456) الذي أصدره مجلس الأمن والسلم الأفريقي، وهذا مقبول للأطراف كلها كمرجع للحوار، والمرجع الآخر الاتفاق الذي أبرمه “ثامبو أمبيكي” في “أديس أبابا” مع كل القوى السياسية في سبتمبر الماضي. وزاد: (هاتان الوثيقتان تشكلان مرجعاً لأي كلام جاد حول الحوار، ونحن كل القوى حزب الأمة والجبهة الثورية وفى الإجماع الوطني، سنقدم الالتزام منا بخارطة طريق للحوار بناء على هذه المرجعية).
ويقول نيابة عن القوى الوطنية للتغيير “فرح إبراهيم عقار” بعد توقيعه على إعلان باريس: (إن الأحزاب التي انضمت إلى إعلان باريس تشمل الحزب الوطني الاتحادي الذي وقع عنه الأمين العام “محمد حمد سعيد” و”الأمين الطيب الأمين” من الحركة الاتحادية و”ميادة سوار الدهب” رئيسة الحزب الليبرالي. وأضاف “عقار”: (سنعمل عملاً مشتركاً مع حزب الأمة والجبهة الثورية ومع كل القوى السياسية لتحقيق السلام الشامل ودولة المواطنة وتحقيق التحول الديمقراطي).
نداء السودان وموقف “محمد ضياء الدين”
لم تمضِ (24) ساعة على التوقيع على (نداء السودان) حتى تفاجأت القيادات السياسية بموقف الناطق باسم قوى الإجماع الوطني “محمد ضياء الدين”، وتقول وثيقة النداء التي حملت عنوان (الإعلان السياسي لدولة المواطنة والديمقراطية):
(إن قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية وحزب الأمة القومي اتفقوا على العمل من أجل تفكيك نظام دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن والمواطنة المتساوي). كما أعلنت القوى التزامها بأولوية إنهاء الحروب والنزاعات وبناء السلام على أساس عادل وشامل، والالتزام بالحل الشامل، بوقف العدائيات في دارفور وجنوب كردفان – جبال النوبة – والنيل الأزرق، والاتفاق على الترتيبات الأمنية النهائية، ايلاء الأزمات الإنسانية الأولوية القصوى، وتثبيت أجندة إنسانية جديدة تعالج المآسي الحالية في مناطق الحروب ومعسكرات اللجوء والنزوح، وتضع حداً لتجددها مستقبلاً، التأكيد على خصوصية قضايا المناطق المتأثرة بالحروب (المواطنة المتساوية، الحكم اللامركزي، الحدود، الأرض، توزيع الموارد والسلطة، اللغات، الهوية، النزوح واللجوء، المحاسبة والعدالة، العدالة الانتقالية، النسيج الاجتماعي، التعويضات الفردية والجماعية)، وأهمية وضع معالجات لها ضمن ترتيبات الحل الشامل مخاطبة الهيئات الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الحروب والأوضاع الإنسانية، والعمل من أجل تنفيذ قراراتها ذات الصلة، خاصة قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بالرقم (456) 2014، في إطار رؤيتنا للحوار الوطني. وأشار (نداء السودان) إلى تأكيد قوى المعارضة على أولوية إجراء تغييرات هيكلية في كافة قطاعات الاقتصاد، تسبقها خطة إسعافية تستهدف وقف الانهيار الاقتصادي. كما أشارت إلى سيادة حكم القانون واستقلال القضاء من خلال التأكيد على إلغاء كافة القوانين والتشريعات المقيدة للحريات وحقوق الإنسان، وأن تطلق الحريات وفقاً للشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتحقيق العدالة والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الجسيمة وجرائم الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، بما فيها تطبيق العدالة الانتقالية، استقلال القضاء وإعادة تأسيس المؤسسات العدلية والأمنية بما يكفل سيادة حكم القانون وبسط العدالة. وتؤكد القوى الموقعة على تأكيدها على أولوية إلغاء القوانين المقيدة لحرية المرأة والحاطة من كرامتها. وبخصوص الانتخابات أشار (نداء السودان) إلى أن العملية الانتخابية التي أعلنها النظام عملية شكلية يريد اكتساب شرعية لا يمتلكها، وعليه نعلن مقاطعة الانتخابات المعلنة، والعمل المشترك على تحويلها إلى عمل جماهيري مقاوم بعزلها كلياً وبرفض ما يترتب عليها.
ونوه (نداء السودان) إلى أن قضايا الحوار والحل السياسي الشامل لن يتأتى دون الوصول إلى منبر سياسي موحد يفضي إلى حل سياسي شامل يشارك فيه الجميع، عليه، تؤكد القوى الموقعة على هذا الإعلان على ضرورة توفير المتطلبات بوقف الحرب والعدائيات ومعالجة المآسي الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين سياسياً، والأسرى، والمحكومين سياسياً، إلغاء القوانين المقيدة للحريات وحقوق الإنسان وتشكيل حكومة انتقالية لإدارة مهام الفترة الانتقالية، تكوين إدارة متفق عليها لعملية حوار تفضي إلى تحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي.
ودعا (نداء السودان) إلى تشكيل الحكومة القومية الانتقالية للاضطلاع بمهام الفترة الانتقالية وتنفيذ برامج عمل متفق عليها، وعقد مؤتمر دستوري جامع في نهاية الفترة الانتقالية، وكتابة الدستور الدائم عبر آليات تضمن مشاركة واسعة وشاملة،. وحدد النداء الوسائل وآليات العمل بتكوين هيئة تنسيق تقوم بتنظيم العمل السياسي المشترك، وإنشاء لجان لوضع البرامج التفصيلية وتحديد آليات العمل المشترك ووضع اللوائح والضوابط لبناء أوسع جهة للمعارضة السودانية، وتعمل كافة الآليات واللجان لإنجاز الانتفاضة الشعبية أو العمل للحل السياسي الشامل الذي يؤدي إلى تفكيك دولة الحزب الواحد.
لكن المتحدث باسم قوى الإجماع الوطني”محمد ضياء الدين” كان له رأي آخر حول (وحدة المعارضة). وأشار من خلال تعليق له تناقلته مجموعات سياسية وإعلامية واسعة في (الواتساب)، أكد “محمد ضياء الدين” لـ(المجهر) صحته إلا أن وحدة لأية معارضة سياسية ﻻبد أن تتأسس على رؤية مشتركة تقوم على برنامج حد أدنى واضح ومتفق عليه يمثل المرجعية السياسية للاتفاق على آلية إنجاز التغيير، كذلك اﻻتفاق على ضوابط تنظيمية وإدارية واضحة وملزمة لأطراف التوافق السياسي. وأضاف “ضياء الدين بالقول:( وهناك قاعدة أخلاقية ذهبية تتمثل في الالتزام بتقاليد العمل الجبهوي واﻻنضباط السياسي والتنظيمي للخط المجاز،عليه فإن وحدة أي معارضة لكي تصبح فاعلة ومنسجمة ﻻبد أن تتأسس وتقوم على النقاط أعلاه،مع التأكيد بأن وحدة المعارضة الجبهوية في إطار برنامج الحد الأدنى تعتبر وسيلة وليست غاية، وبالتالي وحدة المعارضة ليست حاصل جمع القوى السياسية وغير السياسية تحت عنوان الوحدة بدون توافر الشروط الموضوعية لقيام الوحدة، إذن كيف نبرر الإعلان عن قيام وحدة للمعارضة السودانية بمكوناتها السياسية والعسكرية وقواها تتبني أكثر من برنامج وميثاق وتحالف وجملة من البيانات والإعلانات السياسية، كيف نفسر وحدة معارضة تختلف في آلياتها من أجل إحداث التغيير).
وواصل في تساؤلاته: (كيف نفهم أن هناك معارضة موحدة ولكل طرف من أطرافها التزامات وتعهدات مختلفة مع قوى خارج الصيغة المعلنة، تعهدات تختلف وتتقاطع مع برنامج وخط التحالف؟ بالله كيف لنا أن نتوحد ونعلن عن قيام وحدة وجبهة جديدة بين أطراف تدعوا لإسقاط النظام عبر الانتفاضة والعصيان والإضراب السياسي وبكل الوسائل المجربة لشعبنا؟، وفي ذات الوقت تحمل بعض أطرافها السلاح كوسيلة للتغيير مع احترامنا لدواعي حمل السلاح والظروف المحيطة بحمله ونتائج الحرب وتداعياتها الإنسانية وقدرتها على حسم المعركة ضد النظام عسكرياً، وأطراف أخرى تدعو للتغيير والحوار مع النظام، وآخرون يقفون على رؤوس أصابعهم متطلعين لتسوية مع النظام أو بحل يأتي من الخارج). وحمل تعليق “ضياء الدين” دلالة المشفق حينما استخدم كلمة (أعزائي) وهو يواصل حديثه: (لكي نصبح موحدين (بفتح الحاء) يا موحدين (بكسر الحاء) بحق، ولكي تصبح هذه المواثيق والتعهدات والبيانات والنداءات ذات جدوى ..ﻻبد أن تقوم الوحدة على أسس حقيقية، والأفيد أن تكون هناك عدة معارضات وجبهات معارضة في مثل الحالة السودانية، تقوم على القوى الأقرب على مستوى البرنامج وآلياته التنفيذية. هذا أفيد.بدﻻً من أن يتحول الصراع لصراع بين مكونات قوى المعارضة الموحدة شكلياً، الأفيد أن يتم التنسيق بين أطراف جبهات المعارضة بدﻻً من وحدة شكلية ﻻ تقوى على مواجهة النظام وهي متماسكة، التنسيق أفيد بدل وحدة لبن سمك تمر هندي). ولا تنقطع تساؤلات “محمد ضياء الدين”:( حسناً …السؤال الذي يطرح نفسه ثم ماذا بعد الإعلان عن (وحدة) المعارضة ؟؟ هل مجرد الإعلان عن وحدة المعارضة كافٍ لإسقاط النظام ؟ وهل سيعجل الإعلان مجرد الإعلان عن ذلك بعملية الإسقاط كما يعتقد البعض ويسوق له البعض الآخر)!!
وللتوضيح ما هي قوى الوحدة المعلنة في “أديس”؟
نبدأ بالجبهة الثورية التي تحمل السلاح منذ حوالي عقد من الزمان وعلاقتها مع مكونات قوى الإجماع ليست جديدة أو مستحدثة.
أما أحزاب قوى الإجماع بحزب الأمة وبدونه موجودين بالداخل منذ ربع قرن في مواجهة ومقارعة النظام عبر صيغ جبهوية مختلفة .
كما أن منظمات المجتمع المدني والشباب أصلاً لن يمثلوا إضافة جديدة باعتبارهم جزءاً من مكونات الإجماع الوطني.
إذن ما الجديد في ما تم في “أديس”.. ما هي الإضافة النوعية التي تشكل رافعة جديدة للعمل المعارض عسكري أم مدني.
بصراحة ﻻجديد نعم ﻻ جديد ..إلا إذا اعتبرنا الجديد هو حاصل جمع المعارضات تحت عنوان جديد هو وحدة المعارضة دون أن تتوافر مقومات الوحدة الحقيقية والعملية في ميدان المنازلة الشعبية في الشارع وفي سوح القتال.
الأيام القليلة القادمة سوف توضح ذلك. (وختم قوله:
(الخلاصة .. بدون عمل جاد في الشارع هدفه وغايته إسقاط النظام الدكتاتوري عبر الإرادة الحرة لشعبنا وقواه الوطنية الحية.. يقطع الطريق أمام البدائل الزائفة لن يكون لما تم في “أديس” أو في “باريس” أو الخرطوم أي معنى حقيقي في تغيير الواقع وستتحول لمجرد توافقات فوقية ولقاءات للذكرى ﻻ أكثر).
إذا لم تتحمل أحزابنا وقياداتها المسؤولية الوطنية بالكامل فإن شعبنا سوف يتجاوزها في إحداث عملية التغيير ولن ينتظر أكثر. وكان اللافت في رسالة “محمد ضياء الدين” أنه ختمها بالتوقيع:
(كسرة، الرفيق عبد الواحد محمد نور شكراً).
وفي موقف مخالف لرأي الرفيق “محمد ضياء الدين” سارع حزب المؤتمر السوداني إلى الإشادة بالنداء كتتويج لجهود مبذولة من أطراف عدة بجهد سوداني خالص، كخطوة لتوحيد قوی المعارضة حول أهداف واضحة وقدم شرحاً للوثيقة. وأضاف بيان المؤتمر السوداني: (إننا إذ نعتز بهذه الخطوة المهمة في توحيد قوى المعارضة لإسهامها الفاعل في تعديل ميزان القوى الذي سيكون فاصلاً في استعادة الوطن المختطف، والتي عملنا من أجل تحقيقها كل جهد ممكن ومستطاع).