لكي ينهض السودان
لا نزال في “أديس أبابا”، البلد هو نفسه يكنُّ تقديراً للسودانيين بشكل عجيب، في كل ركن وزاوية مشهد يعزز خصوصية العلاقة مع هذه الأمة الناهضة، اليوم خرجنا خارج العاصمة بنحو ساعة ونصف، حالة من الوجوم والدهشة ضربت وجوه الوفد المرافق، طرق بمواصفات عالمية، نظام دقيق للتطوير والنهضة يتبدى في كل شبر من الأرض هناك، أعمال على مدار اليوم والساعة، الكل منكب على مهمة وواجب، اليد الأجنبية ظاهرة في ضخامة النهضة ولكن اليد المحلية تدير الآن كل المشروعات، قلت لبعضهم لقد قلت لكم من قبل (البلد دي مشت) وها أنتم اليوم ترون وسترون أكثر.
حالة من غلالة الأسف غشت وجوهنا ليس حسداً للإثيوبيين فهم طيبون مسالمون، نتمنى لهم المزيد من التقدم والرفعة، ولكن كان السؤال الدائر لماذا لا نمضي نحن هنا بالسودان في مشروع تطوير مماثل؟ كل الأشياء تمضي لكن للخلف وأجمعنا كلنا على أن إثيوبيا شهدت استقراراً جعلها أكثر الدول الأفريقية نمواً وأسرعها، هناك لا جدلاً عقيماً حول السياسة، ولا أحزاب تحرير ولا ثوريات مدمرة، تجول الآن كل أجزاء البلد وأنت في أمن وأمان، وهنا يتابهى “ياسر عرمان” على نشطائه بأنهم يثبتون بمهاجمة الإحمير والعتمور أنهم في قلب المعركة وقادرون على الفعل، وله حق أن يقول هذا طالما أنه يقتل أبناء المنطقتين ويدمرهم، وأسرته من أشقائه وأبنائه بين أمريكا وهولندا في حرز حصين من التدمير والإصابة، فليمُت إذن أبناء الجبال وليبقَ له مجد النضالات البئيسة.
كيف ننهض ورجل بقامة “الصادق المهدي” صار كل همه أن يصله مندوب قطاع الشمال ليحدد ميقات الاجتماع بفلان، ومناضل مثل “فاروق أبوعيسى” يقاتل حتى يحظى بلقاء مع الآلية الأفريقية ليطلب منها المزيد من التشدد، كيف ينمو السودان ويتقدم والسياسة فيه صارت أقرب الطرق إلى العمالة، وتدمير البلاد هو القاسم المشترك بين كل الأطراف المعارضة، فحملة السلاح الذين رأيناهم في “أديس” لن يضعوه إلا إن أمرتهم الدوائر التي تدعمهم، والمعارضة المدنية الأخرى فهي اشد هواناً من أن ترد مكراً عن وطنها طالما أن الأذى سيطال الحزب الحاكم، الذي في سبيل إيلامه بقرار وحدث، فلا بأس من تقويض كل جهود السلام.
إن كان من نصيحة لي فهي أن على السودانيين البحث لهم عن معارضة بديلة تتميز بالاحترام، هذا إن كانوا أصلاً يرون في الحكومة كياناً لا يعبر عنهم، وأما الحكومة فليت “البشير” يبعث وزراءه في الطرق والإسكان إلى إثيوبيا ليرى هؤلاء الوزراء كيف هو الإنجاز والعمل وكيف يحصن الفعل الجيد من التخريب والإنشاء الفطير، وقد سرنا على مئات الكيلومترات الصقيلة بثلاث مسارات في الاتجاه الواحد وعبرت معنا مئات الشاحنات الضخمة ولم نرَ على شارع الأسفلت شرخاً أو نتوءاً أو حفرة مدمرة وقاتلة.