الطريق المسدود
{ عملياً انتهت الجولة الثامنة من المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال للفشل ووصلت لطريق مسدود، حتى لو استمرت محاولات الآلية الأفريقية برئاسة “ثامبو أمبيكي” إحياء الموتى وبث الروح في جسد مسجي على الأرض. فشلت المفاوضات لأربعة أسباب لا غير:
أولاً: الحركة الشعبية ترفض مبدأ التفاوض حول قضية المنطقتين النيل الأزرق وجنوب كردفان ولا تعترف أصلاً بأي تفاوض لا يشمل المسار الآخر ألا وهو مسار دارفور، واستغلت الحركة الشعبية خطأ الحكومة الكبير بالموافقة على نقل مفاوضات “الدوحة” إلى “أديس أبابا” تحت مسمى عملية سياسية واحدة بمسارين.. وتتمسك الحركة الشعبية بتحالفاتها في إطار الجبهة الثورية رغم أنف القرار (2046) الذي حدد بصورة قاطعة، أن منبر “أديس أبابا” وهي مبادرة من إثيوبيا لحل النزاع في المنطقتين .. بينما تذهب قضية دارفور إلى منبر “الدوحة”.
ثانياً: حالة الخصومة وما في النفوس من مرارات شديدة بين “ياسر عرمان” والوفد الحكومي، حيث انتهج “عرمان” كل الأساليب المؤدية لتعكير صفو مناخ “أديس أبابا”، من إطلاق للتصريحات التي تثير الطرف الآخر أي الحكومة التي تنظر لعرمان بأنه السبب في كل الأزمات التي تحدث الآن.. وفي ذات الوقت سعي “عرمان” الدائم لجعل نفسه (موضوعاً) على حساب القضية.
ثالثاً: تبدى ضعف الآلية الأفريقية التي يقودها الرئيسان السابقان “ثامبو أمبيكي” ورئيس نيجيريا الأسبق “عبد السلام أبو بكر”، في أنها تمارس ما يشبه (الجودية) على قول البروفيسور “إبراهيم غندور” الذي يعتبر نعياً رسمياً من حكومة السودان لهذه الآلية، التي لا يعدو دورها (نقل ما يجري) في فرق التفاوض إلى مجلس الأمن الدولي في أفريقيا. فالآلية الأفريقية حيثما ترفض الحركة الشعبية الالتزام بنصوص المبادرة وتأتي بما هو غير متفق عليه.. لا تستطيع حمل (عصاها) ورفعها في وجه الحركة الشعبية ولا الحكومة السودانية، وما نجحت مفاوضات نيفاشا إلا بضغوط الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة (الترويكا) التي كانت تلعب دوراً في الترغيب والترهيب..!!
الآن سيعود “غندور” ووفده الرباعي من العاصمة “أديس أبابا”د.”محمد مختار” والفريق “محمد جرهام” ود. “حسين حمدي”، ويبقى وفد الحركة الشعبية في “أديس أبابا” لاستغلال سوق السياسة الذي فتح هناك لإبرام التحالفات وعقد اللقاءات مع الأحزاب السودانية، من حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني وتحالف أحزاب المعارضة وحتى لجنة (7+7) لتسويق الحركة الشعبية لنفسها، ومعها حركات دارفور التي وصلت هي الأخرى مفاوضاتها مع الحكومة لطريق مسدود حتى اليوم. ومبعث الخلاف في مسار دارفور هل تفتح وثيقة الدوحة مرة أخرى أم تقبلها الحركات المسلحة (هكذا) مثل اتفاقية أبوجا التي قال عنها “يان بروك” المبعوث الأممي الذي طرد بعد ذلك، إنها غير قابلة لإضافة نقطة أو شولة.
لقد أصبحت حال السودان تغني عن السؤال بلداً (مشرورة حاله) على الماشي والغاشي، وفشلت النخبة السياسية في التعايش على الحد الأدنى.. وهي ذات الصورة اليائسة للسودان عام 1995 حينما تهافتت القوى السياسية المعارضة نحو العاصمة الإريترية “أسمرا” لمؤتمر أطلق عليه مؤتمر “أسمرا” للقرارات المصيرية. وفي ذلك المؤتمر كما قال الراحل “محمد أبو القاسم حاج حمد”، لقد بدأ السودان يتيماً بلا (أبوين)، وبعد (19) عاماً من ذلك المؤتمر اليائس لا تزال الأوضاع السياسية كما هي عليه، رغم تبدل الجغرافيا بذهاب الجنوب لسبيله كدولة لحالها.. ولكن لا يزال أبناء السودان مختلفين على كل شيء.
بفشل المفاوضات في المسارين الدارفوري والمنطقتين يصبح عملياً أمام الجميع خيار أن يتقاتلوا مرة أخرى، حتى يدركوا أن البندقية ليست حلاً لقضايا البلاد وقضايا النخب التي تقود البسطاء نحو الحروب المهلكة.. ميدانياً حركات دارفور في أضعف حالاتها وغير قادرة على تشكيل أي تهديد للوضع في الميدان.. وعلى صعيد المنطقتين فإن الحكومة مقبلة على تنفيذ إكمال عمليات الصيف الساخن.. وربما أدت تلك العمليات لخروج الحركة الشعبية من مناطق نفوذها الحالية، وخلق واقع جديد على الأرض يغير ويبدل من مواقف التفاوض الذي ربما تأجل لشهور عديدة.