الفزع والوجع
أشد المتشائمين لم يكن ليتصور أن الاحتفال الذي جرى في مدينة الفاشر قبل سنوات ونقلت فيه مهمة حفظ السلام في دارفور رسمياً من الاتحاد الأفريقى إلى البعثة المشتركة بين المنظمة الأفريقية والأمم المتحدة حيث وقع ممثلان عن بعثة الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايتها آنذاك والبعثة المشتركة على مذكرة انتقال المهمة الأفريقية التي استمرت نحو ثلاث سنوات ونصف في شكلها الأول، وتم إنزال علم الاتحاد الأفريقي ورفع علم البعثة المشتركة التي رأسها يومها وزير خارجية الكونغو برازفيل الأسبق “رودلف أدادا”، كما جرت مراسم رمزية لاستبدال قبعات الاتحاد الأفريقي الخضراء بقبعات الأمم المتحدة الزرقاء ولم يكن أشد المتشائمين ليتوقع أن تكون النتيجة صفراً.
أنشئت البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام في دارفور رسمياً من قبل مجلس الأمن في 31 يوليو 2007 بعد تبنيها لقرار 1769 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتعرف البعثة اختصاراً بـ(يوناميد).تسلمت (اليوناميد) مقاليد الأمور من “أميس” رسمياً في 31 ديسمبر 2007 ولأغراض – كما يقول موقعها الإلكتروني – حماية المدنيين والإسهام في تأمين المساعدات الإنسانية ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات والتحقق من ذلك إلى جانب المساعدة في العملية السياسية الشاملة مع الإسهام في ترقية وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وكانت البعثة مخولة بتعيين قوات لحفظ السلام مع المراقبين العسكريين وضباط التنسيق، ومستشاري الشرطة إلى جانب من وحدات شرطية مشكلة. وتعتبر البعثة واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام ورغم هذا فإنها واحدة من أفشل البعثات فهي لم تنجح قط في فض نزاع أو إعانة منكوب أو إدراك ملهوف وخير منها فزع ينهض به السكان المحليون في الملمات.
جابوه فزع بقى وجع، هذا ما انطبق على قوات (اليوناميد) التي تحولت إلى لعنة وجهة ملعونة خاصة من قبل المواطنين الذين يفترض بهم أن ينالوا حماية القوات الأفريقية ولكن عوضاً عن ذلك كان المواطنون والحكومة وجيشها من يقوم بحماية تلك القوات التي صارت هدفاً لهجمات قطاع الطرق والحركات المسلحة وطالبي العربات ذات الدفع الرباعي أو الباحثين عن (جالون) جازولين أو بنزين للحركة والتنقل ناهيك عن (اليوناميد) نفسها صارت في فترة من الفترات مخزن إمداد للمتمردين الذين كثيراً ما كانوا يحصلون على الذخائر والأسلحة عقب مهاجمة أطواف تلك القوات !
لم تكن قط سيرتها (مشكورة) فغالب مواقفها مرتبكة، ولسانها ثقيل ومتعثر بالبيان وإن أتت تأتى متأخرة، وإن حضرت لا تعد، وإن غابت لا تفتقد، وهي أمنياً وعسكرياً لم تشكل أي إضافة، هذه حقيقة لا خلاف حولها بل ربما تكون سبباً إضافياً لاضطراب الأمن في الإقليم نفسه ولكن ومع كل هذا أعتقد أن إدارة هذا الملف سياسياً ودبلوماسياً تتطلب قدراً من الوعي والتروي أكثر مما أرى وضبطاً للعرض والتناول حتى يدرك الناس ما يجرى وحتى لا توظف الحملة ضد (اليوناميد) لتكون معركة مع المجتمع الدولي ومواجهة.