رأي

مجرد سؤال

رقية أبو شوك

 (الظواهر السالبة).. غياب تام للأسر

في البدء وقبل أن أدلف إلى مساحتي هذه، أود أن أسرد عليكم هذه الواقعة الحقيقية التي كنت شاهداً عليها.. قبل فترة امتدت لأكثر من عامين استقللت عربة أجرة (تاكسى) لإيصالي مكان عملي وكان السائق رجلاً كبيراً في السن ولكنه حسب ما عرفت بعد ذلك من الأسر المحافظة جداً.. هذا الرجل الذي يدعى “إبراهيم” يعدّ كل الشباب الذين يسيرون راجلين أبناءه.. كان “عم إبراهيم” هذا يوقف سيارته كلما وجد فتاة أو شاباً يرتدي ملابس غير لائقة ويقول: (اتقوا الله)، بل يقدم لهم محاضرة دينية.. البعض كان يستجيب، والآخر يمضي في حاله بعد أن يرسل عبارات تبدو من ملامح الوجه تنم عن عدم الرضا لهذا التدخل الذي يعدّه شباب اليوم (حشرية)، ولا علاقة للغير بهم.
ونحن على هذا الحال إلى أن وصلت مكان عملي.. لكني قبل أن أصل كنت قد قلت له: (يا عم مالك ومالهم أسي سمعوك كلام جارح وبايخ إنت في غنى عنه) رد عليّ قائلاً: (عايز أغير بلساني هذه الظواهر السالبة) قلت له (لهؤلاء الشباب أسر كان ينبغي أن تنبه أبناءها).. ولكن!!! وكان رده كأنه الخنجر قد اخترقني: (يا بتي وين الأسر يا حليل أبوات زماااااااااان).. وأضاف: (كنا وما زلنا عندما نتحدث للأبوات ندنقر ليس خجلاً لكنه احترام.. كل الرجال نعتبرهم آباءنا إذا نصحونا وانتقدونا، بل ونسير على وصيتهم).
أقول هذا، وفي الخاطر الظواهر السالبة التي ظهرت في مجتمعنا السوداني الأصيل الذي عرف بقيمه السمحة والتي نعدّها إعزازاً لنا، لكنها قاربت على الانتفاء لأننا أصبحنا نقلد الغرب في كل شيء.. ولأن الوازع الديني أصبح ضعيفاً فإننا لا نقف كثيراً أمام التنبيهات الدينية.. والبعد عن الدين يجعلنا نفعل أي شيء لا علاقة له بالإسلام.. وهناك من الظواهر التي ظهرت وأشار إليها بعض الزملاء في الحفلات مثلاً كأن تقبل فتاة فناناً، وآخر ينحني لفنان آخر.. وهكذا، ونتوقع أكثر من ذلك في مقبل الأيام القادمة إذا لم نغير ما بأنفسنا.
فتغيير النفس يجب أن يبدأ منها ومن الأسرة.. وأن نعلم الأبناء القرآن، فالقرآن حياة، وعندما نعلمهم القرآن نكون قد علمناهم الحياة.. لكننا للأسف هجرناه وابتعدنا عنه.. قال تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).. فلنتدبر معنى هذه الآية ونعلمه لأبنائنا، لأنها تعلمهم وتأمرهم بالابتعاد عن المحرمات كالزنا والسرقة… وغيرهما.
فلماذا نترك العنان للأبناء ولا نتابع تصرفاتهم ونعرف أصدقاءهم؟ لماذا لا نتابع حتى القنوات التي يتابعونها؟؟ فهنالك قنوات إباحية تعرض كل شيء.. وهناك الكثير من الشباب يجلسون أمام الفضائيات أكثر من الجلوس أمام دروسهم، وبالطبع سيتأثرون بما تبثه ويقلدونه طالما هناك غياب تام للأسرة.. يخرج الشاب أو الشابة بملابس لا ترضي الله ورسوله من بيته ولا أحد يسأل، ومثل هؤلاء لا يتقبلون ما يوجه من نقد لتصرفاتهم، وبلا شك سيرد الواحد منهم عليك: (أنا طلعت من بيتنا كده إنت مالك) كتلك الردود التي استقبلها “عم إبراهيم” بصدر رحب.. وسبحانه تعالى الذي يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. صدق الله العظيم
أيضا لابد أن يكون هنالك دور كبير للمجتمع ولأهل الدين طالما هنالك غياب من بعض الأسر (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).. يجب أن نحارب هذه الظواهر السالبة بكل ما أوتينا من قوة، فقد أصبحت من أكبر المهددات لديننا ومجتمعنا السوداني المحافظ.. والمسؤولية مشتركة طالما معظم الأسر في وسبات عميق، وإذا لم يحدث ذلك فإننا موعودون بأشياء كثيرة جداً سالبة تجعلنا جميعاً مسؤولين عنها أمام الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية