ما في زول عارف !!
بت أكثر يقيناً بأن أي مشروع للتفاوض والسلام يحتاج الناشط فيه والساعي إليه إلى جملة مطلوبات لعل أهمها الصبر والقدرة على التعامل مع متقلبات المواقف، ما تبدأ به يومك وتظن أنه فاتحة خير قد ينهار في نصف دقيقة وغمضة عين، وإن ظننت أن الأمر قد انقضى وذهب مع الريح تكون مخطئاً، لأن العكس قد يتبدى لك ويظهر ويلوح عكس ما هو كائن ويحدث. إلى اليوم لنا يومان بـ”أديس أبابا”، ومما نرى ونتابع ونشهد فإني أجزم بأن متمردي قطاع الشمال أو تحديداً وعيناً “ياسر عرمان”، إنما يمارسون عبر هذه المفاوضات شيئاً أقرب إلى عبث الأطفال منه إلى الفعل السياسي المعارض الراشد، فهذه ليست أساليب أصحاب قضية. وبالمناسبة فإن ردهات فندق (رديسون بلو) اكتظت بالناشطين ومؤيدي قطاع الشمال من أشخاص وعناصر يدل كل سمتهم وهيئتهم أنهم من أهل اليسار- المادي لا السياسي- ومن أصحاب الوظائف وإن انتحلوا لأنفسهم قضية المنطقتين. وأكاد أجزم أن أنشطهم وأكثرهم ولاءً لا يعرف من الجبال إلا جبل الأولياء!
واضح أن قطاع الشمال وصاحبه “ياسر عرمان” يمارس تكتيك إرهاق الوفد الحكومي، فتارة يأتي لمنصة الافتتاح بأشخاص لا يمكن اعتبارهم كشهود أو أعضاء مثلما فعل بـ”التوم هجو” و”مناوي” واللذين لما قضى وطره منهما تركهما وانصرف لينخرط في اللقاءات المباشرة بوفد آخر لا وجود فيه لتمثيل دارفور أو غيرها، ثم بعد هذا وبعد أن انتهى دور محاولة استفزاز الخرطوم بما فعل بالجلسة الافتتاحية حان وقت اللعب بالألفاظ وتحريف المواقف، ونسخ التفاهمات السابقة. لكل عنوان عند “عرمان” قراءة مختلفة إن قال الناس الحوار الوطني انصرف إلى المحكومين، فإن تحدثوا عنها مال إلى آلية سبعة وسبعة، فإن تراجع منها عاد إلى قضايا أخرى أو أهدر الناس بقصص وحكايات تصلح للبرامج الإذاعية والسيرك وليس غرف التفاوض.
المؤسف في هذا أن الذين يفترض بهم تمثيل المنطقتين من جانب قطاع الشمال آخر من يتكلمون ويتحركون أو يجلسون، واضح لكل مراقبي المفاوضات أن أي ممن يحملون صفة الوفد من المتمردين لا يملكون لأمرهم شيئاً. وهكذا فإن قضية النيل الأزرق وجنوب كردفان تعود لتكون مرتبطة بمزاج شخص متقلب وغريب الأطوار، وواضح لنا جميعاً أن مثل هذه المناسبات إنما يوظفها لأغراض شتى ليس من بينها قط مصلحة لمواطن أو عون لمسكين أو حق مبذول لجماعة، ولهذا أعتقد بشدة أن مفتاح الحل أن يتمكن أصحاب المصلحة والمتأثرون بالقضية وحدهم تحديد قضيتهم والمسؤولين عن عرضها، لأن استمرار هذا الوضع سيجعل الحل نفسه يأتي متأخراً بعد أن يمل “عرمان” أو بعد أن تأمره جهة ما، بالجنوح للسلام إن رغبت مصالحها في طي الحرب.
بالإجمال مفاوضات السلام بـ”أديس أبابا” قد تتقدم وقد تتراجع، قد تنجز السلام أو قد لا تنجزه ..ما في زول عارف !!!