7" سانتو ".. وحدة السودان على خطى الألمان !!
يحدث في (جنوب السودان) منذ نحو عام من حرب فتاكة بين الجيش الشعبي بقيادة الرئيس “سلفاكير” والمتمردين بقيادة نائبه السابق “رياك مشار”؛ مما أدى إلى عمليات قتل وإبادة على نطاق واسع، ودمار شامل، كل هذا فضلاً عن ما لحق بالشمال من أضرار اقتصادية وسياسية وأمنية بالغة، تتحمل مسؤوليته حكومتنا مناصفة مع طغمة (الحركة الشعبية) التي سلمناها الجنوب.. أرضاً وشعباً وموارد دون شرعية وتفويض سوى (شرعية البندقية)!!
كل ذي بصر وبصيرة كان يتوقع اندلاع حرب قبلية طاحنة في الجنوب عقب الانفصال لا تبقي ولا تذر، لكن العصابة الني اختطفت شعب الجنوب كتمت خلافاتها المتوقعة وتحملت نار الانفجارات الداخلية لنحو عام ونصف، ولكن سرعان ما دوى صوت المدافع وقعقعة الرصاص في “جوبا” من داخل القصر الرئاسي عندما اشتبكت حراسات الرئيس مع حرس النائب “مشار”، بعدها بدأ الزحف نحو الغابة.. غابة يقاتل فيها الجنوبيون الجنوبيين، حيث لا وجود لـ(مندكورو).. هذه المرة !!
نحن شركاء في هذه الجريمة؛ لأننا سلمنا جنوبنا بمفاتيحه لبضعة عشرات من (أولاد الكنائس والمخابرات اليوغندية والأمريكية)، وتركنا لهم الجمل بما حمل.. تاريخاً وجغرافيا.. بشراً طيباً.. ثقافات وثروات!!
فعلنا ما فعلنا استجابة لضغوط غربية وأملاً في وعود أمريكية كاذبة لم تتحقق حتى الآن!! انسحب الجيش السوداني من الجنوب قبل المدة المقررة، وكان خطأ فادحاً بل خطيئة لا تغتفر، أن يوافق فريق (نيفاشا) على خروج القوات المسلحة السودانية ابتداءً قبل اكتمال عملية التصويت وإعلان النتيجة على (تقرير المصير)، فقد خلا الجو للجيش الشعبي فمارس إرهاباً وترويعاً، وساق الملايين بدفع البنادق إلى صناديق التصويت بـ(نعم) للانفصال.. وكنا نتفرج على إكراه البسطاء وخديعتهم حتى في مراكز الاستفتاء بالعاصمة الخرطوم!!
الملايين صوتوا للوحدة عندما نزحوا للشمال في حروب المتمردين ضد المركز، والملايين نزحوا أيضاً لذات الاتجاه عندما اندلعت حرب (سلفا – مشار)! وكأنهم يحتمون بنا من عقوق أبنائهم.. ويهربون إلينا من الموت الزؤام.
مئات الشواهد والمشاهد تؤكد ما ذهبتُُ إليه.. سابقاً أو بعد انقسام البلد لبلدين، غير أن عمنا السلطان “سانتو” كبير السواقين بالسفارة السودانية في “برلين”، يمثل نموذجاً خاصاً وحالة استثنائية للوحدة المستمرة بين شمال وجنوب السودان.
”سانتو” الذي وصل ألمانيا مطلع سبعينيات القرن المنصرم مع السفير اللواء “مزمل سليمان غندور”، هو أقدم موظف بسفارة السودان حيث قاربت سني خدمته (الأربعين) عاما رافق وعاشر خلالها مئات الدبلوماسيين الذين مرواً من محطتي “بون” و”برلين” من عهد “مزمل ” وإلى زمن “بهاء الدين حنفي” و”بدر الدين عبد الله” مروراً بالشباب “معتز موسى” و”معاوية التوم” وإلى زمن “خالد موسى” الحاضر.
بالأمس قابلت “سانتو ” الذي يكنى هنا بـ(العمدة)، قلت له: شكلك من الاستوائية.. من الباريا أو الزاندي؟ أفحمني عندما قال لي: أنا سوداني!!
العمدة “سانتو ” الذي اعترف لاحقا أنه سلطان قبيلة (الأشولي) وأن غربته جعلت ابن عمه في مقام السلطان، ما يزال يتلقى تلفونات من سفراء و وزراء غادروا ألمانيا قبل سنوات.. يحبونه حباً لا يعرف سياسة (تقرير المصير)!!
ولكن سيعود السودان يوماً.. بإذن الله.. بلداً واحداً.. مثلما عادت ألمانيا.. وسقط جدار “برلين”.. وهاهم الألمان يحتفلون هذه الأيام بعيد وحدتهم الـ(25) في بلد كفر بالانفصال.