(المجهر) في حوار الراهن مع العضو بالمكتب القيادي للوطني بروفيسور "الأمين دفع الله"
تعيين الولاة كان من أفضل تجارب الحكم المحلي!!
ليست للرئيس مصلحة شخصية في تغيير الولاة!!
لا ننفي حدوث نعرات قبلية في الولايات.. وهذا أحد أسباب مراجعة الدستور!!
الترهل موجود.. والمحليات أحد أسبابه هي تأخذ ولا تعطي!!
حوار – نجدة بشارة
ينظر البرلمان قريباً في أول مشروع تعديل دستوري منذ أن تم اعتماده كدستور انتقالي في العام 2005م، يقضي بإعطاء الرئيس الحق في تعيين الولاة واختيارهم ومحاسبتهم بدلاً عن انتخابهم كما ينص عليه الدستور الحالي.
ودعوة الرئيس جاءت عقب تفشي ما سماه ببعض (الممارسات الخاطئة) في تطبيق تجربة الحكم اللا مركزي بالبلاد من ظهور للجهوية والمحاصصات والقبلية.. (المجهر) حملت بعض التساؤلات إلى بروف “الأمين دفع الله” العضو بالمكتب القيادي الجديد والأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللا مركزي سابقاً للحديث من واقع تجربته بالحكم اللا مركزي، الذي يرى أن تجربة تعيين الولاة كانت الأفضل في تطبيق نظام الحكم اللا مركزي بالسودان، وأرجع ذلك لارتباط الولاة مباشرة بالمركز من خلال تنفيذ التوجيهات والمحاسبة على التجاوزات، وقال إن الرئيس الآن لا يستطيع محاسبة الولاة حسب النص الدستوري الحالي أو عزلهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
كما أشار إلى أن قرار (تعيين الولاة) ليس قرار الرئيس، وإنما أشواق المؤتمرين، وأضاف: (عشان الناس ما يقولوا الرئيس عمل.. وعمل)، لأنه رجل ملتزم بالدستور.. واعترف “دفع الله” بوجود إخفاقات صاحبت تطبيق نظام الحكم اللا مركزي بالسودان من تفشي الجهوية التي أفرزت جهازاً تنفيذياً مترهلاً أرهق خزينة الدولة.
} بروف “الأمين” من مواليد الهلالية بالجزيرة.. درس الدكتوراه بأيرلندا.. ثم نال درجة الأستاذية بالمملكة السويدية.. ولج إلى عالم السياسة في العام 1994م متقلداً منصب وزير دولة بوزارة الزراعة، ثم والياً لولاية كسلا ووالياً للقضارف.. التحق بالبرلمان كنائب ورئيس لجنة الشؤون الزراعية.. وهو ممثل السودان بالبرلمان الأفريقي حالياً، بالإضافة إلى رئاسته مجلس إدارة جامعة الخرطوم.. وهو عضو بالمكتب القيادي للمؤتمر الوطني.
{ الرئيس طالب بتعديل جزئي للدستور في تطبيق الحكم اللا مركزي بهدف معالجة ما سماه (بالممارسات الخاطئة)؟
– أرى أن من حق الرئيس أن يطالب بتعديل الدستور.. وطلبه لم يأت من فراغ.. جاء بعد تقييم للمرحلة السابقة وهي المرحلة الممتدة منذ بداية الإنقاذ وحتى الآن.
الرئيس لاحظ أن هناك مراحل مرت بها عملية اختيار الولاة وتعيينهم وانتخابهم.. والإنقاذ عندما تسلّمت مقاليد الحكم في بداياتها بدأت بنظام تعيين الولاة، واستمر النظام إلى أن جاء دستور 1998م، الذي نص على أن يكون هنالك انتخاب للولاة، على أن تتم عملية الانتخاب بمشاركة المركز مع الولايات في الاختيار، حيث يتم ترشيح ثلاثة أشخاص من الولاية المعنية والمجلس التشريعي يختار واحداً من الثلاثة.. هذه مرحلة من المراحل.. وعندما جاءت اتفاقية السلام (نيفاشا) أعطت الدساتير الولائية الحق، والتي تنص على أن يتم انتخاب الولاة مباشرة من قبل جمهور الولاية وبواسطة دستورها، وبالتالي خرج المركز تماماً من مسألة الاختيار، والرئيس لا يملك الحق في اختيار أو محاسبة الولاة أو حتى عزلهم.. وترتب على هذا عدة جوانب أهمها أن الولايات أصبحت شبه جزيرة معزولة داخل السودان.. أيضاً حدثت تكتلات جهوية وقبلية (في هذا الإطار) أدت إلى تذمر شرائح واسعة من المواطنين بالولايات. وأصبح الاختيار لا يتم وفق الأسس السليمة بل يتم بالترضيات في معظم الأحوال وتدخلت القبلية، ما أدى إلى حدوث انفلات بالولايات.. (ما في سيطرة عليها).. والرئيس الآن يستخدم قانون الطوارئ إذا أراد عزل الوالي.. لذلك جاءت مطالبة الرئيس بعد هذه الفترة الطويلة يطالب بمراجعة بعض المواد في الدستور بالجزئية المتعلقة بـ(الحكم اللا مركزي).. تعديل جزئي وليس كلياً في المواد التي تتيح للرئيس (التدخل) في مسألة الاختيار والتعيين.. ودوره في العزل إذا دعا الأمر إلى ذلك.
{ المسافة بين الولايات والمركز قد تخلق تعقيدات في اختيار الرئيس للوالي وتعيينه مباشرة دون وضع اعتبار لقبوله لدى مواطني الولاية المعنية؟
– لا أبداً.. لأن الاختيار أو التعيين لن يتم بالتركيز على أبناء الولاية المراد اختيار الوالي لها.. (يعني ما ح يكون ابن الولاية).. لأن هذا أحد أسباب المشكلة السابقة.. أبناء السودان يحكمون السودان.. وتجربة التعيين سابقاً كانت خير دليل.. مثلاً أنا كنت في القضارف ولست من أبناء القضارف.. و”حاج آدم” كان بالشمالية وهو ليس من أبناء الشمالية.. بالتأكيد سيتم التعيين وفقاً لهذه الأسس، والمعلومات المطلوبة بالتأكيد بعد (25) عاماً من الحكم ستكون متوفرة عن القيادات الذين يمكن الدفع بهم لمناصب الولاة.
{ هل تعتقد أن الممارسة الشورية عبر الكليات حدثت بها تجاوزات واستقطاب وعدم شفافية؟
– أعتقد أنه من الصعب الحكم على الأمور ككل، (حكم واحد)، خاصة وأن عملية اختيار الولاة تحكم بلوائح وقوانين وفق نظام الحزب، ولا ننفي ظهور النعرات القبلية والتجمعات والتكتلات والدفع لمساندة بعض الناس على حساب الآخرين.. وهذا أحد الأسباب التي دعت إلى المطالبة بمراجعة الدستور لأنه تترتب عليها (ما أقول فتنة.. لكن جهوية).
{ هناك تجاوزات معلنة مثل تقديم أحد الولاة رشوة لإعادة انتخابه؟
– والله لا أستطيع الحديث عن هذا، لأنه لا علم لي به.
{ هل ترى أن الأسباب السابقة كافية وتدعو لتعديل الدستور؟
– إذا وضعنا في الاعتبار أن مسألة الانتخاب ترضي طموح ألوان الطيف السياسي بالبلاد.. والرئيس المنتخب من أهل السودان كافة انتخاباً مباشراً يمثله الوالي في أية ولاية، لذلك من حق الرئيس اختيار من يساعده ويمثله بالولاية المعنية وعزل من يرى عدم صلاحيته.. والرئيس الآن تم اختياره من قبل الحزب رئيساً للمؤتمر الوطني، والمرشح الذي سيدفع به للانتخابات القادمة.. هذه الصفة تعطيه الحق في الاختيار.. وهذه ليست المرة الأولى، وليس النظام الوحيد الذي يسعى السودان لتطبيقه، بل يوجد في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة.. لذلك نحن لسنا (بدعاً) عن الآخرين.. كما أن الرئيس ليس له أغراض شخصية أو مهابة في أن يأتي بـ(فلان) ويبعد (فلان)، لكن المحك في أن يأتي بالشخص المناسب لتنفيذ البرنامج، لأنه برنامج دولة وليس ولاية.
وكما ذكرت سابقاً، التجارب أثبتت أن المراحل الثلاث التي مرت بها الدولة من مشاركة المركز في اختيار الولايات تم اختيار الولاة على حدة بصورة قاطعة.. وأنا شخصياً، كشخص ممارس، أرى أن التجربة الأولى- تجربة التعيين- كانت أفضل تجربة في الحكم اللا مركزي.. أقولها لك مباشرة.
{ لماذا في اعتقادك؟
– لأن الولاة كانوا مرتبطين ومتابعين من قبل الرئاسة بصورة متكررة وراتبة، وتنزل لهم توجيهات مباشرة ويحاسبوا عليها.
الآن الرئيس لا يستطيع أن يحاسب الولاة حسب نص الدستور الحالي وليس من حقه.. (وممكن الوالي يقول ليهو أنا ما عندي شغلة بيك.. أنا الجابني الشعب).. وهذا حدث.. لذلك وحسب وجهة نظري التعيين أفضل وسيلة.
{ بعض الولاة قالوا إن هذه الخطوة اتخذها الرئيس لتغيير الولاة الحاليين فقط؟
– لا أعتقد أن للرئيس أية مصلحة شخصية في تغيير الولاة الحاليين.. والقرار ليس قرار الرئيس (عشان نكون واضحين)، وإنما هي أشواق المؤتمرين.. (عشان ما نلوم الرئيس).. المؤتمرون رأوا في لقائهم العام أن الرئيس يعين الولاة بدلاً عن انتخابهم، حتى أن الرئيس لم يذكر في خطابه بالمجلس الوطني مطالبته بتعيين الولاة وإنما طالب بمراجعة الدستور فيما يتعلق بالحكم اللا مركزي في جزئية تعيين الولاة.. وحتى الآن بالمراجعة.. لم تتم الموافقة على تعديل الدستور.. (وعشان الناس ما يقولوا الرئيس عمل.. وعمل)، أقول لهم إن الرئيس لا يمكن أن يخطو هذه الخطوة لأنه رجل ملتزم بالدستور الذي تحكمه قوانين وأسس، وتغييرها لا يتم فجأة، بل عبر خطوات وأولاها ما تم من خلال تشكيل لجنة طارئة من قبل البرلمان عقب خطاب الرئيس لتدرس المقترح، وتضم اللجنة جل القيادات القانونية الموجودة بالمجلس الوطني، ومخرجات اللجنة ستطرح على البرلمان بعد شهرين من الإيداع حسب نص الدستور.
{ هل حدد الرئيس نقاطاً معينة ليرى فيها التعديل بالدستور؟
– هي نقاط ثلاث فيما يلي: طريقة اختيار الولاة، التعيين، بالإضافة إلى محاسبة الولاة وصلاحية الرئيس في ذلك، وحقه في عزلهم إذا دعت الضرورة.. وهو لم يقل لهم أن يُغيروا نظام الحكم اللا مركزي.. سيظل الحكم اللا مركزي ولا بديل له بالسودان إلا الحكم اللا مركزي.
{ قانونياً.. هل يحق للرئيس تعديل الدستور؟
– نعم، يمكن أن يعدل الدستور.. وهذه ليست المرة الأولى.. حدث ذلك من قبل.. لكن يتم تعديله وفقاً للقوانين والأسس، ومراعاة المواد التي سيجرى فيها التعديل والإجراءات التي ستكون وفقاً للنصوص الموجودة بالدستور، ويجب عدم احتوائها على أية مخالفة.. وحالياً الإجراءات تذهب في ذات الاتجاه.
{ بما ترد على من يقول إن الحكم اللا مركزي صاحبته إخفاقات ومحاصصات قبلية أحدثت ترهلاً دستورياً وأرهقت خزينة الدولة؟
– لا أنفي أن هناك ترهل.. أعترف أن هنالك ترهلاً.. وهذا من الأشياء التي يمكن النظر فيها دون تعديل الدستور، لكن هذه تأتي بالقانون.
{ أحد قيادات الوطني كان قد ذكر أن الإنفاق الحكومي لا يمكن تقليله إلا بتعديل الدستور لتقليل أعداد الدستوريين؟
– الدستور لا يحدد مواعين الحكومة بالولاية وأعداد الدستوريين.. الدستور يتحدث فقط في النقاط الأساسية.. لكن كيف تشكل الحكومة، هذا شأن داخلي يحكمه القانون سواء المحلي أو قانون الحكومات الولائية.. وأي دستور يغير بقانون ولوائح.. وبالتالي هذه إجراءات في إطار ترشيد الحكم اللا مركزي، ويتم هذا بخطوات لاحقة. لكن لن يتعرض لها الرئيس الآن لأنها غير مضمنة أصلاً.. يتم تعديل الأصل ثم ينظر لاحقاً للمتفرع في الأصل.
{ برلماني قال إن هناك دستورياً مجنوناً؟
– والله هذا لا أعرفه.. (واسألي الزول القالو ما تسأليني).. أنا لا علم لي به، ولا أفتي في ذلك.
{ إذن كيف تتم معالجة هذا الترهل في ظل الحكم اللا مركزي؟
– والله أرى أن المحليات أحد أسباب الترهل الأساسية.. مثلاً ولاية مثل الجزيرة أو الخرطوم بحجمها الكبير بها من سبع إلى ثماني محليات، وولاية مثل جنوب دارفور بها (23) محلية.. هذه كانت مطالبات لبعض الناس…
{ (مقاطعة).. تعتقد ترضيات؟
– أنا أقول جهويات وليس ترضيات تحدث ببعض الولايات، لكن الأسس التي يجب أن تتبع لتلافي الترهل يجب وضع أسس وقواعد.. قبل إنشاء أية محلية، لا بد من مراعاة وارداتها المالية، الرقعة الجغرافية، عدد السكان والتجانس.. كل هذه الأشياء يجب مراعاتها.. والمحلية التي لا تملك هذه المقومات يجب ألا تقوم لها قائمة، لأن المحلية المفترض أن تقدم خدمات للمواطنين وليس أن تأخذ من المركز (فاقد الشيء لا يعطيه).
{ يؤخذ على المركز تدخله في قرارات المحليات؟
– أرى أن أية ولاية حالياً بما فيها الخرطوم تأخذ دعماً شهرياً من المركز.. وهذا أحد العيوب.. المفترض أن يحدث تحلل ما بين الولايات والمركز، والمفترض حسب قوانين الحكم اللا مركزي أن تخرج الولايات تدريجياً من اعتمادها على دعم المركز المادي حتى تتعافى، وهذا لم يحدث بل تنتظر الولايات دعم المركز في البند الأول للمنصرفات وفي بنود التنمية، وهذا أعدّه خللاً واضحاً.. لذلك فالولاية التي تحتاج لتملك قرارها لا بد أن تخرج من دعم المركز وتنمي إيراداتها ومواردها.