"أمين حسن عمر" لـ(المجهر) (2-2)
لن يستغرق ملف دارفور سوى أشهر قليلة.. لكن إذا تطاول سأترجل!!
لا أعتقد أن تعيين الولاة من رئاسة الجمهورية فكرة حسنة!!
ليس من المنطق أن توسّع الحكومة الشقة مع “الصادق” وتفتح الباب للجبهة الثورية!!
إذا تجاوب الزعماء مع اللحظة التاريخية سيصنعون التاريخ وإلا سيترجلون!!
حوار – فاطمة مبارك
{ وثيقة الإصلاح طبّقت على السلطة التنفيذية وعندما جاء دور الحزب حدث تراجع؟
– وثيقة الإصلاح أكثر من ثلثيها كانت حول إصلاح الحزب وفي مجالات عديدة، أهمها توليد القيادات وتصعيدها والبحث عن المواهب والكفاءات وترفيعها، وهذا لا يكون إلا بإتاحة الحرية الواسعة للحوار والشورى داخل الحزب، وإذا أفلحنا في هذا سينعكس على الساحة السياسية، فمن خلال النقاشات التي دارت داخل المؤتمر الوطني تولدت مبادرة الحوار الوطني ولا يمكن أن تنجح وتفعل إلا بحرص قواعد المؤتمر الوطني وقياداتها على إنجاح المبادرة، وإذا أردنا أن نقدم مبادرة تبدأ بالكلام وتنتهي به فلن نحدث تغييراً في الساحة السياسية، وينبغي أن تبدأ بالكلام وتنتهي بالأفعال المؤثرة في الساحة السياسية.
{ هناك من يتحدث عن أنك أصبحت أقرب إلى (حركة الإصلاح الآن) بعد أن احتججت على عدم تطبيقه في مؤتمر حزبكم الأخير؟
– ليس صحيحاً أن المؤتمر الوطني الآن خلي من الإصلاحيين.. هناك اتجاهان، (وأعتقد أن أخوانا ناس غازي غير صبورين.. يريدون نتائج سريعة).
{ أليس مطلوباً تحقيق نتائج سريعة؟
_ جيد أن تتحمس للإصلاح سريعاً، لكن إذا كان غالبية الناس حذرين ومسايرين، هل تعتقد أنهم سيتبعونك؟ لا أعتقد أن هناك جهة الآن تضغط على الناس حتى يكونوا حذرين.. هذا جزء من الثقافة.. الحذر والمحافظة.. ثم هناك اعتبار الحكم نفسه.. هناك حزب حاكم، وهناك أناس لديهم مصالح يخافون أن تتضرر إذا واجهوا الحزب الحاكم لذلك يسيرون قرب الحائط.. واتجاه آخر متحمس جداً للقيادة نفسها، لكنه يعتقد إذا استبدلها ستكون هناك طامة كبرى وخطر داهم، لذلك يمضي تجاه المحافظة.
{ إذن أنت من مناصري العمل على الإصلاح من داخل الحزب؟
– أعتقد أن العمل للإصلاح داخل الحزب له فرص كبيرة.. وصحيح أن طموحاتنا لم تُحقق بالدرجة التي كنا نتمناها، لكن هناك نتائج تحققت، وهناك فرص لاختراقات يمكن أن تحدث، لذلك أنا حتى في اللقاء الذي أثار الضجة قلت إن الكرة الآن في ملعب الرئيس، وهو الذي يمكن أن يقود عملية الإصلاح داخل الحزب وفي الساحة السياسية، وعليه أن يطرح مبادرات حقيقية وقوية.
{ ماذا تعني بمبادرات حقيقية؟
– بمعنى أنها تنشئ وقائع جديدة على الأرض تقنع الناس، لأن هناك تشككاً خاصة في الأحزاب المعارضة، وأسئلتهم من شاكلة هل الرغبة في إصلاح الحياة السياسية رغبة حقيقية أم أنها تكتيك؟ بعض الناس إذا فعلت كل شيء، لأن أجندتهم مخالفة لهذا الاتجاه، سيشككون في صدقية ما يطرح.. لكن جمهور الناس العاديين وبعض السياسيين يمكن أن يقتنعوا أن هناك إرادة حقيقية للتغيير وليس بالضرورة تغيير الأشخاص وإنما تغيير السياسات.. فالأشخاص صانعو السياسات، إذا أثبتوا للناس أنهم قادرون على صنع السياسات الجديدة سيتبعهم الناس، وإذا شعروا أنهم استنفدوا ما عندهم وأصبحوا يكررون الطرائق القديمة التي ثبت أنها لا تُحدث الأثر المطلوب في الواقع فإن الناس سيكونون على فريقين، فريق موجود ومساير وفريق يعارض هذا أو على الأقل لا يؤيد.. وفي تقديري أننا الآن في مرحلة فاصلة وبحقائق التاريخ أن السودان بعد الانفصال يقف على مفترق جديد وأمام تحديات كبيرة بعضها داخلية.
{ مثل ماذا؟
– أهم التحديات الداخلية تحدي الاقتصاد والأمن، ممثلاً في حرب الهوامش.. هناك تحديات خارجية تتمثل في الفوضى التي تعم الإقليم وتلقي بآثارها علينا وعلى السياسات الدولية تجاه المنطقة.. هذه تحديات خطيرة تجعل هناك خصوصية لهذه اللحظة التاريخية، وهذه الخصوصية هي التي تعطي الخصوصية للزعماء، إذا تجاوبوا معها بالصورة القوية الفاعلة فإنهم سيصنعون التاريخ وإذا جلسوا وقالوا إن الأمور تمضي وليس في الإمكان أفضل مما كان فالتاريخ سيمضي، وسيترجل من لم يستطع مسايرة حركته.
{ بعض قيادتكم أرجعت موضوع إعادة الحرس القديم إلى عدم وجود قيادات شبابية ووسيطة مؤهلة؟
– هذا طبيعي، ويكتسب بشيئين.. الأول عنصر الزمن والوقت، والثاني عنصر الاحتكاك والتجربة.. فالذي يحفز على الدراسة والبحث والتفكير هو التحديات الحقيقية والجدل مع الآخرين، الذي يدفعك إلى البحث والنظر في الأطروحات التي تطرحها.. طبعاً هناك نظر فلسفي غير مطلوب.
{ كيف يكون ذلك؟
– يمكن أن تذهب فئة من الناس إلى التفلسف والدراسات الفلسفية النظرية، ولا بأس في هذا، لكن العموم يهتم بالقضايا التي يترتب عليها عمل، وهذه غالباً ما تنجم عن مواجهة التحديات الحقيقية والمواجهة مع الآخرين الذين يقدمون تحدياً حقيقياً لأطروحاتنا ويجبروننا على مراجعة هذه الأطروحات، وهي ليست معصومة، فيها نقص وقصور وعيوب، والتحدي مع الآخرين هو الذي يجعلنا نراجعها لتجويدها وسيدنا “عمر” قديماً قال: (رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوب نفسي).
{ تقصد بالآخرين المعارضة؟
– إذا كانت معارضة فعلاً وليس اعتراضاً.. لكن للأسف في الثقافة السياسية كل المعارضة أصبحت اعتراضاً، والمعارضة هي أن أعرض عرضاً تجاه مسألة معينة، وتعرض أنت عرضاً تجاه نفس المسألة حتى إذا كنت أنا في مستوى الحكم.
{ هل هناك نماذج لذلك؟
– في البلاد المتقدمة ديمقراطياً تنشأ وزارات ظل من المعارضة، كلما قدمت الحكومة سياسة قدمت المعارضة سياسة تصحيحية، والمستفيد سيكون هو الوطن.. والاعتراض هو أن أعرض شيئاً فتقف وتمنعني من تنفيذه.. وللأسف هذه هي الثقافة السائدة.. لا أحد يعرض ما عنده وإنما يعترض على ما عندك، وهذا واحد من الأشياء التي ينبغي علينا إصلاحها ولن نستطيع إصلاحها بالذهاب للمعارضة لوعظها، لابد لنا أن نعيد تشكيل الساحة السياسية بالمزيد من الحريات وتهدئة الخطاب الحاد اللهجة، والعمل الحزبي المشترك مع الآخرين حتى نخفف من غلوهم.. وإذا خففناه ستتحول ثقافتهم من ثقافة اعتراض إلى ثقافة معارضة.
{ هناك حديث عن أنك تنوي الاعتذار عن مواصلة ملف دارفور؟
– أنا أصلاً اعتذرت عن هذا الملف وقُبل عذري، وتركت الوزارة، لكن من بعد ذلك جاء إخواننا في المكتب القيادي وقالوا هذا الوقت غير مناسب لترك الملف.
{ متى سيحين الوقت المناسب؟
_ الآن أعتقد أن الأمور تتطور بصورة إما أن تؤدي إلى قفل هذا الملف بقفل قضية التفاوض تماماً حوله أو أن يمضي الناس إلى إنفاذ ما جرى، ويعدّوا الحركات التي لم توقع لا يصلح التعامل معها إلا بالطريقة الأمنية، لذلك لا أعتقد أن الأمر سيستغرق أكثر من أشهر قليلة، وسأحاول في هذه الأشهر القليلة أن أصبر وأصابر في الملف.. لكن إذا تطاول الأمر سأترجل.
{ لأسباب سياسية أم شخصية؟
– كما قلت.. لديّ مشروعات واهتمامات كثيرة ليس بالضرورة عمومية.. نحن منذ (25) سنة منشغلون على مستوى يومي.. هذا مرهق ومستنفد للقوى وأي ذخيرة علمية وفكرية.. وقبل هذا كنا في حالة مناجزة في الجبهة الإسلامية القومية.. وقبلها كنا في مناجزة أيام “نميري”.. نحن في حالة مناجزة مستمرة منذ مطالع السبعينيات.. أعتقد أننا نحتاج إلى استراحة ختامية، ليس استراحة محارب.. الإمام “الزمخشري” عندما بلغ العام الـ(60) قال جاءت قاصمة الأعمار، وترك كل شيء وذهب وجاور في البيت الحرام وألّف كتاب (الكشافة) الذي يعدّ من أعظم كتب التفسير.
{ أنت تريد أن تفعل مثله؟
_ أنا لا أشبه نفسي بالإمام “الزمخشري”، ولكن أعتقد أن الأوان قد آن لننصرف من القضايا اليومية إلى قضايا لا يدخل فيها الشأن اليومي الذي يشغل الهمّ والوقت بالتفاصيل.
{ ما سبب اعتذارك قبل ذلك عن ملف دارفور والوزارة؟
– اعتذرت في شهر ديسمبر من العام الماضي وأُعفيت من الوزارة.. أنا الآن لست وزيراً.. فقط مشرف سياسي على ملف دارفور وسميت بعض الأسماء من أهل دارفور لمتابعة الملف، لكن حدثت ضغوط من إخواننا الموقعين معنا وبعض أعضاء المكتب القيادي، وكنا نعتقد أنه خلال أشهر قليلة يمكن أن يغلق ملف التفاوض.. لكن تعلمين أن هذا الملف يفتح الآن، وفي الثاني والعشرين من هذا الشهر سنذهب إلى أديس أبابا لجولة تشاور حول وقف إطلاق النار لنهيئ به للحوار، وبناء على هذا هناك جهود يبذلها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثامبو أمبيكي” والرئيس “إدريس دبي”.. وكلها جهود ماضية، ولا أرى من المنطق أن أترجل في هذه المرحلة، وحتى إذا كان من المنطق كنت تأنيت حتى لا يفهم أنني أذهب احتجاجاً.. أنا لا أحتج على رأي المؤسسات أصلاً، ربما أخالفه، لكنني أحترمه، ولا أريد أن أعبر عن أي موقف احتجاجي سواء على المستوى التنفيذي أو السياسي.
{ إذن اعتذارك سابق للآراء التي أبديتها مؤخراً حول الإصلاح؟
– المرة الماضية لم تكن المرة الأولى.. قبل التعديل الذي سبقه، أنا كتبت خطاباً للرئيس ودكتور “نافع” واعتذرت، في ذلك الوقت لم يُقبل عذري لكن في المرة الأخيرة قُبل.. أنا كما قلت لك الآن لست تنفيذياً في حكومة السودان.. أنا مشرف على ملف سياسي.
{ اتجاه الحكومة نحو السعودية ألا يضعف دور قطر الداعمة للسودان؟
– أولاً العلاقات مع قطر والسعودية ليست علاقات متناقضة.. قطر والسعودية في مجلس تعاون واحد، وقطر نفسها لها علاقات متصلة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.. أمير قطر زار السعودية مرتين وولي العهد زار قطر مرة بوفد كبير جداً.. ليس هناك خصومة.. هناك تفاوت في الرأي، ولابد للدول العربية أن تحتمل هذا التفاوت بين بعضها البعض تجاه قضايا محدودة وليس كل القضايا.. مثلاً الآن التحدي الكبير في الشرق الأوسط هو قضية (داعش) وموقف قطر والسعودية والإمارات لا يختلف حول هذه القضية، وهناك التطورات التي تحدث في اليمن أيضاً موقف السعودية وقطر لا يتفاوت.. يتفاوت في قضايا أخرى وهذا طبيعي.. ونحن ينبغي أن نبني علاقاتنا على مبادرات حقيقية تهدف إلى تقوية الأواصر بين الدول العربية وإدارة الحوار فيما تختلف حوله.
{ كيف نظرت إلى موضوع تعيين الولاة؟
– أنا حتى الآن لا أعرف ما الذي طُرح، ولا أعتقد تعيين الولاة بصورة مستقلة من رئاسة الجمهورية وحدها فكرة حسنة.. هذا الأمر لم يُطرح للنقاش في قيادة الحزب، والآن هو مطروح في البرلمان وأنا نشرت مقالاً.. قلت: إذا كان الحديث عن شراكة معناها أن يلغى انتخاب الولاة من القواعد ويرشحوا بواسطة المجلس المنتخب في الولاية ويقدموا لرئاسة الجمهورية ليختار منهم.. هذا لا بأس به.
{ أين تكمن إيجابيته؟
– يتيح للمجلس أن يختار أشخاصاً من خارج الولاية.. وفي الواقع هذا ما يحدث الآن.. المجالس لا تختار من ساكني الولاية، وإنما تختار أبناء الولاية غالباً الموجودين في الخرطوم، وهذا يعني أنهم لا ينتمون للولاية بالسكن وإنما ينتمون بالقبيلة، وهذا بالطبع ما لا نريده.. نحن نريد أن يختار الناس من باب الكفاءة والجدارة.. المجالس إذا كانت عاقلة ستختار أشخاصاً من أولي القيادة والكفاءة، وهذا حدث حتى بعد دستور 2005، إذا كان المقصود هو سياسة مستقرة ومستمرة لمواجهة العصبية القبلية، فهذا مرحب به.. لكن إذا كان نوعاً من العودة لتركيز السلطة في يد المركز، فهذا ينبغي أن لا يُقبل وننظر إلى وسائل أكثر فاعلية لمواجهة قضية القبلية ليس من بينها تركيز السلطة في يد المركز.. وأعتقد العكس صحيح.. وينبغي أن يحدث مزيد من تفويض السلطات إلى المستويات الأدنى للحكم المحلي.. الحكم المحلي الآن مهمل، ينبغي أن تجرى قسمة جديدة تعطي غالب الصلاحيات والسلطات للمحليات، وجزء قليل من السلطات والصلاحيات إلى الولاية، ولا يبقى للمستوى الاتحادي إلا القضايا ذات الطابع القومي والصلات مع المجتمع الخارجي.
{ واضح أن القبلية التي ظهرت في انتخابات الولاة قبل المؤتمر العام هي التي دعت المركز لمراجعة قضية الولاة؟
– هذه القشة التي قصمت ظهر البعير.. إذا كان هناك بعير قد قصم ظهره.. لكن الناس يلاحظون أن التعصب القبلي أصبح ليس فقط مهدراً للموارد والجهود، بل أصبح سبباً أيضاً في إراقة الدماء.
{ تصعيد الحكومة الأخير تجاه “الصادق المهدي” يدل على أنها (قنعت) من انضمامه للحوار؟
– أعتقد أن الحكومة ينبغي أن لا (تقنع) من “الصادق” أو غير “الصادق”.. والحكومة إذا كانت لم (تقنع) من الجبهة الثورية ينبغي أن لا (تقنع) مِن مَن هو أخف من الجبهة الثورية.. أعتقد أنه لا زالت هناك فرصة للأجاويد أن يذهبوا بين هذا وذاك.. ويتوجب على الحكومة أن تبدي صبراً وتسامحاً أكثر.
{ هل هناك جهود تبذل لعودة “الصادق”؟
– أعتقد أن الجهود لم تكف أبداً رغم ارتفاع نبرة التحذيرات من هذا الطرف والطرف الآخر، لكن الجهود لتقريب الشقة لم تتوقف، وليس من المنطق أن نحرص على اتساع الشقة مع “الصادق المهدي” لأنه اقترب من الجبهة الثورية بينما نفتح الباب والبوابة للجبهة الثورية.. هذا سيكون غير منطقي.. رغم أنني لا أعفي “الصادق” من أخطاء كثيرة وتصرفات لم تصادف التوفيق.