الإخراج الفيزيائي.. سلاح الدكتور "محمد مختار"
بقلم – عادل عبده
الدكتور “محمد مختار” القيادي بالمؤتمر الوطني شخصية سياسية تمثل حالة نموذجية للدراسة والتدقيق، فهو ينطلق من لونية مختلفة في أسلوبه ومزاجه وتصرفاته دون سائر رجالات الحزب الحاكم فهو لا يميل إلى الأضواء وحب الظهور وينسج الخيوط المتماسكة من وراء الحُجب ويجرب المقص أكثر من مرة قبل القطع فضلاً عن ذلك يكسو الغموض والصمت جميع خطواته وتحركاته من خلال جاذبية تضرب أنوارها في باطن الأرض!!
كان الدكتور “محمد مختار حسن حسين” المخرج الألمعي لحزبه في مؤتمره الرابع، فقد كان أمام الرجل تحديات جسيمة واختبارات قاسية في مرحلة حرجة فقد كانت الأنظار تتجه إلى تنظيم يمتلك المال والسلطة لكنه يعاني من التصادمات الداخلية وفراق الأخوان وحصار الحداثة والإصلاح وفاتورة الحكم الباهظة، فقد لاحت إشكالية المؤتمر الوطني في تركيب صفوفه وتقوية هياكله وجذب الثقة لأعداد مقدرة من عضويته علاوة على إمكانية تقديم نفسه كحزب مسئول على قاطرة الصولجان أمام الشارع العام والقوى السياسية المختلفة في الساحة.
ها هو الدكتور “محمد مختار” استناداً على مجموعة صغيرة من المساعدين يكسب الوصفة التي تحتوي على المقادير والإرشادات الدقيقة التي تضبط المسرح على قدر هائل من التركيبة الصحيحة والطعم المهضوم وقد كان كل شيء في إطار المطلوب دون خلل اعوجاج وقد ظهرت الصورة في سياق المونتاج اللازم دون أن تتأثر بالإرهاصات السالبة والعاصفة العاتية التي كان يتحدث عنها البعض قبيل انعقاد المؤتمر الرابع، وقد كان على رأس المخرجات ترشيح البشير لانتخابات الرئاسة وتعيين الولاة عن طريق التعيين درءاً لعواقب الجهوية والقبلية فضلاً عن إعادة هيكلة الحزب وإجراءات التحديث والإصلاح على صعيد الاقتصاد والماعون الاجتماعي ومحاربة الفساد والانفتاح في العلاقات الخارجية.
في جلسة الحصاد ظهر الدكتور “محمد مختار” على يسار الرئيس “البشير” بعد أن كان في الخفاء خلال فترة إعداد المؤتمر الرابع، فالمخرج دائماً يكون من وراء الكواليس إذا كان في المجال السياسي أو المجال السينمائي حيث يقوم بتطويع السيناريو والتحكم في كل الأمور، فالشاهد أن الدكتور “محمد مختار” كان يتحرك كثيراً ويتوقف في الأشياء الصغيرة وهو يحاول معالجة خلل المنظومة الحاكمة يتوكأ على الغموض والصمت اللذين يخفيان قدرة هائلة على تركيب المسائل بدقة متناهية.
الآن برزت تسمية قيادات هيكلة التنظيم الجديد للحزب الحاكم بعد مشاورات كثيرة ومداولات معقدة، فقد كان المؤتمر الوطني بحاجة إلى رافعة لتساعده في النهوض والحركة إلى الأمام.. هكذا تضع السلطة والصولجان الأشواك على طريق الممارسة السياسية الطويلة.
من خلال هذه المعطيات يتضح أن الإخراج الفيزيائي هو سلاح الدكتور “محمد مختار” ارتكازاً على الشحنات الخفية والالكترونيات الموجعة والقياسات الذكية، وهكذا تعامل مع تحديات المؤتمر الرابع لحزبه وهو يمتشق العصا التي تزيح الركام وتنظم الجدول.
لقد خرج المؤتمر الوطني من ويلات العاصفة بشق الأنفس بعد معاناة قاسية وحراك مشدود وهو يحاول الآن استبدال كبسولة الشعارات بمركب الواقعية.
مهما يكن فقد مرت احتفائية المؤتمر الرابع للحزب الحاكم في إطار مذاق ينضح بالعبر والدروس على الإيقاعات الخاطفة.