"أمين حسن عمر" في حواره مع (المجهر) (1-2)
*لن أترك حزبي أو أخرج عليه وإذا استيأست من الإصلاح سأنسحب بهدوء
*لا يحقق الإصلاح نتائج من دون تقديم تضحيات حقيقية
*صوت بنعم في المؤتمر العام …… لهذه الأسباب
*لا يوجد في الدنيا شيء مثالي حتى الإجماع حوله نقاش
مقدمة:
عقب التصريحات التي أطلقها دكتور “أمين حسن عمر” حول ضرورة أن يشمل الإصلاح القيادة واحتجاجه على ما أسماه ضغوط مورست على العضوية للتصويت للرئيس، توقع الناس أن يغادر “أمين” حزبه غاضباً إلا أن “أمين” مازال يرى أن الإصلاح ممكن داخل المؤتمر الوطني. وقال في حوار أجرته معه (المجهر): الإصلاح تبلور في الوثيقة التي دعت لترسيخ الشورى والديمقراطية داخل الحزب، ولكن إذا كنا سنعمل الشورى والديمقراطية في القضايا التفصيلية وليس الرئيسية سنخدع أنفسنا، لا بد أن نناقش كل القضايا بحرية ونصدع بآرائنا ونحتمل بعضنا البعض ونحترم رأي الأغلبية، من دون هذا لن يكون هناك ديمقراطية وإصلاح حزبي وسياسي.
وأشار إلى أن الرئيس التقط دعوة الإصلاح باكراً حينما شكل لجنة لإصلاح الحزب برئاسة “أحمد إبراهيم الطاهر” واجتمعت وقدمت تقريراً للمكتب القيادي العام الماضي، وبموجب ذلك أنشئت ست لجان تناولت الموضوعات المختلفة التي أثارها هذا التقرير.
بعد ذلك قسم الأمر إلى مجموعة لإصلاح السياسات في الحزب، ومجموعة لإصلاح السياسات في الدولة وشارك في هذه النقاشات وإعداد الأوراق أكثر من (400) قيادي وقيادي وسيط في الحزب، ثم انتهوا إلى وثيقة الإصلاح التي تحدثت عن اتجاهات لتعزيز الشورى والديمقراطية داخل الحزب وفي الساحة السياسية العامة. ونتج عن ذلك مبادرة الحوار التي طرحها رئيس الجمهورية في يناير الماضي، وقليل جداً من الناس يدركون أن خطاب رئيس الجمهورية في يناير الماضي لم يُكتب في شكل خطاب وإنما كُتب في شكل مقدمة لوثيقة الإصلاح، لكن صحيح أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب وقائده وقائد الأمة بصفته رئيس الجمهورية، وتفعيل الإصلاح لا يكون إلا إذا تبنته القيادة سواء كان على الصعيد الحزبي أو الرسمي.
وفي الحوار تفاصيل أوفى عن قضية الإصلاح وموقف “أمين” الأخير فإلى مضابطه.
حوار – فاطمة مبارك
{ حديثك في حوارك مع (الصيحة) أثار جدلاً في الساحة السياسية، وجعل الناس يتحدثون عن قرب انشقاقك من حزب المؤتمر الوطني؟
– ما يثير الاستغراب أن الناس تتحدث عن الديمقراطية وعندما تأتي الأصوات المتنوعة من داخل حزب معين يعتبروا هذا انشقاقاً، فهذه نظرة عجيبة لقضية الديمقراطية إذا كانت الأحزاب لا تستطيع أن تعيش الديمقراطية داخلها، ففاقد الشيء لا يعطيه.
{ موضوع التجديد للرئيس دل على أن الرأي الغالب في المؤتمر الوطني كان ضد الإصلاح؟
– عندما طرحت قضية التجديد للرئيس برزت آراء متعددة وهذا طبيعي إلا أن يكون حزباً سوفيتاً، فاتجاه كان يرى أن نقدم قيادة بديلة وليس بالضرورة جديدة لأن الكلام عن قيادة جديدة أمر متوهم والقيادة لا تبرز على المستوى الوطني فجأة، لا بد أن تكون موجودة في الساحة ومعلومة للناس، ومن حق الناس أن يصوتوا مع أو ضد الأشخاص الذين يعرفونهم، وتقديم قيادة بديلة فيه إشعار للناس بأن هذا الحزب قادر على تقديم قيادات على كل المستويات وتوليد القيادات في كل المستويات، وهذه رسالة مهمة جداً تبعث الثقة عند الجمهور وتجعله يدرك أن هذا الحزب إذا سقطت الراية لأي سبب من أسباب الحياة الطبيعية مثل أن يتوفى شخص أو يمرض، قادر على تقديم بدائل فاعلة وقادرة على مواجهة التحديات.
{ هناك من قاموا بدعم التيار الرافض للقيادة البديلة في المؤتمر الوطني؟
– طبيعي أن يكون هناك اتجاه حذر يقول في هذه المرحلة نواجه تحديات كبيرة فلنؤجل هذه المجازفة إلى مرحلة أخرى، هذا يمكن أن يكون تقديراً سليماً ويمكن أن يكون مجرد تسويف، بمعنى أن الجرأة على اجتراح المبادرات الشجاعة أحياناً تخذل الناس ويلجأون إلى التسويق بحجج في ظاهرها موضوعية، لكن في النهاية لا بد أن يدرك الناس أنه لن تتحقق نتائج قوية للإصلاح من دون تقديم تضحيات ملموسة وقوية، فأنت لا تستطيع أن تكسب كسباً كبيراً للغاية إذا لم تقدم جهداً كبيراً، وهذا تراه في الرياضة.. الفريق الرياضي الذي لا يجهد في التدريب ويستشعر الألم والضغط لن يحقق نتائج، الخواجات يعبرون عن ذلك بقولهم (No Game without pain) وديننا يأمرنا بالجهاد والمجاهدة والاجتهاد وهذا يعني كما يقول الفقهاء استفراغ الجهد لتحقيق المراد، إذا كان المراد كبيراً فإن الجهد يكون كبيراً و”المتنبئ” عبر عن هذا بقوله:
إذا كانت النفوس عظاماً * تعبت في مرادها الأجسام
لكن في النهاية الناس يسلمون بما يذهب إليه رأي الأغلبية، إلا نكون لا نؤمن بما نتشدق به من الديمقراطية والنزول على رأي الأغلبية.
{ حتى إذا كنت تشكك في نزاهة هذا الرأي؟
– الديمقراطية فيها أكثر من عنصر، أهم عناصرها النزول على رأي الأغلبية وإذا في الديمقراطية يقال رأي الأغلبية في الفقه يقال رأي الجمهور، وإذا كان جمهور الفقهاء ذهب إلى اتجاه فغالباً ما يتشكك الشخص الذي يخالف الجمهور في هذا الاتجاه، لكن إذا حدث إجماع وهذا نادر جداً فينبغي أن يسلم الناس تماماً للإجماع، لأنه ينقل الأمر من الاحتمال إلى درجة تقارب اليقين.
{لكن الإجماع أحياناً يتم بصورة تعزز من التشكك مثلما حصل في مؤتمركم العام، حيث كان هناك من يشك في نزاهة العملية ؟
– لا يوجد في الدنيا شيء مثالي حتى الإجماع قضية أثير حولها نقاش طويل ولا زال مستمراً، يقال شرط الإجماع أن يتحدث كل الحاضرين أم يكفي أن يتحدث بعضهم ويسكت بعضهم، ويفسر السكوت بالموافقة وهذا ما يسمى بالإجماع السكوتي، وإذا خالف واحد هل هذا يقدح في الإجماع.
بعض الناس يقولون لا يقدح وبعضهم يقولون يقدح لأن الإجماع هو أن لا تجد مخالفاً، فحتى قضية الإجماع فيها جدل من وقت كبير.
كل هذا الأمر أعتقد ينبغي أن نتركه وراءنا طالما انعقدت الشورى واجتمع المؤتمر واتخذ قرارات.
*تقصد أن يتنازل صاحب الرأي المخالف عن رؤيته؟
هذا لا يعني أن أي صاحب رأي أو رؤية سيتنازل عنها، أو أي صاحب رأي مخالف سيظل يعبر عنه، بالطبع لن يعبر عنه في مسألة قضي فيها.
{ في أي سياق فهمت اعتراض بعض القيادات عندما أردتم ممارسة عملية الإصلاح؟
هذا طبيعي، الناس عندما يتخيلون الأمور بأخيلتهم يتخيلوها بطريقة مثالية في الواقع لا تكون مثالية أبداَ بطبيعتها يعتريها النقص، بعض الناس يساير لأن من طبيعتها المسايرة وبعض الناس سيكون لديه مخافة أنه إذا اتخذ اتجاهاً ربما ينظر إليه نظرة سلبية، وبعض الناس قد تكون هذه بالنسبة له قناعة يعمل من أجلها بقوة ويعتقد أن كل الرأي الذي خالفها قد يكون مؤذياً أو مضراً في هذه المرحلة. فهذا طبيعي يمكن أن يحدث ولكنه يضع مسؤولية على القيادات العليا أن تحترز ولا توظف الثقل القيادي بطريقة فيها حشد لتؤثر على الرأي، رغم أنه من الناحية اللائحية والقانونية شرعي لكن من الناحية السياسية يطول فيه النظر، فأنت إذا كنت حريصاً على سماع شورى الناس ستكون آخر من يتحدث.. لا تكون أول من يتحدث حتى يعبر الناس تماماً عن آرائهم وعندما تتحدث يكون وزن رأيك مثل وزن آراء الناس، إما أن تقود الرأي وتحشده قبل وبعد وأثناء هذا بالطبع لا أحد يقول غير شرعي، لكن فيه نوع من الضغط المعنوي.
{ واضح أن كل المحاولات للتجديد والإصلاح فشلت بعد أن أعيدت معظم قيادات الحرس القديم في حزبكم؟
– لا أعتقد أنها فشلت الدليل على أنه على مستوى القواعد.
{ (مقاطعة) لكن على مستوى القيادة أعيد المكتب القديم؟
– هناك فهم خاطئ الحزب أهم مستوياته هي المستويات القاعدية ينجح إذا نجحت ويفشل إذا فشلت في أي شيء حتى في الانتخابات، فالتركيز الأكبر ينبغي أن يكون على مستوى القيادات القاعدية والوسيطة، وهذا لحسن الحظ حصل فيه تغيير كبير يتفاوت بين (55%) إلى (70%)، في الماضي كانت تحصل ضغوط شديدة جداً ليوافقوا بطريقة مصنوعة على بعض القيادات، في هذه المرة لم تحدث لأن القيادة العليا نفسها لم تأذن بهذا ووضعت لوائح مشددة.. ثانياً أن القاعدة أصبحت ليس مسايرة كالماضي فهناك أشخاص غاضبون لا يريدون تكرار الوجوه القديمة.
{ لكن حصلت ضغوط في انتخابات الولايات؟
– صحيح عندما ذهبنا إلى مستوى الولايات حدثت مفارقات أكبر وحصلت ضغوطات وهذا أمر الحزب الآن يحقق فيه، والرئيس وجه إشارات وردت في أحد خطاباته مؤخراً تضمنت عدم السماح بمراكز قوى، وأي مخالفات ستنعقد لجان للنظر فيها.
{ ماذا عن المكتب القيادي؟
– بالنسبة للمكتب القيادي، القيادة القومية لا تستبدل بين يوم وليلة، سينظر الناس إلى الأسماء المقترحة بين أيديهم ومن بينها يقدمون الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يختارون القيادات المعروفة لديهم والأصل أن يحدث توازن بين الاحتفاظ بقيادة تاريخية تحفظ للحزب تماسكه وبين إفساح المجال لقيادات صاعدة تسمح للحزب باستمرارية نمو القيادة، وهذا الأمر أنا لا ألوم فيه أعضاء المكتب القيادي وإنما ألوم الشورى لأنها كانت حذرة ومحافظة أكثر من اللازم وقررت الاحتفاظ بقدر أكبر.
-وأنا لست ضد وجود قيادات مؤثرة في قيادة الحزب مثل أن يكون لديك رأس مال ثم تقوم بتجميده إذا قلنا يجلسوا في بيوتهم ستكون ضيعنا رأس مالنا.
{ إذا كان هذا المنطق سليماً لماذا أبعدت عن الدولة؟
– وضع الحزب مختلف عن الدولة.. الدولة تحتاج إلى كفاءات تنفيذية وينبغي أن تجدد باستمرار، لكن الحزب يحتاج إلى قيادة طبيعية يقبلها الناس وتستطيع أن تحشد وتعبئ باتجاه رأي الحزب.
{ لكن وجودهم كان على حساب القيادات الصاعدة؟
– في تقديري ما جرى في مجلس الشورى لم يفسح بالقدر الكافي للقيادات الصاعدة، أذكر في مجلس الشورى السابق قبل (5) سنوات الرئيس منع الناس من الانسحاب في هذه المرة سمح بالانسحاب، لذلك كان الأمر فيه فسحة للناس ليختاروا، حيث تبقى (86) من (106) للناس ليختاروا منهم (30) شخصاً، ما يعني وجود فسحة كافية لمجلس الشورى ليصعد قيادات صاعدة بقدر مناسب يوازي القيادات التاريخية.
إذا بعض الناس لم يشعروا بتغيير كبير فهذا سببه روح حذرة موجودة في مجلس الشورى والحزب عامة، لكن أتوقع عندما يأتي الاستكمال سيجتهد المنتخبون على تصعيد قيادة أكبر وهذا ما سمعته من تصريح بروفسور “غندور”، أنهم سيجتهدون في استقطاب قيادة جديدة وأسماء جديدة للمكتب القيادي وإذا حدث سيكون مطمئناً.
{ قيل هناك مجهودات لإلحاقك بالمكتب القيادي عبر عملية الاستكمال؟
– هذا مجرد تكهنات أنا في المرة الماضية كنت عضواً منتخباً وكنت أريد أن أتنازل من عضوية المكتب القيادي، ولكن قيل العضو المنتخب إذا انسحب سيؤخذ من الاحتياطي وليس من الاستكمال، وأنا دعوت مراراً لإفساح المجال للقيادات الصاعدة لذلك تحريت أن لا أذهب لاجتماع مجلس الشورى حتى لا أذكر ولا أرشح، لكن علمت أن الأخ “عبد الرحمن الخضر” رشحني وآخر كريم ثنى وكان هناك تصويت.
*غيابك من الشورى فهم منه أنك محتج على ما تم؟
-أنا لا أحتج على موقف تتخذه الأجهزة، لكن غبت قصداً حتى لا يقع ترشيحي وانتخابي لأني أريد أن أكون صادقاً مع نفسي ودعوتي لإفساح المجال، وهذا لا يتعارض مع وجود قيادات تاريخية في المكتب القيادي.
{ ما حدث في مؤتمركم العام لم يكن بالأمر الجديد لماذا عبرت هذه المرة بصوت عالٍ؟
– لا أعتقد أن صوتي كان عالياً هذه المرة أرجعي إلى مدونتي أنا كنت دائماً أتحدث عن هذه الموضوعات، لكن أعتقد أن القضية مهمة وحساسة لذلك اهتم الناس بالأصوات المتعددة إذا كانت هناك أصوات متعددة، ولا أزعم أنني وحدي الذي عبرت عن ذلك.. هنالك أصوات أخرى على الأقل كان هناك (188) صوتاً قالوا (لا) ذهبوا إلى هذا الحد وأنا شخصياً في المؤتمر العام كان من غير الممكن أن أصوت بلا.
{ لماذا؟
– لأنه إذا خرج الرئيس من داخل المؤتمر بتأييد ضعيف هذا سيؤثر على حظوظ الحزب في الساحة العامة، أنا اعترضت على الترشيح في مستوى المجلس ومجلس الشورى حتى يتغير ولما لم يتغير أصبح إذا صوت ضد في المؤتمر العام ستضعف فقط الحزب أمام الرأي العام.
وحاولت إقناع بعض الإخوان بأنه ليس من المصلحة في هذا المستوى أن يصوتوا بلا لأنه إذا لم يحصل الرئيس على النسبة المطلوبة من عضوية المؤتمر كله وهي (75%) من الحضور ستجري انتخابات، وإذا جرت على مستوى المؤتمر العام سينقسم المؤتمر وأي إنسان يعرف السياسة يدرك أن انقسام المؤتمر في هذا المستوى ستكون له آثار خطيرة في الساحة السياسية، لذلك العقل السياسي هو الذي يتحسب لهذه الأمور إلا إذا كنت استيأست تماماً من الحزب كنت خرجت منه هناك خيارات كثيرة في الساحة السياسية إذا أردت أن أعمل في الساحة السياسية، أما إذا استيأست من الإصلاح فلن يسمع أحد هذا مني لأني لن أذهب إلى حزب آخر ولن أعارض هذه الحكومة ولن أنشئ مواقف جديدة.. سأذهب إلى سبيل حالي بهدوء ولن يفتقدني أحد حينئذٍ.، بعض إخواننا الذين نحترمهم ونحترم مبادراتهم الفكرية ونعتبرهم من الشخوص الذين يحتذى بهم في مجال الفكر والسياسة خرجوا ولم نخرج معهم، لأننا لا نزال نؤمن أن الفرصة الأكبر لإصلاح الحياة السياسية في المؤتمر وليس في أي حزب آخر.
{هناك من يتحدث عن أنك في طريقك لحركة (الإصلاح الآن) بعد أن غضبت من تجاهل عملية الإصلاح؟
– ليس صحيحاً أن المؤتمر الوطني الآن خلا من الإصلاحيين، هناك اتجاهان وأعتقد أن اتجاه إخواننا ناس “غازي” غير صبورين يريدون نتائج سريعة.
{ قلت إذا استيأست من الإصلاح الخيارات كثيرة هل تريد الانسحاب من الساحة السياسية؟
– ليس انسحاباً أنا سأكون موجوداً في الساحة السياسية وفي حزبي لن أخرج منه ولن أخرج عليه، بعض الناس حاولوا أن يصوروا وكأني متمرد على حزبي وخارج عليه، أنا لا أزال أؤمن بأن هذا الحزب إذا مضى في سبيل الإصلاح هو الوسيلة الأهم في إصلاح الحياة السياسية في السودان. صحيح نحن على مستوى الشعار والعمل والحكم والعدد نقول نحن الحزب القائد لكن القيادة ليس بالحكم والعدد فقط.