الأوهام والحقائق
مجرد اتصال من وزير الخارجية الأمريكي مع “علي كرتي” وزير خارجية السودان، وأحاديث عن إمكانية سماح الولايات المتحدة الأمريكية للسودان بشراء إسبيرات لطائرات الخطوط الجوية أخذت بعض دوائر الحكومة الحديث بفرح طاغٍ عن عودة وشيكة للعلاقات السودانية الأمريكية وكأن حقبة المقاطعة قد تلاشت وانصرمت وربط البعض ذلك بالتحسن الذي شهدته علاقات السودان بمصر والسعودية.. كأن الولايات المتحدة تابعة لهذه الدول الإقليمية التي كانت تعرف بالدول المفتاحية في المنطقة.
{ إن أسباب تدهور العلاقات السودانية الأمريكية يعلمها القاصي والداني وتكرارها من باب ترديد المعلوم بالضرورة .. والخارجية وصناع القرار الذين نصبوا سرادق الأفراح لمجرد اتصال هاتفي بين وزيرين يفرح البعض ويرقص على أنغام تحسن العلاقات الأمريكية ولكن طالب العلوم السياسية في جامعة بزالنجي يدرك أن للولايات المتحدة شروط وجوب إن لم يحدث فيها تقدم لن تنصلح العلاقة بين الدولتين أولها وقف الحرب الدائرة في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وتشعر الولايات المتحدة بالفشل الذريع لسياستها السابقة التي أدت لانفصال الجنوب عن الشمال وقد حصدت واشنطون ثمار زرعها دولة فاشلة تضاف لأفغانستان والعراق. وإذا كانت الولايات المتحدة تخطط في السابق لجعل المنطقتين جزءاً من الجنوب فإن هناك من الأمريكان من يعتقد بأن حل الأزمة في دولة جنوب السودان بالبحث عن صيغة لربط الجنوب بالشمال اقتصادياً وتجارياً كمرحلة أولى.
والقضية الثانية التي تمثل جوهر الخلاف العميق بين الخرطوم وواشنطون هي ملف حقوق الإنسان الذي ظل يراوح مكانه منذ التسعينيات كلما تحسنت أوضاع حقوق الإنسان لفترة قصيرة إلا وتراجعت للوراء بسرعة متناهية.. وفي التقرير الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس حقوق الإنسان الأخير ثمة تطابق في المضامين والمواقف وحتى الألفاظ التي استخدمت في إدانة الوضع في السودان.. وثمة خيط متين جداً يربط بين أوضاع حقوق الإنسان وقضية الحرب والتي في ظلها (تعلق) الحقوق وتنتهك.. وتتراجع حريات التعبير والتنظيم.. والحرب هي العدو الأول للديمقراطية وللاقتصاد المعافى ولحقوق الإنسان والإصرار من قبل بعض النخب في الخرطوم على أن قضية جبال النوبة والنيل الأزرق يمكن حلها بفوهة البندقية والصراع إما قاتلاً أو مقتولاً.. وتحسين أوضاع حقوق الإنسان لا ينبغي أن يكون قضية مساومة مع الآخرين من القوى الدولية بقدر ما هي قضية حقوق لشعب حرم من الحياة الهانئة وحرم من الاستقرار وحرم من كل نعم الله على عباده ولا ينبغي أن تحرمه من كرامة الإنسان.
والقضية الثالثة هي علاقة السودان بالقوى الإسلامية خاصة حركة حماس في فلسطين.. ولكن في الفترة الأخيرة انكفأ السودان على نفسه ونأى بنفسه عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .. أما إغلاق الملحقيات الثقافية الإيرانية في السودان فالولايات المتحدة لا تنظر للخطوة بوصفها صراعاً عقائدياً داخلياً.. وأن السودان لا يزال على علاقة رسمية بإيران وتلك من الأسباب الثانوية لتدهور العلاقات السودانية الأمريكية وقد جددت واشنطن عقوباتها الاقتصادية على الخرطوم قبل فترة قصيرة من الآن فكيف لها أن تمضي في طريق تحسين العلاقات وتأزيمها في وقت واحد.. إن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في هذا الوقت يمثل محض أوهام لا أكثر من ذلك.