أخبار

الاستفاقة

بقدر ما أحسست أن تقارباً ما يتمدد بين “الخرطوم” و”جوبا” من واقع تردد الرئيس “سلفاكير” على السودان في زيارات ليست بعيدة الفواصل، بقدر ما تعجبت واحترت وأنباء منسوبة لوزير الدفاع الوطني الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” تحمل تأكيدات بأن السودان الجنوبي يتلكأ في المضي نحو تحديد الخط الصفري. ويبدو أن الوزير تحاشى بلطف القول إنه لا يزال هناك تورط جنوبي في أعمال الأنشطة العسكرية المناوئة للخرطوم وغيرها وأن كل متمرد على السودان إنما يتلقى ما تيسر من الدعم والإسناد من جيوب داخل حكومة السيد “سلفاكير” بعلم الرجل أو بدونه، ولكن المحصلة الأخيرة أن هناك دعماً ما يتسرب من مواقع من داخل حدود السودان وتحديداً (راجا) التي يعلم المدنيون والأهالي أنها صارت متكأ وملاذاً وحواضن آمنة لحركات دارفور يدبرون فيها ومنها أمراً.
إشكالية هذه التدابير أنها تعمق جذور التيار المتشدد والرافض لأي تقارب مع الجنوب بتفاهمات أو بدونها وباتفاق تعاون أو بغيره، إذ سيكون القول السهل في مثل هذه الظروف وحينما تلتئم الأمثلة، أن ظاهر التواصل والتعاون يخفي بداخله عداءً ومخططاً لا يزال جارياً لإسقاط النظام شمالاً. وإزاء هذا الموقف فيجب ألا يستغرب أحد أن تمدد تيار المتشددين واصطف صفهم في مواجهة المصفوفات لجهة أن الناس لا يمكن إقناعهم بأن الجنوب بلد صديق وجار وشقيق وله تعهدات والتزامات بها يوفي.
إن ما جرى من عراك واقتتال بين الجارين في السنوات الماضية  يجب أن يكون كافياً لإدراك أن الحرب وتسعير النيران لا كاسب منها، وأن السلام الجاد والحقيقي يجب أن يكون هدفاً لكل الأطراف، وأن توظيف الوكلاء وحملة السلاح من هذا البلد ضد الآخر لم يحقق شيئاً إلا بتعكير أجواء الحياة العامة وجر الشعبين إلى مأزق الأزمات الاقتصادية واختلال الأوضاع بالجملة، لكنه آخر الأمر لم يسقط حكومة أو يقيم أخرى مما يستوجب إيقاف هذا العبث وأن تتحلى كل الجهات بالمسؤولية اللازمة لإكمال مسيرة التعاون بلا أحقاد قديمة أو ثأرات حاضرة.
والمهم ورغم ما أثبت من استمرار دعم الجنوب لمتمردي قطاع الشمال وحركات دارفور المهم أن تلتزم الحكومة السودانية بمسار السلام كخط إستراتيجي لا يتراجع أو يتأثر بأي ضغوط أو ردود أفعال انفعالية، ولهذا من المهم التأمين على أن الالتزام باتفاقات التعاون المشترك والمصفوفة سيظل سارياً وساعياً بالخير لصالح السودان وجنوبه والذي لا شك أن فيه العقلاء والحريصون على السلام، مثلما أن هناك تجار الحرب وحلفاء الأيديولوجيا ممن لا يزالون يراهنون على مشروع قائم حتى بعد انقسام السودان إلى قسمين وحتى بعد أن حدد الجنوبيون سودانهم الجديد جنوباً.
الجنوب بحاجة لتوجه جاد ومسؤول نحو التعامل مع السودان، ليس كافياً أن يقول قادته قولاً حسناً في اللقاءات الثنائية، المطلوب إقدام بلا تحفظ على (تصفير) كل عدادات التوجسات ومما نرى أن الخرطوم أكثر إقبالاً على جوبا التي آمل أن تكون، حالها الراهنة ومشاكلها الكبيرة قد أحدثت لها قدراً من الاستفاقة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية