المفكر ومستشار (مؤسسة روز اليوسف) المصرية المصري "د. محمد البغدادي" لـ(المجهر) (2-2):
لازلت مطارداً من الموساد وبعض الدول أهدرت دمي بسبب مسلسل (فارس بلا جواد)
البند الـ(24) من بروتوكولات حكماء صهيون ينفذ الآن ضد العرب
السلطة في العالم العربي أقصت المثقف من القيام بدوره في التنوير والاستنارة
حوار – محمد إبراهيم الحاج
{ “د. البغدادي” قمت بكتابة سيناريو وحوار مسلسل (فارس بلا جواد) الذي أحدث ضجة كبيرة جداً في الأوساط العربية والعالمية؟
– نعم كان هذا المسلسل قبل عدة سنوات بطولة “محمد صبحي” و”جميل راتب” و”سيمون”، وتكلم عن بروتوكولات حكمت بني صهيون، وبسببه أنا مطارد من الموساد الإسرائيلي حتى الآن وممنوع من دخول “الولايات المتحدة” وأحل دمي في بعض الدول الأوروبية، وعندما سافرت إلى “جنيف” في مؤتمر طالب اللوبي الصهيوني بطردي من البلاد، واعتذرت لي وزيرة الثقافة في المؤتمر بأن هذه حرية وأن طردك من البلاد لا يمثل الحكومة، ولكن هذه آراء بعض الصحف المتطرفة.
{ أيضاً تدخلت “أمريكا” في هذه القضية؟
– طبعاً تم استدعائي من السفير الأمريكي وطالبني بإحضار نسخة من المسلسل لقراءته، وأن هناك (46) سيناتور في الكونغرس الأمريكي طالبوا بوقف المعونات عن مصر بسبب إذاعة هذا المسلسل، و”ريتشارد باوتشر” المتحدث باسم (البيت الأبيض) ندد بهذا المسلسل، وقال إن هذا المسلسل يعيدنا إلى عصر الكراهية والبغضاء.
وجاءت أكثر من (14) محطة تلفزيونية أمريكية في منزلي ومعها أرقامي الخاصة وأدارت معي حوارات مستنكرة تحدثي عن بروتوكولات حكمت بني صهيون وأن تقول إنها صادرة عن اليهود أو إن المحرقة النازية لا وجود لها هذه خطوط حمراء.
{ كيف تعاملت مع هذه الحملة العنيفة ضدك؟
– أُقيمت الكثير من المنتديات واللقاءات للتأييد والتدخل في الدراما المصرية، واستدعاني السفير واتصلت بجهات أمنية رفيعة المستوى ونصحوني بعدم الذهاب إليه، وقالوا لي أخبره أن هذا المسلسل تمت مراقبته من المصنفات المصرية ولا نسمح بالتدخل في شؤوننا، وإن كانت له أية تعليقات فعليه الاتصال عبر القنوات الرسمية عبر (وزارة الخارجية) وليس بأفراد من الشعب المصري، وتمت إذاعة المسلسل واقتطع منه (45) مشهداً تتعلق بالبروتوكولات التي حكمت بني صهيون، وفي الكنيست الإسرائيلي أقيمت عدد من جلسات التنديد ومن يقرأ البروتوكولات ومن يراها كما جاء في المسلسل يكتشف أن ما يحدث الآن في المشهد السياسي في كافة الدول العربية هو تماماً ما تقوم به الصهيونية العالمية من خلال تنفيذ البروتوكولات، وأنا أدعي الآن أنه يتم تنفيذ البروتوكول (23).
{ وعن ماذا يتحدث هذا البروتوكول؟
– هو الطور الرابع من الحروب وهو أقتل نفسك بنفسك وألقي الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
{ أشرح لنا ما تقصده بـ(أقتل نفسك بنفسك)؟
– أقصد أن ما يحدث في “سوريا” الآن هناك جيش النصرة وجيش داعش وجيش المستقلة وجيش بشار الأسد، وكلهم عرب وكلهم مسلمون وكلهم يقتلون بعضهم البعض.
{ إذن أنت لا تستبعد نظرية المؤامرة في كل ما يحدث الآن في الدول العربية؟
– أنا أعتقد ذلك هذا هو المخطط و”مهاتير محمد” قال تصريحاً قبل أن يقال من منصبه كرئيس لوزراء “ماليزيا” إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة.. وهو ما يحدث في “سوريا” و”العراق” وتقسيم الدول و”اليمن” فيها تنظيم القاعدة والحوثيين وغيرهم.
{ ولكنكم كمفكرين وقادة رأي عربي لم تستطيعوا وضع مصدات ضد هذه الحملات الصهيونية؟
– أولاً يجب أن نسأل كيف تنفذ هذه الحملة؟ يقوم بتنفيذها باستقطاب مجموعة من الناس الذين ليسوا على درجة كبيرة من الثقافة والوعي، ويتم تمويلهم بطرق خفية ويكون (كبيرهم ممول.. وصغيرهم مضلل) وهذه هي الجماعات التي تنشئها أجهزة التخابر في الدول العربية، لأن كبيرهم لا يعلم ماذا يعمل وهو مول بمبالغ ضخمة بالمليارات وصغيرهم مضلل لأنه يتم اللعب بعواطف الشعوب والمسوح الدينية والإسلام السياسي من خلال السلفية الجهادية، ومن خلال (داعش) ومن خلالها ترى الناس تقتل وتذبح، وهذا استقطاب ولهذا تم إقصاء المثقف العربي من المشهد السياسي والثقافي منذ عشرات السنين الماضية عندما بدأت حركات التحرر.
{ إذن لم يكن للمثقف العربي أي دور خلال السنوات الماضية؟
– نعم المثقف العربي لم يكن له دور لأن السلطة أبعدت المثقف العربي بعيداً.. فاستفرد الظلاميون بعقول البسطاء ولم يمارس المثقف أي دور توعوي لصالح الجماهير، وأنا لي مقولة أطلقتها في مصر وهو أن فرقة مسرحية تغنيك عن كتيبة أمن مركزي.
{ ولكن كان من الممكن أن يكون للمثقف دور كبير جداً من مكانه دون انتظار لاستعانة السلطة به.. مثلما قمت به في التنبيه بخطورة اليهود في مسلسل (فارس بلا جواد)؟
– هذا المثقف الذي وضع النصوص قامت السلطة بحذف (45) من المسلسل، فتم تفريغ المسلسل من مضمونه والمحور الأساسي فيه، وبعد أن أثار المسلسل كل هذه الضجة وشاهده المشاهد بدون إيراد المشاهد التي تخص البروتوكولات استخف بنا وقالوا علام كل هذه الضجة والمسلسل ليس به ما يثير غضب “إسرائيل” أو الصهيونية العالمية، وهذا ملمح من ملامح الإقصاء والديكتاتورية أن تحذف من عمل فني تحت ضغوط إسرائيلية أمريكية خطوطه الأساسية التي يمكن أن تحدث الوعي.
{ الكتابات الدرامية التي تأخذ المنحى السياسي تكون أكثر قبولاً للجماهير عن غيرها من الأعمال مثل مسرحيات (الزعيم) لـ”عادل إمام” و(كأسك يا وطن) لـ”محمد الماغوط”، ولدينا في السودان أشهر المسرحيات هي بطابع سياسي (المهرج) و(النظام يريد).. ولهذا فإن الشعوب دائماً تحب مشاهدة ما يناقش مشاكلها؟
– أنا تعاملت مع “محمد صبحي” في مسرحيات (كارمن) و(لعبة الست)، وحالياً أعكف على عمل ست مسرحيات في ذات الطابع لـ”صبحي” أيضاً.
{ لديك ثنائية ملحوظة مع الفنان “محمد صبحي”؟
– نعم.. نحن نلتقي فكرياً وأحببنا بعضنا البعض في العمل الدرامي ولم ننفصل منذ عام 98 وقدمنا المسرح للجميع، وكنا نقدم ثلاثة عروض مسرحية في أسبوع واحد وبعدها عملنا (فارس بلا جواد).
{ نعود إلى معضلة الحوار السوداني – المصري حيث نجد أن ثمة معيقات حقيقية تقف في وجه هذا الحوار منها تناول الإعلام المصري السالب لكثير من القضايا السودانية وفي السودان هنا غضب شعبي كبير تجاه الإعلام المصري.. بالإضافة إلى البعد الماثل على أرض الواقع لأن المصريين أقرب للشاميين ثقافياً (دراما وغناء ووجود مكثف للمبدعين) على عكس السودانيين وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يجزمون بأن التقارب بين شعبي وادي النيل للاستهلاك الإعلامي فقط؟
– ربما ملابسات الظروف السياسية بين البلدين على مدى سنوات طويلة هي التي أدت إلى حدوث هذه الحالة الملتبسة، وصحفيو الحكومة هنا أو هناك والأغلب الأعم من الجماعة الصحافية المصرية، والصحافة هناك بخير وتكن للسودان كل الود والمحبة، ولكن علينا أن ندرك أن الأنظمة السياسية لديها أذرع في الصحافة والسياسة، ورجال الأنظمة عادة ما يقومون بدور سلبي في العلاقات ويهاجمون أي حد ضد هذه الأنظمة، وهذه الظاهرة موجودة في دول العالم الثالث عموماً ولا تندرج على “مصر” و”السودان” فقط، وهناك صحفيون يسبحون بحمد السلطة في أي مكان، وبعد زيارة الرئيس “السيسي” للسودان وبعد زيارة “البشير” لمصر ربما ستتم تنقية هذه الأجواء السياسية، ولكن في الأعم نحن لدينا أصدقاء سياسيون سودانيون يعيشون بيننا في “القاهرة” و”الإسكندرية” وعلاقتنا جيدة ببعض، وإذا رجعنا إلى الخلف كثيراً ستجد أن “الابنودي” و”يوسف إدريس” وكبار الكتاب كانوا يتوحدون هنا وكانت العلاقات أكثر نقاء من الآن، والآن تحدث مراجعات كثيرة، وأعتقد أن المبادرة التي أطلقها (مركز راشد دياب) حول الحوار السوداني – المصري ستصفي كثيراً من الأجواء وتعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي، لأن العلاقة بين الشعبين شديدة الخصوصية، ونهر النيل يربط بيننا كأنه الحبل السري وشريان الحياة، ولست معك في أننا نتجه نحو “الشام” و”لبنان” و”شرق أفريقيا”، ولكن العلاقات الأكيدة والعمق الاستراتيجي موجود هنا في السودان، ونحتاج إلى مزيد من إقامة ومد الجسور بين المكونات الثقافية السودانية والمصرية.
{ وهذا ما يقودني إلى السؤال الذي أود أن أطرحه عليك أخيراً.. وهو كيف يتم العبور بالعلاقة بين الشعبين من الهتافات والترضيات الوقتية لتكون علاقة حقيقية العبور بها يكون باقتحام المشهد؟
– لابد أن تكون هناك مبادرات من الجانبين ولن تعود العلاقات من تلقاء نفسها.. وأشرت في كتابات متعددة أنه على الجمعيات الأهلية والفنية والنقابات أن تبذل جهداً في “السودان” موازٍ للجهد الذي سوف يبذل في “مصر” ولديكم اتحاد كتاب ولنا كذلك ولديكم نقابة صحافيين وأيضاً لدينا ونقابة تشكيليين وصندوق تنمية الثقافة ولدينا (16) مؤسسة في الوزارة لابد أن تتم مخاطبتها وزيارة السودان، ولدينا عدد من الفنانين سوف يزورون السودان قريباً وإقامة الفعاليات الثقافية والأفراد والجمعيات والاتحادات هي التي تنشئ هذا التواصل بعيداً عن بيروقراطية الأجهزة الحكومية.