وجبات الدستوريين.. (الطباخ) خارج قفص الاتهام
حالات تسمم درجة أولى
الخرطوم – محمد جمال قندول
في حادثة لا تقل أهمية عن مفاجأة ظهور زعيم المؤتمر الشعبي الشيخ “حسن الترابي” في فعاليات المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني، وزاد من أهميتها تداولها على نطاق واسع مساء أول أمس (الخميس) في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وواتساب)، بجانب اتساع رقعة انتشارها في الشبكات والمنتديات الإلكترونية وكانت حديث مجالس المدينة، حيث نقلت وسائل الإعلام خبراً من داخل المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني المقام بأرض المعارض ببري أن العشرات من قيادات المؤتمر الوطني القادمين من الولايات أصيبوا بحالات تسمم حاد نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وتعود تفاصيل الحادثة إلى أن بعض أعضاء المؤتمر العام للوطني المقيمين بالمقر الدائم لأرض المعسكرات بسوبا تعرضوا لحالات تقلصات معوية حادة وقيء (استفراغ) وإعياء خفيف، وجرت عملية إسعافهم عبر اللجنة الطبية للمؤتمر العام، حيث أجريت لهم عمليات غسل المعدة، ورجحت اللجنة أن المصابين ربما تناولوا أطعمة فاسدة أو مياه شرب غير صحية، غير أنهم غادروا المستشفيات إلى أماكن إقامتهم بعد تلقيهم العناية الطبية اللازمة وباشروا وشكلوا حضوراً داخل مداولات المؤتمر العام الرابع ببري. وقالت اللجنة الطبية إن عدد الحالات لم يتجاوز العشرة أو يزيد عنها بقليل، بينما أوردت بعض المواقع الإلكترونية ومدوني مواقع التواصل الاجتماعي إن عدد المصابين يقدر بحوالي (42) شخصاً، في وقت وقف فيه نائب رئيس المؤتمر الوطني البروفيسور “إبراهيم غندور” على حالة المرضى، واطمأن على مغادرة آخر المصابين مستشفى الأطباء بالعمارات.
حادثة التسمم التي أصابت بعض قيادات الوطني ودستوريي الولايات المقيمين بالمقر الدائم للمعسكرات بسوبا، تفتح الكثير من التساؤلات حول سلامة المأكولات والمشروبات ومدى صلاحية الأطعمة التي يتم إعدادها وتناولها، وهل هذه الوجبات التي تقدم للضيوف مطهوة ومطبوخة بشكل جيد؟ أم أنها قضت فترة زمنية طويلة ملفوفة أو مغلفة بأكياس البلاستيك والصحون الورقية وأطباق البوليسترين أوﺗﺮﻙ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﺤﺸﺮﺍﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺤﺎﺭ ﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ؟ أم أنها تعرضت لملوثات أفقدتها صلاحيتها وبالتالي أصبح تناولها خطراً ومهدداً صحياً؟
لكن قبل الإجابة عن هذه التساؤلات، فمن الضروري التعرف على التسمم الغذائي الذي يقود ويؤدي إلى تلك المضاعفات والتداعيات الصحية السالبة على جسم الإنسان، فالدكتور “محمد طه” يشرّح ويشخص الحالة عبر تقديم تعريف موجز عن التسمم قائلاً: (إنه ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺃﻋﺮﺍﺿﻬﺎ ﺧﻼﻝ ﻓﺘﺮﺓ ﺯﻣﻨﻴﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺃﻭ ﻋﺪﺓ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﻢ ﻏﺬﺍﺀً ﻏﻴﺮ ﺳﻠﻴﻢ ﺻﺤﻴﺎً، ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﺘﺴﻤﻢ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻏﺜﻴﺎﻥ ﻗﻲﺀ، إﺳﻬﺎﻝ، ﺗﻘﻠﺼﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺪﺓ ﻭﺍﻷﻣﻌﺎﺀ، ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﺴﻤﻢ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺷﻠﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻮﻳﺔ)، ويمضي الدكتور “محمد طه” في حديثه مبيناً أعراض حالة التسمم الغذائي بأنها (ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺷﺪﺗﻬﺎ ﻭﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺴﺒﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﺴﻤﻢ ﻭﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ. وﺗﺘﻠﻮﺙ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺇﺫ ﺗﻮﺟﺪ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﻏﺬﻳﺔ ﺍﻟﻨﻴﺌﺔ، ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﺣﻴﻮﺍﻧﻲ ﻛﺎﻟﻠﺤﻮﻡ ﻭﺍﻟﺪﺟﺎﺝ، ﺇﺫ ﺗﻮﺟﺪ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻮﻱ ﻟﻠﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﻄﻴﻮﺭ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻠﻮﺙ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﻄﻴﻮﺭ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻏﺬﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﻠﻴﺐ ﻭﺍﻷﻋﻼﻑ ﻭﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ. ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﻭﺍﺕ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﺳﻤﺪﺓ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﺃﻭ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﺮﻱ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ. ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﺍﻷﻏﺬﻳﺔ نقل ﺍﻟﺠﺮﺍﺛﻴﻢ ﻣﻦ ﺃﻏﺬﻳﺔ ﻣﻠﻮﺛﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﺬﻳﺔ ﻣﻌﻘﻤﺔ، ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗُُﺮﺍﻉَ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻃﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺘﺤﻀﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺑﺦ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ والمحال ﺍﻟﺘﻲ تتداول ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ).
الإفادات الطبية سالفة الذكر تقودنا إلى فتح سجلات الطباخين ومن قاموا بإعداد الوجبات، وهم في الغالب يكونون متعهدين، أو أن الجهات المنظمة تتفق مع محال بيع الأطعمة سواء أكانت كافيتريات أو مطاعم صحية أو محال المناسبات التي عادة ما تقوم بخطوات إعداد الوجبات كافة، بجانب المشروبات الباردة والساخنة، خاصة وأن اللجنة الصحية للمؤتمر العام للوطني شددت في أعقاب وقوع الحادثة على ضرورة اتخاذ خطوات وإجراءات عاجلة لمعرفة موضع الخلل والتأكد من أوجه القصور (إجراء تحقيق)، وهذا يعني تحديداً البحث والتحري والتقصي حول سلامة المأكولات وصلاحيتها لتصبح بعض المحال التي أعدت الوجبات في وجه العاصفة أو تحت المراقبة، لتكون في قفص الاتهام، وبالتالي محاسبتها وتحمل مسؤولياتها تجاه هذا التقصير.. غير أن “الصادق عبد الرازق” من (محلات أبو التيمان للمناسبات) بحي امتداد ناصر أكد أن محال المناسبات غالباً ما تكون حريصة للمحافظة على سمعتها في السوق، وتحاول عبر تقديم خدماتها الممتازة أن تكسب زبائن جدداً خاصة في مناسبات الزيجات وإقامة حفلات التخرج للطلاب الجامعيين بأرقى وأفضل الخدمات، مع تقديم محفزات تتمثل في زيادة عدد العاملين في المناسبات، وصحون إكرامية إضافية بجانب ما يتم الاتفاق عليه بينهم وأهل العريس أو العروس أو الجهة المنظمة لحفلات التخرج من متعهدين ووكلاء، وقال إنهم يتجنبون التعاون مع الجهات التي تنظم المؤتمرات.. وحينما سألناه عن سبب تفاديهم لمنظمي المؤتمرات تحفظ عن الحديث ولم يرد على سؤالنا، وقال “الصادق عبد الرازق” إن محالهم تتفق مع شركات لها مكانة وسمعة في السوق في مجال المأكولات خاصة السمك، الفراخ والبيرقر وقال إنها شركات تقوم بتسليم الكميات المطلوبة (طازجة) ومن المنتج مباشرة وعليها الديباجة وبتواريخها، وإنهم ينفذون الطلبيات بنسبة نجاح عالية.. ومضى قائلاً: (حتى الطباخين أو الطهاة الذين يتعامل معهم هم من أكفأ وأمهر الطباخين ومعروفين بالسوق ويتلقون إشادات من الجهات المنظمة والمشرفة على هذه المناسبات)، وأضاف إنهم وطيلة عملهم في هذا المجال لم يحدث تجاوز أو تعرض ضيف لحالة تسمم.. واختتم حديثه بسخرية مبيناً أن حالات التسمم في بعض المناسبات غالباً ما تكون بفعل فاعل أو مقصودة!!
الشيف “محيي الدين عبد الله أحمد” الطباخ بمطعم (الصاج الإيطالي) بحي الصفا شرقي الخرطوم، أرجع حالات التسمم إلى عدة عوامل منها ما يعود للشخص نفسه كأن (يلخبط) ويسرف في تناول الأطعمة والمشروبات بصورة شرهة خاصة حينما تكون الأطعمة متنوعة، فيأكل (سمك) مع شرب الحليب واللبن والبيض المسلوق مع (المايونيز)، أو أطعمة بها دهون وزيوت بكميات كبيرة، أو أن الشخص نفسه مصاب بداء السكري والضغط أو كبير في السن ويتناول أطعمة ووجبات لا يستطيع هضمها بسهولة فتؤثر على صحته بشكل مؤقت، وتتسبب في حدوث حالات الإسهال والقيء وأحياناً الإمساك.. وعن الأصناف المضروبة المنتهية مدة صلاحيتها مثل الفراخ والسمك وهل تتسبب في حدوث التسمم، أجاب الشيف “محيي الدين عبد الله” بأن الأطعمة المضروبة ورغم أن بها فطريات لكن حينما يتم طبخها على النار لن تسبب أي مضاعفات، إلا إذا كان الشخص الذي يتناولها مصاب أصلاً ببكتريا في بطنه.. وقال: (من الحالات التي يحدث فيها تسمم انتقال الطعام من الثلاجة ثم إخراجه منها ثم إعادة طهوه مرة أخرى، قد يؤثر هذا على جسم الإنسان ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﺣﻀﺎﻧﺔ ﺍﻟﺒﻜﺘﻴﺮﻳﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺘﺮﺍﻭﺡ ﺣﺴﺐ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺛﻤﺎﻥٍ ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﺎﻋﺔ)، وقال إن السمك والفراخ يمكن معرفة مدى صلاحيتهما بالنظر إلى العينة، هذا إذا لم تصدر منها روائح أو يتغير طعمها أو لونها، مشدداً على أن حالات التسمم في العادة لن تكون بسبب (الطبيخ) ونبه الرجل إلي نقطة مهمة وهي لو كان التسمم أصاب كل من تناول الطعام فإنه في هذه الحالة تكون الوجبة بالفعل فيها سموم أما إذا كان المصابون قلة من جملة مجموعة كبيرة فإن الأمر يعود لصحة بعض من تناولوها بقدر ما أنها ترجع إلى الشخص نفسه.. والطباخ لن يقدم أية وجبة ما لم يتأكد من سلامتها وخلوها من البكتريا.وسواء تأكد أن حادثة التسمم كم جانب الطاهي أو تعود للأشخاص المصابين فإن المحصلة النهائية وبحسب متابعات المجهر أن بعض حضور وضيوف المؤتمر رفضوا تناول الوجبة وقاطعوا أطعمة المؤتمر ورجعت الوجبات الدسمة دون أن تمسها أيديهم