الخبير الاقتصادي "محمد إبراهيم كبج" يضع (الملح) على (جرح) الاقتصاد السوداني (2-2)
انخفاض الدولار ليس إيجابياً.. والحكومة لديها (سُعار) في الحصول على الدولار!!
تصريحات بعض من يديرون الاقتصاد تصل إلى درجة الشعوذة..!!
حوار- محمد إبراهيم الحاج
{ هل تعتقد أن ثمة أخطاء حدثت خلال الفترة السابقة أورثتنا هذا التردي الاقتصادي المريع وكان من المكمن تلافيها؟
– عندما تدخل بنك السودان لشراء الذهب في السوق المحلي من الإنتاج التقليدي بالأسعار العالمية للدولار وتحول إلى الجنيه السوداني بأسعار السوق السوداء أو السوق الموازي، أحدث هذا العمل اختلالاً كبيراً آخر في قيمة العملة المحلية كما جاء على لسان وزير المالية السابق السيد “علي محمود”.. وهذه تعني أن هناك أموالاً كثيرة تجري وراء سلع قليلة.. وهذا هو مفهوم التضخم عموماً.
{ ولماذا أقدمت الحكومة على هذا الإجراء؟
– كان ذلك جرياً وراء أن تعود دولارات الذهب إلى الخزينة العامة وليس بالتهريب ولكن بأسعار هي أسعار التهريب.. ومن ينوي التهريب يريد أن يعيد الدولار إلى السوق المحلي وبيعه في السوق الأسود.
{ هل تعتقد أن السلطات تسعى فقط إلى تعبئة خزائنها خصماً على رفاهية المواطن البسيط؟
– الجهات الحكومية لديها (سُعار) في التحصل على الدولار من الصادر، وعليه فقد رفعت سعره من (3) إلى (6) جنيهات للمصدرين، وهذا الأمر أدى إلى مضاعفة أسعار صادرات الثروة الحيوانية مثلاً، وضاعف عائداتها بالنسبة للمصدرين ومكنهم من الشراء من الأسواق المحلية بأسعار مضاعفة لكل أسعار الثروة الحيوانية، وبما أن المستهلك المحلي يتم الشراء له من نفس السوق فلابد أن ترتفع الأسعار مثلما يحدث الآن، وهذا الأمر كان نتيجة للقرارات الحكومية.. وذات الأمر ينطبق على بقية السلع الأخرى. فقد صدر قرار أن المصدرين عندما تأتي عائداتهم من العملة الأجنبية لا يبيعونها للحكومة بسعر (6) جنيهات، وإنما لهم الحق بشرائها بسعر الشراء الرسمي أو يزيد قليلاً عن (6) جنيهات ويذهبوا لبيعها في السوق الأسود للمستوردين الذين لا توفر لهم الحكومة دولارات الاستيراد بالأسعار الرسمية.
{ هل نستطيع القول إن سياسات التحرير الاقتصادي عموماً وسوء تطبيقها هو ما ساعد على تناسل قضايانا الاقتصادية؟
– سياسات التحرير الاقتصادي ظهرت عندما تحول الاقتصاد العالمي من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الإنتاج الصناعي الأوفر، وكانوا يودون كسر الحواجز في السوق المحلي وجعله سوقاً واحداً مفتوحاً، وقد كان في فترة الإقطاع أسواق متعددة ومقفولة، لذا كان تحويل الأسواق المتفرقة ولكل شروطها المختلفة إلى سوق واحد هو ما يتماشى مع ارتفاع الإنتاج وزيادته، ووضع أسواق جديدة لاستهلاك تلك المنتجات الصناعية، ولكن بعد تأسيس سياسات التحرير الاقتصادي جاءت كثير من الأوقات تدخلت فيها الدولة لدعم الأسعار ولدعم الاقتصادات المختلفة لمنعها من الانهيار كما حدث في الأزمة الاقتصادية الأخيرة، فإذا حدث ذلك لاقتصاديات راكزة ومؤسسات كبيرة فكيف سيكون الحال إذا طبقناه على اقتصاديات الدول الفقيرة التي تتمتع باقتصاد هش وليست لديه ركائز دائمة كما يحدث في البلدان النامية التي أصبحت رأسمالية منذ مدة طويلة.
{ هل ترى أن ثمة عقليات ساعدت على هذا التردي؟
– أقول إن سياسة التحرير الاقتصادي التي تم اعتمادها في البلدان الرأسمالية ما زالت تعاني من الأزمات، ولابد أن أذكر هنا تصريحات بشعة من محافظ بنك السودان السابق “صابر محمد الحسن” حين قال إن اقتصادنا إسلامي لا يتأثر بالأزمات، وطابقه في الرأي د. “عوض الجاز” حينما كان وقتها وزيراً للمالية في عام 2008، وكان تصريحاً سليباً يصل إلى درجة الشعوذة فيما يتعلق بأن الاقتصاد الإسلامي لا يتأثر بالأزمة العالمية، وأن يأتي ذلك من محافظ بنك السودان لفترة تزيد عن (15) عاماً ومن وزير للمالية أصبح فيما بعد وزيراً للنفط، فإن ذلك لخطير وبشع.. والسؤال هو: هل هذا اقتصاد إسلامي ليكتسب تلك الميزة التي لا تقهرها الأزمات؟ وحتى إذا كان اقتصاداً إسلامياً فقد فات على محافظ بنك السودان ووزير المالية السابقين أن الركود الذي حدث في تلك الأزمة قد أحدث انهياراً مريعاً في أسعار النفط العالمية، وجعلنا نبيع النفط بأقل من أسعاره السابقة، وحتى إنتاج (بترودار) تم بيعه بـ(13) دولاراً فقط للبرميل، فأي تأثير أبشع من ذلك؟ فإذا كان هؤلاء الذين يديرون الاقتصاد السوداني فكيف لا نصل إلى ما وصلنا إليه؟
{ إذن نأتي إلى السؤال المهم عن الأسباب التي أدت انخفاض سعر الدولار مؤخراً مقابل العملة المحلية وهل له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد ككل؟ وهل تتوقع أن يواصل الدولار انخفاضه أم أنه كان نتيجة لمتغيرات محددة سيواصل بعدها الارتفاع؟
– أولاً يجب أن نعلم أن الدولار انخفض نتيجة أن هناك سلعاً متوفرة في السوق ولكن حركة الشراء والبيع انخفضت، وأصبحت هناك بضائع متوفرة لكنها خارج قوة المواطن الشرائية ما جعل الطلب على الدولار ضعيفاً، وهذا يؤدي إلى الانخفاض في القوة الشرائية ويسبب الركود في الأسواق، إذ إن الأسعار المرتفعة تؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية في المجتمع، وهو الأمر الذي يقود إلى شراء سلع أقل.
السودان يعاني سلسلة أزمات اقتصادية، يمتزج فيها ارتفاع التضخم والركود الاقتصادي، والحكومة تتحدث عن محاربة الفقر، ونحن كخبراء اقتصاد نرى أن أسعار السلع الغذائية كما جاء من قبل الجهاز المركزي للإحصاء، تزيد بنسبة (10%) شهرياً.. كما أود أن أشير إلى أن إنفاق الأسر على الغذاء يمثل (65%) من الدخل الكلي، وعليه فإن ارتفاع الأسعار يجعل الأسر الفقيرة تخفض ما تستهلكه للغذاء.
انخفاض الدولار ليس إيجابيا لأنه ناتج عن تدهور القوة الشرائية للمجتمع وليس لفورة الدولار، وبالتالي خفض الطلب على الدولار هو ما جعل سعره ينخفض.. كان هناك طلب متزايد على الدولار، لكن مع وجود التضخم وانخفاض قيمة الجنيه السوداني أدى ذلك إلى قلة الطلب عليه وأصبح التنافس في الدولار أضعف مما كان عليه في السابق.
{ هل تتوقع أن يستمر سعر الدولار في الانخفاض؟
– حتى إذا وصل سعره في السوق الموازي إلى السعر الرسمي فإن ذلك ليس دليل عافية، وإنما دليل أزمة تطابق فيها الركود الاقتصادي مع ارتفاع الأسعار، مما زاد أعداد الفقراء في السودان حسب تقدير عدد من الخبراء من (46.5%) إلى (65%)، والإحصاء الذي أجري في عام 2009 تحت مسمى المسح الأسري فوق وتحت مستوى الفقر أجري بتمويل من بنك التنمية الأفريقي في ذلك الوقت، والآن منح حكومة السودان مبلغاً آخر لمعرفة حد الفقر، وسيكون قطعاً أعلى مما كان عليه في السابق، فالحكومة أعلنت سياساتها لمحاربة الفقر ولكن سياساتها الكلية تؤدي إلى زيادة حد الفقر.. وحتى الهدف الأول من أهداف الألفية التنموية انهار تماماً ولم يؤد إلى النتائج المرجوة منه، إذ لا يمكن أن تستمر زيادة دخل المواطنين وغيرهم وتقل القوة الشرائية ولا يكون ذلك خصماً على الذين كانوا تحت خط الفقر.