تقارير

انخفاض معدل التضخم.. مؤشر تحسّن أم إحجام عن الطلب؟؟

تقرير – نجدة بشارة
أثار التقرير الصادر حديثاً عن الجهاز المركزي للإحصاء الخاص بانخفاض معدلات التضخم إلى (39.2%) لشهر سبتمبر بمعدل (7.2%) عن شهر أغسطس المنصرم، حيث سجل (46.4%)، أثار غباراً كثيفاً وجدلاً في الأوساط الاقتصادية مع توالي انخفاض الدولار، حيث ذهب مراقبون إلى التكهن ببوادر انفراج وانقشاع للأزمة الاقتصادية التي ظل السودان يعاني منها لفترات طويلة. فيما شكك البعض في مصداقية الأرقام الصادرة وعدّوها مجرد تطمنيات سياسية، خاصة وأن أسعار السلع الاستهلاكية ما زالت توالي الارتفاع، وهذا يتنافى مع المفهوم السائد للتضخم الذي يعدّ ارتفاعه ارتفاعاً مفرطاً لأسعار السلع الاستهلاكية المتنوعة، ويقابله انخفاض في القوة الشرائية (نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة)، فيما يُعكس ذلك بالانخفاض الذي يؤدي إلى انخفاض نسبي لأسعار السلع وانتعاش القوة الشرائية بالمقابل.
وحسب خبراء فإن السودان ظل يعاني من التضخم لفترات طويلة وإن اختلف في حدته وانحساره ومده من فترة إلى أخرى، وقد لعبت في ذلك السياسة دوراً متعاظماً بالتدخل في القضايا الاقتصادية، وعزوا الارتفاع المتلازم لمعدلات التضخم إلى مشاكل هيكلية ظلت تلازم الاقتصاد من خلل انعدام التخطيط، بجانب تسييس العملية الاقتصادية ودواعي الإنفاق الحكومي وقلة الإنتاج. وجاءت مبررات الجهاز المركزي للإحصاء لهذا الانخفاض بتراجع متوسط أسعار أربع مجموعات، ذات الأثر الإنفاقي الكبير لدى المستهلك، ويشمل ذلك اللحوم والحبوب والخبز والبقوليات، بالإضافة إلى الخضروات التي سجل وزنها الإنفاقي حوالي (36%).
وأشار التقرير الصادر حول التضخم إلى أن بقية مجموعات الأغذية والمشروبات شهدت تراجعاً بنسبة (2.5%) عن شهر أغسطس، وأوضح أن نسبة متوسط الأسعار للحوم انخفض بالولايات إلى نسبة (4.5%)، فيما سجل متوسط أسعار الحبوب حوالي (2.2%)، بالإضافة إلى البقوليات والخضروات التي انخفضت بنسبة (5.4%) والفواكه بنسبة (4.3%). وعدّ مراقب اقتصادي انخفاض التضخم وبالتالي السلع يعود إلى انخفاض الدولار.
الخبير الاقتصادي “محمد الناير” في حديثه لـ(المجهر) عدّ التراجع طفيفاً إذا تمت مقارنته بمعدل ما قبل الانفصال، وقال إن التضخم ما زال في مستويات مرتفعة، والتحسن يقاس بالمؤشر الجيد إذا وصل إلى رقم أحادي.
وعزا “الناير” التراجع إلى تحسن سعر الصرف وانتعاش الجنيه أمام العملة الأجنبية، الذي انعكس بدوره إيجاباً على معدلات التضخم، ويرى أن خريف هذا العام كان ذا أثر إيجابي على الإنتاج مما أدى إلى انخفاض أسعار بعض السلع الاستهلاكية، بالإضافة إلى سياسة الدولة القاضية بتوفير السلع في مراكز للبيع بالسعر المخفض، ما أدى إلى تقليل الطلب في الأسواق.
وانتقد “الناير” استمرار ارتفاع الأسعار مع إعلان الجهاز الإحصائي لانخفاض معدلات التضخم، وعدّ متنافياً مع التقرير، وقال إن هناك مؤشراً جيداً لتعافي الاقتصاد خلال الشهرين القادمين وأبدى تفاؤله باستمرار انخفاض الدولار، الذي عزاه إلى سياسة المالية في تخفيض الواردات بنسبة (15%) وزيادة الصادرات إلى نسبة (18%) مما انعكس إيجاباً على وفرة العملة الأجنبية. وأضاف إن زيادة إنتاجية البترول التي أعلن عنها مؤخراً إلى (155) ألف برميل خلال الربع الأخير من العام الحالي، بالإضافة إلى إنتاج الذهب.. كل هذه العوامل أدت إلى تعافي العملة الوطنية- حسب قوله.
فيما شكك الخبير الاقتصادي بروف “عصام الدين بوب” في الأرقام الصادرة عن الجهاز الإحصائي وعدّها محل شك وتعتمد في حسابها على بيانات قديمة، خاصة وأن السلع الاستهلاكية مازالت توالي الارتفاع بصورة مستمرة.
ووافق “الناير” الرأي في أن الانخفاض ليس بالحجم الكبير حسب الأرقام بل هو انخفاض طفيف، وينطبق ذلك أيضاً على انخفاض قيمة الدولار أمام العملة الوطنية، وقال إن المؤشرين قد يكونان دليلاً على انخفاض حجم الاستهلاك وانخفاض الطلب على السلع، ويرى أن هذا مؤشر اقتصادي خطير إلا في حالة في ارتفاع حجم الناتج المحلي الإجمالي لأن انخفاض حجم الاستهلاك يعني انعدام الاستيراد وضعف الصادرات، وعدّه أمراً غير صحي، خاصة وأن السودان يعتمد على مدخلاته من الخارج، وقال أن الانخفاض التدريجي للدولار أمام الجنيه ليس تحسناً اقتصادياً حقيقياً إذا قورن بحجم الأزمة التي تعيشها البلاد، وأوضح أن مؤشر التحسن يقاس بارتفاع حجم الإنتاج المحلي للبلاد، وأن مؤشرات انخفاض التضخم وانخفاض الدولار ليس سوى مؤشر واحد من جملة دلالات اقتصادية تعمل على تحسين الأداء الاقتصادي، والتحسن الحقيقي يكمن في القيمة الحقيقية للنقود وليس انخفاضها.
ويوافقه الرأي “الناير” بأن التحسن الحقيقي يبدأ باقتراب سعر الصرف الرسمي من السوق الموازي، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي بالبلاد وبسط الأمن، وأبدى تفاؤله بمسار الحوار الوطني، وما قد يحققه من مكاسب سياسية تهدف إلى توحيد واستقرار البلاد.
وفي الأثناء، يقود السودان حملة دولية يطالب فيها المجتمع الدولي بإعفاء ديونه ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، خاصة عقب إيفائه بكل الشروط والمتطلبات الخاصة بذلك. وقال وزير المالية في تعميم صحفي إن خطابه باجتماعات صندوق النقد الدولي ركز حول الديون الخارجية، وتناول التطورات الاقتصادية التي يمر بها السودان، مشيراً إلى معاناة السودان من الحظر الأحادي المفروض عليه، مطالباً بضرورة رفعها حتى يتسنى للسودان الانطلاق والاندماج مع الاقتصاد العالمي.. وتناول الخطاب إعادة هيكلة الديون السيادية بصفة خاصة للبلدان النامية. وعدّ مراقبون جملة هذه المؤشرات دليلاً على اتجاه لتعافي وتحسن الاقتصاد السوداني بعد معاناته الطويلة وأزمته التي خلفها انفصال جنوب السودان، متفائلين بالبوادر الإيجابية التي بدأت تلوح في الأفق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية