تقارير

أسباب ودوافع تجديد ولاية "البشير" لخمس سنوات قادمة

هل حسم (المؤتمر الوطني) خيار “البشير” مرشحاً له؟؟

يوسف عبد المنان

جنرال جنوب دارفور والطعن في دستورية قوانين المجلس التشريعي الجديدة
{ اقترب موعد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم لإقرار مرشح الحزب للانتخابات المعلنة في أبريل 2015م، وإجازة حزمة السياسات التي سيدفع بها رئيس الحزب كبرنامج سياسي للحزب الحاكم واختيار مجلس شورى الحزب الجديد، وتبعاً لذلك انتخاب المكتب القيادي الجديد من مجلس الشورى.. وقد حسمت في دوائر حزب المؤتمر الوطني ومجالس قادته ومؤتمرات بعض ولاياته مسألة الرئاسة، وبات الرئيس “عمر البشير” على أعتاب اختياره رئيساً للحزب لدورة جديدة تنتهي في عام 2020م كدورة أخيرة له، ومن ثم قد يتنازل “البشير” عن رئاسة الحزب والدولة، وحينها سيبلغ عمره في السلطة (30) عاماً.
وتراجعت في الأيام الأخيرة دعاوى التجديد والتغيير بعد أن تكشف لقيادات وقواعد الحزب أن الخيارات البديلة للرئيس “البشير” مع (توفرها) إلا أن هناك عسراً شديداً في الاتفاق و(الإجماع) عليها في وقت فشلت فيه حتى اليوم مساعي الحوار الوطني الذي تم إجهاضه وبات مجرد شعارات تلوكها بعض الألسن وعادت المعارضة للحديث القديم عن إسقاط النظام.. الشيء الذي جعل خيار تجديد قيادة المؤتمر الوطني وتقديم بديل للرئيس “عمر البشير” مسألة تم التراجع عنها في الوقت الراهن رغم أن الرئيس “البشير” قد أعلن أكثر من مرة رغبته في التنحي، هو ضغوط الواقع والعواصف التي تهب على البلاد، التي تجعل غياب “البشير” عن المسرح السياسي وتنحيه يضعف النظام ويؤدي به إلى حافة السقوط لوجود تيارات داخلية عديدة تتنافس لقيادة الحزب والدولة.. كما أن المؤسسة العسكرية التي تمثل شوكة النظام ومصدر قوته وضمانة وجوده تقف سنداً وعضداً للرئيس “البشير”.. ولا تبدي المؤسسة العسكرية حماساً لتسليم قيادة البلاد لشخصية مدنية تخرج من عباءة التنظيم السياسي، وقد تذوق الجيش مرارة الإهمال في سنوات الحكم المدني بعد سقوط نظام “جعفر نميري”. كما أن وجود الرئيس “البشير” على قيادة الدولة وقيادة القوات المسلحة كقائد أعلى يمثل ترياقاً شافياً من عودة دورة الانقلابات العسكرية لما يحظى به “البشير” من شعبية وسط القوات النظامية جميعها.
{ تصريحات د. “أمين حسن عمر”
قبل عيد الأضحى المبارك أطلق د. “أمين حسن عمر” تصريحات مثيرة قال فيها إن التجديد للرئيس “البشير” لدورة قادمة يتنافى وروح التجديد في المؤتمر الوطني.. ورمى د. “أمين” بحجره في البركة الساكنة، لكنه- أي “أمين”- يتحدث كثيراً كمفكر ومثقف وليس كناشط سياسي، الشيء الذي يضع تصريحاته في موضع القدح الذهني والتفكير المجرد من قراءة الواقع الذي يشير إلى إجماع وسط قيادات حزب المؤتمر الوطني خاصة (ذات الشوكة) والقابضة على مفاصل الدولة والحزب والتي بيدها القرار والمال على التجديد للرئيس “عمر البشير” لدورة جديدة وفي ثلاثة مؤتمرات ولائية، طالبت تلك المؤتمرات بتجديد ولاية الرئيس، وهي النيل الأبيض، الخرطوم وسنار.. هذه الولايات تمثل ثقلاً سياسياً في موازين القوة، ومركز استنارة ووعي وأغلب قيادات الدولة من هذه الولايات التي طالبت بالتجديد للرئيس “البشير”!!
لكن تصريحات د. “أمين حسن عمر” وجدت صدى وسط قوى المعارضة أكثر منها في وسط قيادات وقواعد الحزب الحاكم الذي يعدّ مسألة تنحي “البشير” في الوقت الراهن (مستبعدة) تماماً.. فإذا كان تنحي “علي عثمان” ود. “نافع علي نافع” ود. “الحاج آدم” من القيادة العليا للحزب والدولة له أهداف سياسية معلنة هي تجديد الدماء، وأهداف سياسية ذات طبيعة نفيسة بإغراء المعارضين للإقبال على الحوار الوطني ولم تحقق الخطوة أية نتائج يعتد بها خاصة على صعيد إغراء المعارضة لدخول ساحات الحوار باستثناء المؤتمر الشعبي الذي حسم أمره وقرر دخول ساحات التفاوض بغض النظر عن حصاد النتائج.. فهل التجديد لـ”البشير” سيفتح الباب واسعاً للتجديد لولاة آخرين طالت إقامتهم وبات وجودهم يشكل مصدر زعزعة لاستقرار ولاياتهم؟؟ لقد ظل ولاة مثل السلطان “عثمان كبر” في شمال دارفور يتحدث همساً وجهراً عن أن بقاءه في السلطة رهين بإرادة الجماهير والحزب، وأن الرئيس “البشير” قد مكث في الحكم ربع قرن من الزمان فلماذا لا يبقى هو عشرين عاماً في السلطة وبعض (المتزيدين) يهتفون (كبر كبر رئيس إلا شبر) أي أنه قريب من الرئيس “البشير”.. بل أطلقت عليه صفة الخليفة السادس لاختزال التاريخ الإسلامي في الخلفاء الأربعة ثم الخليفة “عمر بن عبد العزيز” ومن بعده “عثمان كبر” في دارفور، ليذهب حكام مثل الأمويين والعباسيين والإمام “المهدي” والسلطان “تيراب” و”علي دينار” إلى مؤخرة القائمة.. وهذا من أعراض وأمراض الحكم المطلق في بعض الولايات، مما يضع الرئيس “البشير” في فترته الأخيرة 2015- 2020م أمام تحديات كبيرة في كيف يحكم السودان أو ما تبقى من السودان القديم حتى يستريح أهله من وعثاء الحروب ومرارة الفقر والجوع الذي يبرع حكامنا في توصيفه وتدليله بـ(الفجوة)!!
{ وقف الحرب
ولاية “البشير” الجديدة 2015-2020م تواجهها تحديات كبيرة، فالأوضاع الاقتصادية قد بلغت من السوء ما دفع الآلاف من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات مغادرة البلاد لأرض الله الواسعة بحثاً عن الخلاص الذاتي بعد أن تعثرت خطى الخلاص الجمعي، وعادت حقبة الاستنزاف التي شهدها السودان في بداية تسعينيات القرن الماضي، الشيء الذي يتطلب اتخاذ الحكومة القادمة قرارات صعبة من أجل مكافأة المواطن السوداني الذي يزرع الفول في علوبة والبصل في كسلا، ويرعى الضأن في سودري، ويتوق لحياة كريمة في طروجي، وأول قرار منتظر ومرتجى ومتوقع من الرئيس الإقبال بجدية وعزم أكبر نحو تحقيق السلام ووقف الحرب من خلال التفاوض لا البندقية، فقد شبع السودان في الموت والمواجهات، وغرق في الأحزان بسبب التعويل على الحل العسكري الفاشل!! ولن يجد “البشير” مشقة كبيرة في الوصول إلى تسوية عادلة تجفف منابع الدم.. وكما يقول الراحل “جون قرنق” (إذا كان للأم طفلان أحدهما يبكي بحرقة وألم وآخر وديع، لا ينبغي للأم ضرب الذي يبكي بالعصا لتخرس صوته، بل عليها وضعه بين يديها ومسح دموعه)!! والأطراف التي تشكو ظلم المركز لن تصمت بالسلاح والتخويف والترهيب.. قد تضعف قدرتها العسكرية وتصبح غير مهددة للمركز، لكن تظل القضية حية لا تموت.. وإيقاف الحرب في إقليمي كردفان ودارفور سيؤدي إلى ازدهار اقتصادي وتحسن مطرد في العلاقات الخارجية، وتستطيع الحكومة الاستفادة من المواد النفطية الضخمة في كردفان لصالح مشروعاتها الاقتصادية والتنموية، لكن مع استمرار الحرب لسنوات قادمة فإن الدولة السودانية معرضة للانهيار في غضون مقبل السنوات.. وانهيار الدولة السودانية يعدّ فشلاً ذريعاً للنخب الحاكمة قبل المعارضة، وكل من يبصر بعين غير مصابة بالرمد يرى مآلات المستقبل إذا ما ظلت الحرب قائمة.
وبعض البائسين يقولون إن الحرب مفروضة من الأجنبي ولن يسمح للمتمردين بتسوية النزاع مع الحكومة.. ذلك كذب وهراء، فالمجتمع الدولي هو من يدفع الآن لإطعام النازحين واللاجئين وقوات (يوناميد) في دارفور ومصلحته في استقرار المنطقة.
لكن هل مسألة وقف الحرب كما حدث عام 2005م مقدور عليها؟ أم هناك مستفيدون من الحرب سيقاومون أي اتجاه للسلام ووقف نزيف الدم؟!
{ الجنرال في متاهته!!
بعد أن خسر جنرال جنوب دارفور اللواء “آدم جار النبي” معركته الانتخابية لصالح وزير التخطيط العمراني اللواء “عيسى آدم أبكر”، وبات الوالي يتخبط في اتخاذ القرارات من حل حكومته وإبعاد العناصر التي وقفت في صف منافسيه واختارت بضميرها من ترى فيه الكفاءة والقدوة الحسنة، أقدم الجنرال “جار النبي” على خطوة أخرى في متاهاته بالولاية المنكوبة بولاة أورثوها المهالك، فقد صادق المجلس التشريعي لولاية جنوب دارفور في جلسة طارئة على قانون أطلق عليه قانون أمن المجتمع، حظر القانون قيادة واستخدام السيارات ذات الدفع الرباعي وقيادة الدرجات النارية، كما جدد حظر التلثّم وارتداء العمامة التي تغطي أغلب الوجه.. وجرّم القانون أي شخص يقود سيارة ذات دفع رباعي أو دراجة نارية داخل حدود ولاية جنوب دارفور، على أن يعاقب من يفعل ذلك بالسجن لمدة عامين!! هذا نص ما ورد في الصحف الصادرة يوم الخميس هنا.. فقط تذكرت الراحل “غازي سليمان” المحامي الذي كان يناهض وحده مثل هذه القوانين المعيبة.. ربما لم يتيسر للسيد الوالي قراءة دستور السودان الحالي الذي يمنح مواطنيه حرية التنقل والتملك والاعتقاد والعبادة.. ولكن ما يمنحه الدستور القومي في البلد يسلبه السيد الجنرال “جار النبي” بإجازة قانون يتعارض مع حق الإنسان في التملك!! ويحدد القانون الدارفوري للمواطنين نوع الملابس المسموح بارتدائها وتلك التي يحظرها القانون، الذي يعدّ نسخة معدلة من قانون النظام العام القديم قبل 2005م.. لكن هل لحكومة جنوب دارفور مستشار قانوني ينصحها بالعدول عن مثل هذا المنهج المختل في سن التشريعات؟؟ ما الذي يجعل امتلاك سيارة بعينها ممنوعاً في ولاية جنوب دارفور ومسموحاً به في بقية الولايات؟؟ وأين السلطة الانتقالية والدكتور “التجاني السيسي” الذي يفرض عليه موقعه ومسؤوليته حث الوالي الذي هو عضو في قيادة السلطة الانتقالية على إلغاء هذا القانون قبل أن يتطوع “بارود صندل” بتقديم طعن لدى المحكمة الدستورية لإلغاء هذا القانون المعيب بافتراض أن الأخ “بارود صندل” يحركه ضميره المهني لا انتماءه السياسي لحزب (الشعبي) الذي بات قريباً من الحكومة؟! وهل سيارات المواطنين ذات الدفع الرباعي هي التي تهدد الأمن في جنوب دارفور؟؟ أم سيارات المليشيات الحليفة للحكومة والمليشيات الوقعة على اتفاقيات السلام والقوات شبه النظامية وزعماء العشائر وجنرالات الحرب الذين يهددون السلام الاجتماعي في الولاية المنكوبة؟؟ إن سيارات اللاندكروزر ذات الدفع الرباعي التي ارتكبت بها جرائم الخطف والنهب والسلب في غالبها إما تتبع للحركات المسلحة أو الحركات الحليفة للحكومة..!! أما مسألة منع (التلثّم) وحظر (الكدمول) التشادي الذي تسلل إلى السودان من خلال الحركات المسلحة وبات منتشراً في كردفان والنيل الأبيض، فإن حظره بالقانون أيضاً يتعارض مع وثيقة الحقوق والدستور.. وكان يمكن لولاية جنوب دارفور أن تحظر بموجب قانون ولائحة الطوارئ استخدام المركبات ذات الدفع الرباعي لغير العسكريين والقوات النظامية، وتحظر ارتداء (الكدمول) و(التلثّم) بنصوص لائحة الطوارئ التي تعني تعليق حقوق الأفراد وتعليق العمل الدستوري لفترة مؤقتة لأغراض حفظ الأمن ومكافحة الأوبئة والكوارث.. أما أن تتم إجازة قانون بهذا الشكل، فذلك يفتح أبواب الطعون الدستورية في وجه حكومة الجنرال “جار النبي” الذي يعدّ ترشحه لمنصب الوالي وانتماؤه لحزب المؤتمر الوطني مخالفة يعاقب عليها القانون، والرجل لا يزال يرتدي الملابس العسكرية وبرتبة اللواء، إذ إن قانون الأحزاب صريح في حظر انتماء العسكريين في الخدمة للأحزاب السياسية.. أما إن كان الجنرال “جار النبي” قد تمت إحالته للتقاعد فإن ارتداءه لشارة رتبة اللواء أيضاً مخالفة للقانون العسكري.. وفي كل حالة فإن الجنرال “جار النبي” في متاهة كبرى كما يقول “جبرائيل غارسيا ماركيز” في رائعته ذائعة الصيت!!
{ طيب طيبة
في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك عطر المطرب “جمال السماني” فضاء وسموات الخرطوم بتقديم الطرب من حقيبة الفن، من خلال ليلة معايدة لمركز (طيبة برس) الإعلامي لصاحبه الكاتب والصحافي “محمد لطيف”، الذي برع في (الوسيطة) بين النظام الحاكم وخصومه، ليجمع “لطيف” في حدائقه “إسحق فضل الله” و”مرتضى الغالي” و”فاطمة غزالي” و”فضل الله رابح” واتحاد الصحافيين الشرعي وجماعة شبكة الصحافيين.. في بيت “محمد لطيف” عادت فرقة (الهيلاهوب) المسرحية الفكاهية لرسم الابتسامة في الشفاه العابسة وقطرة الندى على الوجوه التي عليها قترة.. في ليلية جلسة الأنس في حضرة الحقيبة تحدث د. “مرتضى الغالي” عن تاريخ الحقيبة وأثرها على الوجدان السوداني وبطبيعة أهل السودان النيلي جعل “مرتضى الغالي” من حقيبة الفن موروثاً قومياً، ليمشي الرجل تحت سقف الذين جعلوا من ثلاثية الحقيبة والمديح والطنبور هي كل موروث السودان الحضاري.. وتلك قضية جدلية قد تفتح دعوة الرئيس للحوار الثقافي كوة عليها.. نقول ما نعتقد أنه الصواب، ولكن ليلة (طيبة برس) جمعت شتات الوسط الصحافي واستطاعت نزع الابتسامة من الوجوه في زمن العبوس.. غنى “جمال النحاس” لـ”كرومة” ولـ”أبو قطاطي” ولـ”عبد العزيز محمد داوود” وحتى “كمال ترباس”، وجعل النشوة حاضرة.. وقبل منتصف الليل هرعنا إلى بيوتنا قبل أن يداهمنا عسس النظام العام ويقودنا إلى المحاكم بتهمة الإزعاج العام، مع أن احتفالية (طيبة) في الطابق الثالث من (عمارة بشير محمد سعيد) في وسط الخرطوم شرق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية