تمدد ظاهرة تسرب التلاميذ.. وضع العقدة في منشار المعنيين
أقرت الوزارة بأنها تحتاج دراسة
ـــ مدير مدرسة.: الظاهرة متكررة وباستمرار داخل كل مدارس الولاية خاصة الحكومية
ـــ واحدة من أسباب التسرب مشاكل وعدم ارتباط الأسر بالمدرسة.. وتستر الأمهات
ـــ بسبب انفصالها عن زوجها.. والدة طالب تحضره للمدرسة بشنطة ملابسه وتطلب إقامته فيها
ـــ حجج وأكاذيب متنوعة.. وطالب يغتال زوجة المدير ويدعي عطلة المدرسة حداداً
ــ خبير تربوي: المنهج تقليدي وغياب الباحثين الاجتماعيين والنفسيين ساعد من تفاقم المشكلة
تحقيق ـ هبة محمود
عندما يستبدل بعض طلاب المرحلة الثانوية يومهم الدراسي بـ(البلي استيشن) والتجوال بـ(شارع النيل) وعبور الكباري فرادى وجماعات، فإن الأمر يتوجب الوقوف لمعرفة الأسباب والدوافع التي تقودهم للتسرب أثناء اليوم الدراسي هرباً من مقاعد الدراسة.
ففي الوقت الذي كشفت فيه (وزارة التربية والتعليم العام) عن سعيها بالتعاون مع بعض الجامعات لدراسة علل وأسباب التسرب الطلابي من المدارس والقضاء عليه وإزالة مسبباته، أجمع خبراء ومختصون على أن البيئة المدرسية الطاردة ـ بحد وصفهم ـ تعد سبباً أساسياً في نفور التلاميذ من الدراسة، لاسيما أن الظاهرة متأصلة بالمدارس الحكومية وهي ليست حديثة عهد لكنها متمددة، (المجهر) حققت في الأمر وطافت على عدد من المدارس وتلمست بعض أسباب الظاهرة من خلال التحقيق التالي..
تسرب يفضي للطلاق
مدير (مدرسة عمر بن عبد العزيز الثانوية بنين) بـ”مدينة بحري” الأستاذ “أحمد محمد الشريف” قال لـ”المجهر” إن الظاهرة أصبحت متكررة وباستمرار داخل كل مدارس الولاية خاصة الحكومية منها، لافتاً إلى أن (الكنترول) عليها يعد صعباً للغاية لأن هناك طلاباً يتغيبون بدواعٍ شتى ولا يأتون للمدرسة ويلجأون لأماكن أخرى، وهناك من يهربون أثناء ساعات اليوم الدراسي، وأرجع “الشريف” ظاهرة التسرب وتفشيه إلى ضعف ارتباط الأسر بالمدرسة قائلاً: لو استدعينا ولي الأمر فإنه لا يأتي وأغلب أرقام الهواتف الموجودة بطرفنا هي هواتف الأمهات، ومعظمهن يخفين الحقيقة عن الآباء تستراً خوفاً على أبنائهم من العقاب.
وأضاف مدير المدرسة: من كثرة ما يحدث من إشكالات التسرب بتنا نخشى حدوث مشاكل أسرية بسبب المدرسة، ولذلك ننزل لرغبة الأمهات في إخفاء الأمر عن والد التلميذ لأن حالات طلاق حدثت بهكذا أسباب.
مكمن المعاناة
ولفت أستاذ “أحمد الشريف” في حديثه لـ(المجهر) إلى أن المشاكل الأسرية لها الغلبة في ظاهرة التسرب أثناء اليوم الدراسي، معتبراً أن معظم الطلاب المتسربين يعانون من مشاكل أسرية منها انفصال الأبوين الأمر الذي قاد إلى خلق فجوة بين الأسرة والمدرسة، واستطرد: أغلب الطلاب انعدمت عندهم المصداقية، فضلاً عن إدعائهم الكذب على أسرهم وعلى المدرسة يبهتوننا بطردهم بسبب الرسوم الدراسية.
وأشار “الشريف” إلى أن معاناتهم تكمن في محلات (البلي إستيشن) التي يقصدها الطلاب بكثرة خاصة يوم (الخميس)، فهو أكثر الأيام التي يزداد فيها التسرب بمتوسط ثلاثة طلاب من كل صف بمدرسته – على حد قوله – ويرى أن الحل الأمثل هو أن تكون المدارس جغرافية بحيث يلتحق كل طالب بمدرسة قريبة من منزله، واستشهد بمدرسته التي تجمع خليطاً من الطلاب يفدون من “أم درمان” و”بحري” و”الخرطوم”.
ضحايا خلافات أسرية
ووفقاً لوكيل مدرسة “عمر بن عبد العزيز” الأستاذ “أحمد هاشم”، فإن غياب الأسرة وشرطة أمن المجتمع ساعد من تفاقم المشكلة وازدياد أعداد المتسربين، مشدداً على ضرورة التحفظ على كل طالب يسير بالطرقات أثناء اليوم الدراسي من قبل الشرطة واستدعاء أسرته، وقال: المعالجة يجب أن تكون مشتركة ولا يرمي اللوم على المدرسة دون غيرها، فنحن مع مشاكلنا الأكاديمية والأسرية لا نستطيع تحمل المسؤولية وحدنا، لذا نعمد لإستدعاء أسر التلاميذ لكن أغلبها لا يستجيب.
أستاذ الأحياء “حسن جبارة” بمدرسة (عمر بن عبد العزيز) طفق يروي لـ(المجهر) عن حالات لبعض الطلاب الذين كانوا ضحية طلاق والديهم، مستشهداً بقصة أحد الطلاب دفعت به والدته وشقيقها إلى المدرسة كيما يعيش بها وأن لا يعود مجدداً للمنزل على خلفية انفصالها عن والده وزواجه بأخرى، الأمر الذي أثر سلباً على الطالب وحرضه على التسرب ومن ثم انعكس على دراسته ومستواه الأكاديمي، ولحل المشكلة استدعت المدرسة والده وخيرت الطالب في مكان إقامته من جملة خيارات، فاختار العيش مع أعمامه بـ”الولاية الشمالية”.
ولفت “جبارة” إلى تنوع أساليب بعض الطلاب للهروب من المدرسة واختلاقهم روايات وأكاذيب شتى مثل المرض أو الوفاة كقصة الطالب الذي اغتال زوجة المدير كمبرر لغيابه عن المدرسة لأسرته، وأن المدرسة ستغلق أبوابها حداداً لمدة ثلاثة أيام، ونوه إلى أن أكثر المتسربين هم طلاب (الصف الثاني الثانوي) لأنهم في مرحلة المراهقة بحد تفسيره.
استغلال للزي المدرسي
من جانبه شدد مدير (مدرسة الخرطوم النموذجية بنين) “عباس حسن محمد علي”، على ضرورة محاربة الظاهرة أمنياً من قبل الجهات المختصة التي يتوجب عليها مساءلة الطالب والتحري معه، لافتاً إلى وجود جهات غير طلابية قامت باستغلال الزي المدرسي لمآرب أخرى، وأشار إلى رصدهم ثلاث حالات تسرب منذ بداية العام، منوهاً إلى خطورة الظاهرة في شوارع السودان التي أصبحت لا ترحم – بحد وصفه – واعتبر “عباس” أن طالب المرحلة الثانوية في السنوات الأخيرة بات صغير السن ومن السهل اقتياده واستخدامه لأغراض أخرى، وقلل من ظاهرة التسرب بالمدارس النموذجية لوجود ما أسماه بالحزم والربط.
ويوافق محدثنا السابق في الرأي وكيل (مدرسة بحري النموذجية بنين) الأستاذ “أحمد فضل الله” الذي يحسب أن التسرب يكثر بالمدارس الحكومية، ونفى أن تكون هناك حالات تسرب بمدرستهم، ومضى بقوله: أي طالب يستوعب بهذه المدرسة بمجموع لا يقل عن (271)، لذا فجميعهم ممتازون ويهتمون بالدراسة.
انعدام تجاوب الأسر
حمل مدير (مدرسة بحري الثانوية بنين) الأستاذ “قسم سعيد عبد القادر التوم” الأسر مسؤولية تفاقم ظاهرة تسرب التلاميذ أثناء اليوم الدراسي، وقال إنهم قاموا بمخاطبة عدد من أولياء الأمور منذ 22 يونيو الماضي ولم يستجب منهم أحد، منوهاً إلى ضرورة اهتمام الأسر بابنائها لأن لها القدح المعلى في تربيتهم التربية الجيدة، وأضاف: نعاني من عدم التجاوب مع المدرسة، ونأمل من كل ولي أمر أن يأتي المدرسة ولو (10) دقائق لمتابعة ابنه ومعرفة مستواه، وقال: المسؤولية مشتركة ولا يمكن أن تتحملها المدرسة وحدها.
واستطرد أستاذ “قسم”: للأسف مرشد الصف في الآونة الأخيرة تخاذل عن مسؤوليته حيال الطلاب، وإنه إلى جانب أستاذ المادة في حال قام كل منهما بدوره من خلال المتابعة الدقيقة واللصيقة يمكن القضاء على هذه الظاهرة، وأشار إلى تفاقم أعداد ما أسماه بـ(تأخير الطابور) خاصة يوم (الخميس) ليصل قرابة الـ(208) طالب متأخر.
أسباب الظاهرة
لخص “د. عوض أحمد أدروب” خبير تربوي وأستاذ مشارك بـ(المركز القومي للمناهج والبحث التربوي) ظاهرة خروج الطلاب أثناء اليوم الدراسي إلى البيئة المدرسية الطاردة وغياب الأنشطة (اللا صفية) المتمثلة في الملاعب والميادين بالمدارس، فضلاً عن غياب معلمي الأنشطة البدنية والفنون، وذهب “أدروب” إلى أن الظاهرة لم تكن موجودة في السابق لأن المدارس كانت جاذبة، كما أن غياب الباحثين الاجتماعيين والنفسيين ساعد من تفاقم المشكلة في ظل عدم وجود تواصل بين المعلم والطالب بعد مغادرة الأول للمدرسة بعد انتهاء حصته مباشرة لارتباطه بحصص في مدارس أخرى.
منهج تقليدي
إلى جانب البيئة المدرسية الطاردة يعزي “أدروب” تفشي الظاهرة التي صارت منتشرة في “الخرطوم” والولايات بصورة كبيرة إلى المنهج الذي وصفه بالتقليدي مقارنة بتعامل الطالب مع الوسائل التقنية الحديثة كافة، قائلاً: كيف يستقيم الوضع والمنهج التقني المصاحب للعصر غائب والمعلم لازال ممسكاً بـ(الطباشيرة)، كما أن كثرة المقررات أسهمت في تسرب الطلاب وانصرافهم إلى محالات (البلي إستيشن)، وأضاف: لا نعفي الأسر من تحمل المسؤولية تجاه أبنائها وعليها مراقبتهم، وأمام الدولة تحدٍ كبير في إعادة بناء مدارسها بمواصفات جديدة مواكبة للتلاميذ، كما عليها الاهتمام ببيئة المدارس والنشاط الطلابي، وأردف: يجب عدم تسيس التعليم حتى لا يكون لدينا طالب مشوه فكرياً وأخلاقياً وقيمياً.
وبعد
يظل خروج الطلاب وتسربهم أثناء اليوم الدراسي بلاغاً رسمياً للأسر والسلطات معاً وتنويهاً بضرورة تفعيل أدوار الرقابة الغائبة سيما أن هؤلاء الطلاب لا يأبهون بعقارب الساعة التي تدور بعجلة حول عصر متقدم تكنولوجياً وثمة خواء عقلي يعتريهم، ويجب إنقاذهم بالترغيب وليس الترهيب، فعدد المتسربين في ازدياد كشفت عن ذلك (وزارة التربية والتعليم) في وقت سابق بأن نسب تسرب التلاميذ في بعض الولايات التي بلغ أقصاها الولاية الشمالية (12،1)% وأغلبهم ذكور، والبنات بالبحر الأحمر (11،9%) وبمتوسط (15%) في الفصول العليا و(9%) في الدنيا من الأول إلى الخامس، وبلغ إكمال الأساس في المتوسط (65%) ويتدنى بالريف إلى دون الـ(60%)، وقد أقرت الوزارة بأن الظاهرة تحتاج دراسة لمعرفة الأسباب.