حوارات

د. "علي الحاج" في اعترافات مثيرة لـ(المجهر) (٢-٢)

غياب الديمقراطية في السودان يهدّد بتفكّك الدولة وتفشي العنصرية والقبلية!!
التعويل على الصين خاطئ.. ومصالح (بكين) مع الغرب أكبر من (الخرطوم)!!
البندان (العاشر) و(الرابع) لا يليقان بالسودان في مجلس حقوق الإنسان.. وهذا انتصار بائس!!
عودتي رهينة بقرار (الشعبي).. ولسنا متهافتين على السلطة!!
دولة تحميها القوة العسكرية مصيرها السقوط والفشل!!

جنيف – يوسف عبد المنان

} لو عاد الزمان القهقرى إلى عام ١٩٨٩م.. هل ستشارك في التخطيط لانقلاب الإنقاذ؟؟
– الماضي لا يعود، وعودة الزمان القديم افتراض خاطئ وغير علمي، لكن تخطيط الحركة الإسلامية لانقلاب ١٩٨٩ بمنظور اليوم أعتقد أنه خاطئ تماماً، وخسرت فيه الحركة الكثير. لكن بمنظور ذلك الزمان كان صحيحاً.. لقد تعرضت الحركة لحصار سياسي ولاحت بوادر انقلابات شيوعية وبعثية، بل من داخل المؤسسة العسكرية حاول بعض الجنرالات إقصاء الحركة الإسلامية من الحياة  السياسية عبر مذكرة الجيش الشهيرة!!
} هذا تبرير الإسلاميين لانقلابهم على الديمقراطية قد يبدو مقنعاً لكم وحدكم؟؟
– أنا قناعتي الآن أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لحكم بلاد متعددة الثقافات والإثنيات.. غياب الديمقراطية في السودان هو السبب الجوهري في تفشي النزاعات القبلية والعنصرية التي تهدد الآن السودان أكثر من التمرد وأكثر من العامل الخارجي.. الناس تتجمع حول الأحزاب بمختلف قبائلها. لكن حينما غيبت الإنقاذ الأحزاب وحظرت نشاطها وعدّتها منكراً لجأ الناس إلى قبائلهم، وأول ضحية للجوء الناس إلى القبائل هي الإنقاذ نفسها.
} هل تعني أن الإنقاذ ضحية ما صنعت يداها؟؟
– ليس بهذه الدقة الوصفية.. لكن من الناحية العملية، كثيراً من التصدعات التي حدثت في جدار الحكم وفي الحركة الإسلامية كان بسبب غياب الديمقراطية.. ولا تقول لي يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في التنظيم وشمولية في الدولة.. الديمقراطية سلوك وقيم حضارية إذا لم يتشبع بها الفرد كتربية لا جدوى من  فرضها قهراً عليه.
} التجربة السودانية اتسمت في سلوكها بالقمع المادي للمعارضين وأسندت الدولة ظهرها إلى جهاز أمني قوي الشكيمة للدفاع عنها والتصدي لمن يستهدفون وجودها.. هل الظروف هي التي فرضت ذلك أم تلك طبيعة الدولة الإسلامية؟
– ليس هناك تصور واضح للدولة الإسلامية.. عهد الخلافة غير عهدنا هذا.. وتعرضت كل التجارب الإسلامية لاستهداف وإقصاء وعنف شديد.. العنف ليس من سمات الإسلاميين فهم ضحايا لعنف غيرهم.. انظر كيف واجهت التجربة الإسلامية في الجزائر المعسكر العلماني الذي كان يتربص بها.. كان حرياً بالسودان أن يقدم نموذجاً يطمئن الغرب بالإسلام الوسطي المعتدل.. ولكن الغرب لم يصبر علينا.. ثم بعض أخوتنا أخذتهم الانتصارات هنا وهناك بنشوة أعمتهم عن إبصار الحقيقة.. المشروع الإسلامي تحرسه الفكرة والقوى الشعبية لا البندقية والقوة المادية.. إذا سقطت الفكرة فإن السودان بالطبع لا يمكن مقارنته بأنظمة أكثر قوة منه.. الاتحاد السوفيتي مثالاً ومصر و”القذافي” في ليبيا. ينبغي لنا أن نقرأ لماذا سقط الاتحاد السوفيتي.
} بعض الإسلاميين يبررون استخدام القوة في الإبقاء على السلطة أو الوصول إليها بفقه الغلبة؟؟
– فقه الغلبة ليس مبرراً لاغتصاب السلطة والبقاء فيها على أسنة الرماح.. وفي نهاية الأمر إذا قررت أن تبقى في السلطة بالقوة سيتم نزعها منها بالقوة وإن طال الزمن.. الدوام لله وحده.. يجب أن يتدبر الإنسان أمره.. الحركة الإسلامية مستقبلها في الديمقراطية.. دورات الحياة لا تتوقف في جيل بعينه.. قد تخسر الحركة الإسلامية السلطة بعملية ديمقراطية نظيفة وتذهب للمعارضة وتعيد تدبير أمرها، ويكتشف الناس قيمتها في الطهر والنزاهة، فتعود محمولة على صناديق الانتخابات.. طبعاً أنا لا  أفترض في الإنقاذ النزاهة والظهر.. فهي نظام له أخطاء عديدة لا تخفى على أحد.
} أصبح المؤتمر الشعبي متهافتاً على الحوار أكثر من المؤتمر الوطني حتى فقدتم وجودكم في المعارضة.. وبعض قيادات المؤتمر الوطني يسخرون من تهافتكم هذا على الحوار؟
– الرئيس “البشير” هو من فتح باب الحوار الوطني ودعا إليه في خطاب الوثبة الشهير في فبراير الماضي.. ووجد منا الدعم والقبول باعتبار الحوار هو الخيار الوحيد الذي يجنب البلاد مأزق التغيير الدموي والانعطاف الحاد حول الصراع العسكري.. للمؤتمر الشعبي مؤسساته  في الداخل التي تصنع القرار، ولكني “علي الحاج” وافقت على كل ما جاء في خطاب الرئيس والتقيت المعارضين من حاملي السلاح وتحدثت إليهم عن ضرورة الاستجابة لدعوة الرئيس والإقبال على تفاوض (سوداني- سوداني)، لكن بكل أسف حدثت العثرات التي تحدثنا عنها، وقد تحدث إليّ بعض حاملي السلاح وقالوا كيف نضع السلاح ونفاوض نظاماً لم يطبق وجود المعارضة السلمية في الداخل، وضع “الصادق” في السجن و”إبراهيم الشيخ” وصادر الصحف واعتقل الناشطين بلا أسباب تبرر ذلك.. نحن لا نتهافت على الحوار من أجل السلطة، لكن ننظر إلى سوء المآلات التي تنتظر بلادنا في حال إصرار الأطراف على المضي في طريق العنف والمواجهات المسلحة.. لقد قدم المؤتمر الشعبي خيرة شبابه في الصراع مع النظام وفاضت السجون بمعتقلي الشعبي، لكن الآن أقبلنا على التفاوض والحل السلمي.. إذا كان بعض قيادات المؤتمر الوطني لا يبصرون المخاطر التي تحيق بالوطن فمسؤولية ضعف بصرهم لا تقع على عاتقنا نحن.
} المدرسة السودانية الإسلامية صبغت بالقانون ومن ينظر إلى المرجعيات الدراسية لرواد الحركة الإسلامية وقادتها هم في غالبهم من خريجي كليات الحقوق والمدرسة القانونية تعتمد على (أقبض).. (أطلق).. (أحبس).. ومدرسة أخرى كالتي تخرج فيها “راشد الغنوشي” الذي درس الفلسفة و”نجم الدين أربكان” الذي درس الهندسة في ألمانيا.. بينما “الترابي” و”محمد يوسف محمد” و”الرشيد الطاهر بكر” ولاحقاً “علي عثمان” و”أحمد إبراهيم الطاهر” من مدرسة القانون.. ما هو أثر ذلك على سلوك وممارسات الدولة وإسقاطاتها على التجربة؟؟
– الأثر البالغ على تجربة الإسلاميين في تونس ونجاحها الآن ليس في دراسة الشيخ “راشد الغنوشي” للفلسفة، ونجاح “نجم الدين أربكان” في تركيا لا بسبب دراسته للهندسة، لكن العامل المهم جداً هو سنوات الغربة والمنفى التي أمضاها “الغنوشي” في الغرب، تشبع فيها بقيم الديمقراطية والتسامح والإيمان العميق بالرأي والرأي الآخر.. من أسباب ضعف تجربتنا الإسلامية عدم انفتاحنا على الغرب.. وقد أيقن “الترابي” منذ وقت مبكر أن ثمة ضرورة للانفتاح على الغرب فأوفد مجموعة من الطلاب للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية ونال بعضهم الدرجات العليا في الغرب.. كل ذلك من أجل التمازج الحضاري والثقافي وانفتاح القيادات على حضارات أخرى.. ولكن طغيان المحلية وسطوة المؤسسة العسكرية والأمنية دفعت كثيرين إلى النأي بأنفسهم خشية الصراع والتصدع.. وبات الأمر بيد من يملك القوة.
} هذا تصديق وشهادة لصالح من يقول إن أي نظام عقائدي يرتدي عباءة عسكرية تموج في داخله صراعات ما بين أهل النظر وأهل الفعل؟
– الصراع الذي حدث كما قلت بسبب الديمقراطية.. هل نقبل على نظام تعددي ديمقراطي ونعترف بالأحزاب؟ أم نبقى نظاماً شمولياً قابضاً على السلطة حتى تنتزع منا؟ هذه أسباب الصراع.. أما قصة أهل الفعل والنظر فتلك خصائص موجودة في أي مجتمع.
} نحن الآن تحت قبة قصر الأحمر في جنيف.. ما بين العودة إلى البند (الرابع) والبقاء في البند (العاشر) يحتدم الصراع.. ويعدّ الوفد الحكومي أن المكان اللائق بحكومته تحت البند (العاشر) لكن المعارضة تتمنى وتسعى لإعادة السودان إلى البند (الرابع)؟؟
– لا البند (العاشر) يليق بالسودان ولا (الرابع).. إذا كانت الحكومة تعدّ الإبقاء على السودان تحت البند (العاشر) انتصاراً لها، فذاك بئس النصر.. وبئس الفكر.. وكلا البندين تحت عنوان عريض (الإجراءات الخاصة) بالدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم.. إذا بقينا في البند (العاشر)، وهذا هو الراجح، أو تقهقرنا إلى البند (الرابع) فإن بنود مجلس حقوق الإنسان لا تليق بشعب السودان.. يجب أن نخرج من ولاية الخبير الخاص من خلال إحلال السلام في بلادنا وإقرار نظام ديمقراطي تعددي، وأن نجعل سلطة الاعتقال للقضاء فقط، وتنتهي مسألة التدابير المؤقتة والإجراءات الاستثنائية.. لكن الفر والكر السنوي بين السودان والمجتمع الدولي سيبلغ يوماً الطريق المسدود.. وأنت تعلم كيف صبر العالم الغربي طويلاً على أنظمة كثيرة لكنه ظل يتربص بها حتى سقطت.. أية مواجهة مع مجلس الأمن ليست في مصلحة السودان.
} يمكن للسودان أن يصبح دولة مارقة على قرارات مجلس حقوق الإنسان مثل إريتريا؟
– إريتريا لديها أصدقاء كثر في الغرب، ومرضي عن نظامها من قبل دول عديدة إذا حاول السودان حذو حذو إريتريا ستذهب قضيته مباشرة إلى مجلس الأمن ويفرض عليه قرارات بموجب الفصل (السابع).. إريتريا لها علاقات مع إسرائيل.. نحن الآن نواجه عزلة حقيقية، والولايات المتحدة الأمريكية فرضت على المصارف التي تتعامل مع السودان عقوبات كبيرة.. لا توجد دولة تتحمل العقوبات الأمريكية من أجل السودان.
} ولا حتى الصين التي لها استثمارات كبيرة في السودان؟
– المصالح الصينية مع الولايات المتحدة الأمريكية أكبر وأهم من مصالحها مع السودان.. انظر إلى الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين.. ولماذا نعول أصلاً على غيرنا؟ يجب حل مشاكلنا التي بين يدينا.
} د. “علي الحاج” متى تعود إلى الخرطوم؟
– عودتي ليست قضية في حد ذاتها.. أنا هنا موجود في الخارج وفي السلطة الداخلية لديّ تواصل مع كل الناس.. الوقت الذي يقرر فيه المؤتمر الشعبي عودتي للبلاد سأعود، وإذا قدّر الحزب أن أبقى في الخارج لسنوات قادمة سأبقى.. على الصعيد الشخصي، قلت لكم لقد عفوت عن من ظلمني وفتحت صفحة جديدة.
} شكراً د. “علي الحاج” على الصبر على أسئلتنا.
– شكري لك ولكل الصحفيين السودانيين، فقد ساهمت الصحافة السودانية رغم الضيق والحصار الذي تعاني منه في تنوير الشعب بقضاياه.. فلكل حاملي القلم تحياتي وتقديري الخاص.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية