أخبار

الحوار بالداخل

بدا لي وكأن ثمة اضطراب في المتداول والمنقول بشأن الوساطة الأفريقية (آلية أمبيكي) في القضية السودانية، فالراصد لاتجاهات الأخبار وتوثيقاتها يلحظ بوضوح خلطاً مريعاً بين موقفين، الوساطة لها جهدها في مسار نشاطها في ملف العلاقة بين “السودان” و”جنوب السودان” وهذا لا خلط فيه، وهي من بعد تحضر وإشرافها كشاهد ورقيب على ملف المنطقتين من حيث إجراءات التفاوض وسيره ومخرجاته، ثم أتت في سياق التطورات الأخيرة مسألة حضورها كمتعاون بالبر والمعروف في قضية الحوار الوطني والتي تداخلت في بعض الخيوط وقضية مشروع السلام بـ”النيل الأزرق” و”جنوب كردفان” و”دارفور” لارتباطات الأطراف المسلحة من حيث التكتيك بتحالف يؤثر أحياناً بشكل سالب على جهود التسوية بالتفاوض مع الحكومة مما استدعى تفعيل التواصل حول القضايا السياسية ليكون منبر الداخل (الحوار الوطني) ساحة لها، بينما تظل القضايا والأجندة المرتبطة بترتيبات السلام من حيث قضايا الشأن الإنساني ووقف إطلاق النار وكيفية تخصيص حصة في السلطة أو ما يسمى بالترتيبات السياسية للأطراف المنخرطة في قضية السلام لاحقاً،
الذي يحدث أن خلطاً مريعاً يقع الآن بحيث يتم الحديث عن حوار بالخارج وهذا غير دقيق وغير صحيح خاصة للأمور المرتبطة بالحوار الوطني حول قضايا الحريات وموضوعات المعتقلين السياسيين وشؤون التسوية السياسية بين الأحزاب السودانية وهموم وشواغل الوطن في قضايا الاقتصاد والهوية وكلها بالإجمال أجندة لا سبيل لمناقشتها والتداول بها إلا داخل الوطن في ظل إرادة سودانية كاملة النقاء وبين الأطراف كافة دون وصاية من أي طرف أجنبي مهما نقت سريرته، وأي قول بنقل هذا المنشط لمنصة خارجية برعاية الاتحاد الأفريقي أو “الأمم المتحدة” سيكون تطوراً سالباً وقاتل للفكرة من أصلها، وسيظهر الأطراف السودانية قاطبة وكأنها بلا قرار، وأعتقد أن هذا التوجه مرفوض من الحكومة وغالب الأحزاب بمن فيها أحزاب المعارضة، وبالتالي فالمطلوب قول فصل حتى لا يتحول الأمر من أخبار مبتورة السياقات ومجهولة المصادر إلى رأي يتحول شيئاً فشيئاً إلى موقف جديد!
الجانب الآخر الذي أقرت له السوابق والقرارات الأممية وموجهات المجالس الإقليمية الوساطة والشهادة هو مشروع السلام والتفاوض عبر منبري (الدوحة) و(أديس أبابا)، “دارفور” للأولى والمنطقتان للثانية، وكل مسار له خصوصيته وترتيباته ومواثيقه التي ترسم حدود المطلوب والمنفذ، فـ(وثيقة الدوحة) هي المرشد لبقية الحركات التي قد ترغب في الوصول للتفاوض عبر عملية إلحاق أو أية تدابير تفتح المنبر لتسوية إضافية مع أي فصيل، وفي “أديس أبابا” فبعد ست جولات تتقدم وتتأخر لم يعد مناسباً وممكناً التراجع إلى نقطة الصفر حول مسمى جديد لقضايا أخرى.
مطلوب الآن وبشكل سريع موقف واضح وحاسم بشأن هذا الجدل وسد الفرج على شياطين تلوين المشهد العام وتحريف الكلم والمقاصد ولئن كانت “قطر” قد تحفظت بالمطلوب أن يعلن “السودان” رفضه لفك وتفكيك المنابر التفاوضية، وقبل ذلك يؤكد على أن الحوار بالداخل و(جوة) البيت.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية