تقارير

الحوثيون.. حلم ماضي (الإمامة) يجابه تغيرات المنطقة

اعدها : صلاح مضوي
شكلت سيطرة جماعة الحوثيين اليمنية على الأوضاع في اليمن منعطفاً تاريخياً كبيراً، تداخلت معه أوضاع اللعبة السياسية الداخلية في اليمن مع تجاذبات الأطراف الإقليمية التي لم تكن بمعزل عن ما يجري في هذا البلد الذي دخل منظومة دول الربيع العربي عقب الإطاحة بنظام الرئيس “علي عبد الله صالح”.
تقدم سريع :
وفي الشهر الماضي استغلت الجماعة التي تعرف رسمياً باسم “أنصار الله” قراراً للحكومة برفع أسعار الوقود ونظمت احتجاجات بمشاركة آلاف الأشخاص، ولم يطالبوا فحسب بالتراجع عن ارتفاع أسعار الوقود، بل طالبوا أيضاً باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة أكثر شمولية، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف عندما اندلعت اشتباكات مع قوات أمن قال الحوثيون إنهم متحالفون مع لواء جيش سني يعتبرهم كفاراً،
وركز (الحوثيون) هجومهم على مقر الفرقة الأولى مدرع والتي وصفوها بأنها موالية لأطراف سنية، وسيطروا على مقرها كما استولوا على دبابات ومعدات عسكرية أخرى وهاجموا أيضاً جامعة دينية يديرها الشيخ “عبد المجيد الزنداني” وهو شخصية سنية أخرى على صلة بحزب (الإصلاح الإسلامي)، وبينما كان الحوثيون يشقون طريقهم نحو المنشأتين في شمال صنعاء استسلمت المؤسسات الحكومية دون قتال، واعتقد بعض اليمنيين أن حكومة “هادي” تواطأت حتى يهزم الحوثيون شخصيات يعتبرهم هادي تهديداً له.
شكوى التهميش
وتجنبت النخبة السياسية في اليمن الحوثيين لفترة طويلة. وشكا الحوثيون من عدم إشراكهم في اتفاق لنقل السلطة تم بوساطة خليجية بعد الاحتجاجات التي أرغمت الرئيس “علي عبد الله صالح” على التنحي في عام 2012 لصالح نائبه السابق “عبد ربه منصور هادي”، وخلال الشهور القليلة الماضية خاض الحوثيون سلسلة معارك ناجحة في معقلهم الشمالي ضد ميليشيات سنية منافسة وقوات متحالفة موالية لحزب الإصلاح الإسلامي السني ليصلوا إلى أطراف العاصمة.
ويشكل الشيعة (الزيدية) (30%) من سكان (اليمن البالغ) عددهم (25) مليون نسمة وكانوا قد حكموا مملكة هناك لمدة (1000) عام، ويشكو (الشيعة) من تعرضهم للتهميش منذ الإطاحة بآخر ملوكهم في صنعاء في ثورة عام (1962)، وحارب الحوثيون الذين سموا على اسم مؤسسهم من أجل المزيد من الحقوق للشيعة في اليمن، ويُنظر إلى الحوثيين على أنهم حلفاء لإيران القوى الشيعية الرئيسية في المنطقة والعدو الأبدي للمملكة العربية السعودية ولدول أخرى في الخليج التي تقودها أسر حاكمة سنية.
و(حركة أنصار الله) الحوثية كانت تسمى بحركة الشباب المؤمن هي حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من صعدة مركزاً رئيسياً لها، عرفت باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها (حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام (2004) ، ويعد الأب الروحي للجماعة. تأسست الحركة عام (1992)، نتيجة لما يشعرون أنه تهميش وتمييز ضدهم من الحكومة اليمنية.
وتنتمي قيادة وأعضاء الحركة إلى المذهب (الزيدي)، والصراع بين (الحوثيين) و”علي عبد الله صالح” وأركان نظامه لم يكن صراع قبائل مختلفة، وبالرغم من أن الحركة تُقاد من قبل شخصيات زيدية كاريزماتية، وتستلهم وجودها من التراث الزيدي اليماني، فهي ليست تحدياً طائفياً للحكومة اليمنية ولا مظهر محلي من مظاهر الهلال الشيعي العابر للقوميات، بل هو صراع بسبب عدم الرضا المحلي عن سياسات النظام الداخلية والخارجية، والتقاء هذا الضيق مع الشعور باستهداف متعمد للمذهب الزيدي ورموزه وتاريخه في اليمن، وهم كانوا يعتبرون رأس حربة المعارضة الأكثر تهديداً لعلي عبد الله صالح.
وكان الحوثيون الشيعة عززوا مواقعهم بتوسيع رقعة انتشارهم العسكري من جبالهم النائية في شمال غرب اليمن في اتجاه صنعاء، حيث سيطروا على معظم المنشآت السياسية والعسكرية قبل توقيع اتفاق للسلام كمجموعة مسلحة قوية تمثل ظاهرة تتداخل فيها عوامل طائفية وقبلية وسياسية وتاريخية.
ويطلق على هؤلاء المتمردين الذين ينتمون الى المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهياً من السنّة، والذين يقال إنهم متقاربون عقائدياً مع المذهب الشيعي الاثني عشري، اسم الحوثيين تيمناً بزعيمهم الروحي الراحل “بدر الدين الحوثي” ونجله “حسين الحوثي” الذي قتلته القوات اليمنية في (2004).
ويتخذ الحوثيون حالياً بشكل رسمي اسم (أنصار الله)، إلا أن الكيان السياسي الأول الذي أسسوه كان حركة الشباب المؤمن الذي ظهر عام (1992) كتجمع سياسي مندد بـ”التهميش” الذي يعانيه سكان شمال غرب اليمن، معقل الزيديين الذي يشكلون نسبة ثلث السكان في اليمن تقريباً وخاض الحوثيون بين (2004 ) و(2010) ستة حروب مع صنعاء خصوصاً في معقلهم الجبلي في صعدة، كما خاضوا حرباً مع السعودية بين(2009) ومطلع (2010 ) في أعقاب توغلهم في أراضي المملكة.
الإمامة من جديد :
وتعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الإمامة الزيدية مع تأكيد آل الحوثي انتماءهم الى (آل البيت) وانتسابهم إلى إرث أئمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال الف عام تقريباً
واستمر حكم الائمة في شمال اليمن حتى (1962) حين أطاحت بالإمام “البدر” ثورة تهيمن عليها شخصيات سنيّة واستمر الصراع في السبعينات بين انصار الزيديين والجمهوريين السنّة، لكن “علي عبد الله صالح” حكم اليمن اعتباراً من العام (1978) وأقام الوحدة مع دولة اليمن الجنوبي الاشتراكية، ثم قمع في 1994محاولة قادها جنوبيون للانفصال مجدداً، كما خاص ستة حروب مع الحوثيين، لا سيما من خلال حلفائه في تجمع (حاشد) القبلي وزعمائه آل الأحمر
ورغم الطابع الطائفي لحركتهم، يقيم الحوثيون شبكة علاقات تتخطى الإطار الزيدي الشيعي، بنسجهم تحالفات مع قبائل زيدية وسنية معادية لتكتل حاشد القبلي النافذ وخصومهم الأبرز “آل الأحمر” وتمكن الحوثيون من اغتنام النقمة التاريخية على نفوذ “آل الأحمر” ضمن حاشد وفي شمال اليمن، مع العلم أن (حاشد) طالما اعتبرت الدعامة الأقوى للحكم في صنعاء.
وسيطر الحوثيون في (2014) على معاقل “آل الأحمر” في محافظة عمران بشمال اليمن، كما استطاعوا أن يحدثوا تغييراً في صورتهم مع مشاركتهم في شكل فعال في الانتفاضة الشعبية ضد نظام صالح في (2011)، وعبر رفع لواء مناهضة سيطرة تكتل حاشد على الحياة السياسية ويتعرض الحوثيون لاتهامات بالانصياع إلى سياسة إيران وتلقي الدعم من طهران، لا سيما من جانب الرئيس “عبد ربه منصور هادي”، لكنهم ينفون ذلك، ويتخذ الحوثيون من العداء للولايات المتحدة وإسرائيل واليهود عنوانا لشعاراتهم السياسية، كما تهيمن القضية الفلسطينية على خطابات زعيمهم الشاب “عبد الملك الحوثي”، ويبدو جلياً تأثر الحوثيين بأسلوب “حزب الله” اللبناني  في التواصل الإعلامي والشعبي.
وكان رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “التجمع اليمني للإصلاح” الذراع المحلية لجماعة (الإخوان المسلمين) في اليمن، وجه رسالة إلى أنصار الحزب، دعاهم فيها إلى عدم الانجرار للصراع المذهبي وتكرار تجارب العراق وسوريا، في ظل سيطرة الحوثيين الشيعة على الأمور بصنعاء، في حين برزت تغطية الأحداث في وكالات الأنباء الإيرانية التي رأت أن السعودية متخوفة من “انتقال الثورة إليها- وفقاً لتعبيرها.
ويشير مراقبون إلى أنَّ ما يحدث في اليمن هو صراع إقليمي يضع طرفيه إيران والسعودية مجبرتين على التفاوض في ملفات المنطقة، وهو ما حدث بالفعل حيث التقى وزيرا خارجية البلدين في نيويورك على هامش أعمال الأمم المتحدة، وأعلنا في اللقاء اتفاقهما على مكافحة الإرهاب، ولكن من الواضح أن الطرفين سيضعان كروتهما على الطاولة ومن ثم تحدث تفاهمات تشمل الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فيما يخسر الطرف المحلي في اليمن ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين معركته هناك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية