محمية الدندر.. سحر الطبيعة الثرة وأناقة الأرض البكر
رحله في أعماق الدهشة
الدندر – قلقو – يوسف بشير
{ أين تنوي قضاء إجازتك الصيفية؟
إذا أردت أن تقضي لحظات من المتعة والراحة والاستجمام بعيداً عن ضجيج وصخب المدينة فما عليك لا الاتجاه شطر محمية الدندر السياحية، وهناك ستجد الطبيعة بسحرها في انتظارك لتأخذك إلى عوالم الدهشة والإبهار، وهذا بالفعل ما عشناه خلال جولة صحفية قمنا بها مؤخراً إلى تلك المحمية المحتشدة بكل الجمال.
بدأت رحلتنا إلى المحمية من مدينة الدندر التي غادرناها عند الثانية عشرة ظهراً.. الطريق إليها يحفه عدد من القرى الواقعة على ضفاف نهر الدندر.. مشهد أطفال القرى وهم يمرحون في فضاءاتها يجعل النفس ترتحل فوق سماوات الخيال لتكتشف أن البراءة دهشة، فهؤلاء الصبية في عدد من القرى يلعبون كرة القدم نهاراً رغم لفح الشمس الحارقة، ووعورة الأرض.. حلقنا مع الأطفال في أجواء من الفرح والسعادة إلى أن وصلنا مدخل المحمية مع رحيل آخر شعاع للشمس.. المدخل يسمى (معسكر السنيط) وهو عبارة عن مكان لاستقبال الزوار والسياح، بجانب وحدة أمنية للتأكد من صحة إجراءات القادمين وحصولهم على تصريح الزيارة من رئاسة المحمية.. وصلنا المنطقة السياحية (قلقو)، وكان يرافقنا في تلك الرحلة أفراد من شرطة الحياة البرية الذين التقيناهم في قرية (أم بقرة) وهي تقع علي مشارف المحمية.. نزلنا في أحد (النزل) السياحية المشيدة بالطريقة التقليدية وهي عبارة عن بناء دائري من الطين والطوب سقفها يأخذ شكلاً مخروطياً وهي أشبه بـ(القطية).
{ دهشة الجمال
تعد حظيرة الدندر من أهم المعالم الأثرية بالسودان، يقصدها السياح من مختلف بقاع العالم، حيث إن مساحتها الكبيرة مهيأة لجعلها أفضل المحميات الطبيعية في العالم، وبدأت الحظيرة في مساحة تقدر بحوالي (2470) ميلاً مربعاً جنوب مدينة الدندر وتمت توسعتها لتصل إلى (3500) ميل مربع.. تلك المساحة الشاسعة يتخللها عدد من المجاري المائية مثل (قلقو)، (كنانة)، (أبو مساويك) و(العطيش) وعشرات الميعات مثل (ميعة رس عامر)، (مبروك)، (سمبريو)، (بيت الوحش)، (عبد الغني)، (السمعاية)، (الخليفة) و(الدبكرة).. هذا غير عدد كبير من التلال الخضراء تتوسط المحمية لتعطيها رونقاً أخاذاً منها (جبل أبو البشر)، (جبل مجن)، (مرافعة)، (مقنو)، (الحمر) و(الشاوات)، وغابات من أشجار (الدوم)، (الهبيل)، (الكتر)، (السدر)، (الدبكر)، (الطلح) و(الهجليج)، وحيوانات تمرح في أراضيها المخضرة مثل (الزراف)، (غزال التيتل)، (الجاموس)، (الغزلان)، (الأسود)، (الفهود)، (البعشوم) و(النعام).
{ ملك الغابة
في الصباح الباكر تجولنا داخلها فأبهرتنا بتنوعها الحيواني فها هو ملك الغابة الجبار يفترس أمامنا غزالاً كان يسرح في وداعة حالمة ليأكل منه (الكبد والقلب) ويترك ما تبقى للطيور، ويذهب ليغازل محبوبته (اللبوة) ويحمي صغاره.. وهذا جاموس يعرج من الجرح بعد أن انبرى من رفقائه لخوفه من أن ينبذوه.. وتلك قطعان الغزلان المتنوعة بين (التيتل) و(الكتنبور) و(الباشمات) تمرح في سعادة متناهية بعيداً عن عيون الصيادين (الصيد الجائر).. وتمتد مشاهداتنا حيث نرى الزواحف والتماسيح والأسماك بأنواعها المتعددة على ضفاف البحيرات وهي تتقافز في محاولة لكشف ما يدور خارج الماء.
{ ينابيع السحر
أدهشنا سحر الطبيعة الخلابة، فعلى مد البصر أشجار نخل الدوم تعانق أشجار الطلح والهجليج، وبين الأعشاب والشجيرات تشاهد القرود وهي تلوح بأيديها مرحبة بالزائرين وإن كانت تطمع في صيد منك.. تلك الأشجار تنمو في أرض منبسطة تتنوع تربتها بين طينية زرقاء (بدوبة) ورملية رمادية (قريرة)، يتجمع المطر في أجزاء منها مكوناً ميعات وبرك ومستنقعات مائية مثل (ميعة عامر)، (ميعة قريقرصة)، (ميعة موسي)، (ميعة عين الشمس).. تلك البرك لا تجف فيها الماء طوال العام، فتشاهد الطيور تلتف حولها في تناغم بديع، وهذا (البجع الأبيض) أتى هارباً من صقيع أوروبا إلى شمس أفريقيا الدافئة فاختار محمية الدندر ملاذاً له.. أما أسراب (دجاج الوادي) فهي تسبح هادئة قرب طيور (الحبار).. وتضم المحمية أكثر من (270) نوعاً من الطيور المهاجرة والمستوطنة.
{ جهود مقدرة
تقوم شرطة الحياة البرية المكلفة بحماية المحمية بجهود مقدرة، فهي ترعى الحيوانات وتوفر لها المناخ المناسب للعيش بسلام، كما توفر الحماية للسياح والزائرين.. وعند دخولنا بعد أن عبرنا منطقة (السنيط) إلى (قلقو) شاهدنا في منتصف الطريق عدداً من جنود الحياة البرية يقومون بتنظيف الطريق بعد أن هوت شجرة عتيقة أعاقت السير فيه.