تقارير

الجُبّة الخضراء في دار السلفيين

بعد طرد الملالي أنصار السنة والصوفية الغزل العفيف من وراء حجاب …!!
الخرطوم – الهادي محمد الأمين
تنطلق صبيحة اليوم (السبت) مداولات مؤتمر وحدة العمل الإسلامي الذي تنظمه جماعة أنصار السنة بالمركز العام للجماعة بحي السجانة – الخرطوم جنوب – بمشاركة واسعة من الأطياف الدعوية ممثلة في الإخوان المسلمين – الحركة الإسلامية – حزب التحرير – هيئة علماء السودان – مجمع الفقه الإسلامي – هيئة شئون الأنصار – طائفة الختمية والطرق الصوفية وتيارات السلفية الحديثة، بجانب ممثلين للقوى السياسية ومنظمات العمل الطوعي والاجتماعي. ويهدف المؤتمر الجامع الذي تشارك فيه كل هذه الفعاليات لإيجاد آليات عملية لتحقيق الوحدة الإسلامية على أرض الواقع بين المكونات الدعوية والعمل على رسم المشهد الديني بعد التوافق والتراضي على برنامج حد أدنى، أو البحث عن صيغة وفاقية تجمع توليفات العمل الإسلامي لمواجهة التحديات المحيطة بالبلاد بعد إقدام السلطات السودانية بطرد الملالي المعممين وإغلاق المركز الثقافي الإيراني، في خطوة وجدت الترحيب من كافة الفصائل التي تعمل في الحقل الدعوي فيما فيها السلفية – الحركية الإسلامية والطرق الصوفية. ويأتي هذا الملتقى لتأكيد وتدعيم الخط الحكومي بالحد من انتشار المد الشيعي وفرملة الدور الإيراني المتنامي بالبلاد، ويشرف المؤتمر عدد من الدستوريين والوزراء وسفراء دول الخليج العربي المعتمدين بالخرطوم.
كوزنة السلفية
بدا للمراقب أن ثمة تغييرات وتحولات كبيرة طرأت على الساحة الداخلية لجماعة أنصار السنة خاصة في محاولتها التكيف مع الاتجاهات الحديثة والتأقلم والتعاطي مع الشأن السياسي بكثافة، بجانب المرونة في التعامل مع القوى المناوئة والمخالفة لها في الفكر والرأي والمنهج بجانب طرح مبادرات جريئة فتحت لها النيران من أعضائها قبل أعدائها، وجلبت عليها سخط منسوبيها الذين ينظرون بشيء من الريبة والشكوك بل والمخاوف مما أسموه (كوزنة الجماعة السلفية). وظهر للعيان كيف أن الجماعة رفعت سقف مشاركتها في أجهزة الحكم والسلطة للمستويات الاتحادية، واختارت الدولة ممثل الجماعة “محمد عبد الكريم الهد” وزيراً مركزياً لوزارة السياحة والآثار والحياة البرية، بعد أن كانت مشاركة الجماعة بتمثيل رمزي من وزير دولة فما دون من غير أن تشكل الجماعة حضوراً على صعيد مجلس الوزراء في سابقة نادرة بالقارة الأفريقية بوصول قيادي سلفي وزحفه نحو قمة الجهاز التنفيذي. ولم تتوقف مبادرات الجماعة عند هذا الحد فقد دخلت امرأة سلفية منقبة تتبع لأنصار السنة وهي “بلقيس أحمد التيجاني” لعتبات المجلس الوطني وفازت ضمن الكوتة النسوية لدوائر المرأة بالبرلمان الاتحادي، في وقت تساقط فيه مرشحو الجماعة من الرجال مثل الأستاذ “محمد أبوزيد مصطفى” الذي خسر الدائرة (2) الكاملين الغربية (المعيلق الجغرافية) في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني “حسب الرسول الشامي”، وتفوق الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” على نائب الجماعة السلفية “علي محمد علي العمدة” في الدائرة الثالثة القولد الجغرافية. واكتسح “معتصم جعفر” الدائرة (4) الحصاحيصا الشرقية في مواجهة مرشح أنصار السنة “مامون علي عطا المولى” بينما استطاعت امرأة سلفية الوصول للمجلس التشريعي لتجلس جنباً إلى جنب مع “بدرية سليمان” و”سعاد الفاتح البدوي” و”سامية أحمد محمد” كأول امرأة سلفية تصل لهذا الموقع الرفيع، في قضية صاحبها الكثير من الجدل الفقهي واللغط باعتبارها من الموضوعات الممنوعة التي تحوم حولها الكثير من المحاذير الشرعية.
حركة شعبية (وي ياي) 
التطورات في اتجاهاتها الموجبة لدى الجماعة السلفية التي ينظر لها البعض بعين الدهشة أحياناً والريبة التي تصل للصدمة، اتصلت بموقف أنصار السنة من الحركة الشعبية على غير عادة السلفيين في التعامل مع هذا الملف الشائك والمعقد. ففي وقت كفّر فيه علماء الرابطة الشرعية كل من ينضم للحركة الشعبية أو يعلن انتماءه لقطاع الشمال، وتبرؤ هؤلاء الدعاة من اتفاقية “نيفاشا> للسلام الشامل 2005م، اعترفت الجماعة ببروتوكولات السلام ودعت قادة الحركة الشعبية لزيارة مقرها العام بالسجانة، وكان على رأس هؤلاء “إدوارد لينو”،”ياسر عرمان”، “دينق ألور” و”باقان أموم”، بينما نظم زعيم الجماعة الراحل “شيخ الهدية” حفل عشاء (مدنكل) بداره بحي المهندسين بأم درمان على شرف وفد الحركة الشعبية بمن فيهم “منصور خالد” مع ذات الأسماء الواردة مسبقاً، بل وصل إعجاب قائد الحركة الشعبية “جون قرنق” بالجماعة السلفية لحد طلبه للمفاوض الحكومي وتحديداً النائب الأول وقتها “علي عثمان” دعوة “شيخ الهدية” للمجيء لنيفاشا، وبالفعل تم تنفيذ رغبة” جون قرنق” وحط شيخ الهدية رحاله بنيروبي ثم بنيفاشا ضمن الوفد الاستشاري لمباحثات السلام، والتقى شيخ “الهدية” بـ”جون قرنق”. وقال الشيخ “الهدية” في حفل استقبال أقامه المركز العام للجماعة السلفية، إنه دعا “جون قرنق” لزيارة مقر الجماعة ووافق الرجل على دعوة شيخ “الهدية”، غير أن الموت المفاجئ عاجل “قرنق” الذي لم يستطع تلبية الدعوة.
والشاهد أن انفتاح الجماعة وصل حتى لأمريكا حينما ظهر القائم بأعمال سفارة واشنطن بالخرطوم السفير السابق “جوزيف استافورد” وهو يصافح الشيخ “إسماعيل عثمان” بدار الجماعة بالسجانة في موقف مثير ومدهش لدرجة كبيرة، فتحت على الجماعة أبواباً من النقد والتجريح غير أن قيادتها بررت زيارة الدبلوماسي الأمريكي واعتبرتها أمراً عادياً. وقال الشيخ “إسماعيل عثمان” إن الجماعة دعت “جوزيف استافورد” لاعتناق الدين الإسلامي وأهدته نسخة من المصحف الشريف وأعداداً من مجلة (الاستجابة) لسان حال الجماعة.
الجُبّة المرقعة
غير أن التحولات والتغييرات لم يتوقف قطارها عند هذه الحدود بل ربما تكون لامست المحظور في نظر بعض السلفيين، حينما طرحت الجماعة بيروسترويكا جديدة أو روشتة أخرى في التعامل مع خصومها التقليديين والتاريخيين، من طبقات الطرق الصوفية الذين كانوا يبادلون الجماعة العداء، وتسري بين الحين والآخر القطيعة التي وصلت لحد استخدام العنف والتعدي والهجوم بالأسلحة البيضاء. وتزداد سخونة الكراهية في الأجواء المشحونة بالتوتر في المواسم الدينية خاصة أثناء الاحتفالات بأعياد المولد النبوي الشريف، ففي العام 2102م وقع هجوم بالأسلحة البيضاء من قبل مجموعات تنتمي للطرق الصوفية على مخيم أنصار السنة بميدان المولد بحوش الخليفة في أم درمان، أدى لجرح بعض منسوبي الجماعة حيث نقل المصابون لتلقي العلاج بمستشفى أم درمان، بجانب وقوع خسائر مادية تمثلت في إتلاف مكبرات الصوت وجهاز المايكروفون وحرق صيوان الجماعة وتحطيم الكراسي. وتردد وقتها أن بعض أتباع الطرق الصوفية برروا الهجوم على أنصار السنة كرد على ما تم في شرق النيل، حينما قام مجهولون بالتعدي على ضريح ومقام الشيخ “إدريس ود الأرباب” والمقابلي بمقابر العيلفون. وانتقلت الحادثة من المركز للولايات وتكرر الهجوم على الجماعة السلفية من قبل ملثمين قدر عددهم بـ(60) شخصاً، اشتبكوا مع أنصار السنة بمجمع الإمام مالك بقرية أم عشوش بالقرب من زريبة الشيخ “عبد الرحيم البرعي”. وأسفر الحادث عن وقوع جرحي خلال الاشتباكات الدامية تم إسعافهم بالمستشفى الكويتي بالخرطوم، وحاول المعتدون سكب البنزين واضطرام النيران داخل المسجد لكن تدخل الشرطة حال دون تنفيذ الخطة، ومن يومها حاولت الطرق الصوفية الضغط على الحكومة لمنع أنصار السنة من دخول ساحة المولد النبوي الشريف نظراً لأن وجود الجماعة السلفية يمكن أن يحدث فتنة دينية أو صراعاً طائفياً بين جانبي النزاع. ومن حينها بدأت الجماعة السلفية تسير في طريق المهادنة وتهدئة الأوضاع واحتواء الموقف العدائي عبر طرح سياسة جديدة تدعو الطرق الصوفية للحوار مع السلفيين وفتح أبواب مشروع الحوار الفكري بديلاً لمنهج العنف عبر خطاب ديني جديد، وأصبح الرئيس الحالي للجماعة الشيخ “إسماعيل عثمان” يشكل رأس الرمح لهذه المبادرة رغم وجود تيارات داخلية قوية تحاول إجهاض هذه المساعي التي فسرت بأنها تمثل ضعفاً من قبل الجماعة وتنازلاً وتفريطاً، غير أن قيادة أنصار السنة رأت أن سياسة الموادعة والمهادنة من شأنها قطع الطريق أمام أي مخطط يهدف لضرب المشهد الدعوي وحدوث صدام بين الصوفية وأنصار السنة، ودعا “إسماعيل عثمان” الطرق الصوفية للتحدث من داخل خيمة الجماعة، بل مضى أبعد من ذلك حينما استعدَّ الجماعة للجلوس مع الصوفية والجماعات الإسلامية الأخرى للتوقيع على ميثاق يدعو للدعوة إلى الله بالحسنى والإلفة واللين، معتبراً أن ما يثار عن وجود عداء مع الصوفية مجرد إثارة تخالف الواقع من خلال علاقاتهم الاجتماعية الحميمة مع قيادات الطرق الصوفية بالسودان. وأعلنت الجماعة تبرؤها من نبش الأضرحة وحرق مقامات شيوخ الطرق الصوفية.
مؤتمرات أم مؤامرات ؟
ومن الواضح أن منبع الروح العدائية لم يخلُ من التداخلات الخارجية، فما يثار في همس المجالس أن إيران تقوم بدعم بعض الطرق الصوفية لتحجيم ومحاصرة التمدد السلفي في البلاد، بينما تشكل السعودية وبعض دول الخليج العربي مصدراً مسانداً للجماعات السلفية لمحاربة الشيعة والتصوف، مما يعني أن الصراع الديني يجتاح البلاد ويعبر عن حالة إسقاط وحديقة خلفية لصراع إقليمي بدأت مضاعفاته تظهر في الساحة السودانية، فالبعد الخارجي يصعب معه تفكيك أو حلحلة الصراع حيث تستقر الحالة الدينية بشكل متعادل عبر موازين قوى تشمل طرفين متناقضين، ومع ذلك حرصت الجماعة السلفية في إفطارها الرمضاني على دعوة رجالات الطرق الصوفية (التيجانية – السمانية – القادرية) بجانب الختمية، وفي المقابل ردت بعض الطرق الصوفية التحية بأحسن منها فلبى دعوة الجماعة الشيخ “محمد حسن الفاتح قريب الله” المرشد العام للطريقة السمانية القريبية الطيبية، والشيخ “الصادق” الصائم ديمة شيخ الطريقة القادرية وغيرهما من القوم أهل السجادة، غير أن الصوفية ربما نظروا للقضية وقرأوها من زاوية أخرى، بحيث أن المسألة لا تعدو كونها استقطاباً أو تجنيداً مثلما جرى في كسلا مركز ثقل الطريقة الختمية التي تحولت إلى منطقة تسيطر عليها جماعة أنصار السنة، لدرجة أن من يزورون جبال التاكا ومرقد السيد حسن أبجلابية ومياه توتيل كبرنامج سياحي وليس طلباً للبركة مثلما كان عليه الحال في السابق. وهذه المخاوف لها ما يسندها في أرض الواقع حيث استطاعت الجماعة السلفية اختراق الكثير من البيوتات الطائفية، وجذب العديد من أقطاب الطرق الصوفية لصالح تعاليم الجماعة. وفي رمضان الماضي أقامت الجماعة إفطارها السنوي بزريبة الشيخ “البرعي” وسط حضور كثيف من المواطنين وها هو المركز العام يتهيأ اليوم لاستضافة التنظيمات الإسلامية وقيادات الطرق الصوفية ورموز الحركة الإسلامية، في مؤتمر جامع يناقش قضية الوحدة الإسلامية بعد خروج الشيعة من ميدان الدعوة، لتنفرد الجماعة – التي خلا لها الجو – بمبادرتها في رسم الخارطة الدعوية وهندسة المشهد الديني وإعادة هيكلته بشكل جديد. فهل تجئ هذه الفعالية كمنجزات ومكتسبات سياسية اتساقاً مع الواقع الحالي، أم أن القضية دينية بلا أبعاد سياسية ؟ الإجابة تتحدد بشكل قاطع اليوم حينما تنتهي جلسات الملتقى، ويتم إصدار البيان الختامي والتوقيع على ميثاق الوحدة بمقر الجماعة السلفية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية