حوارات

أمين أمانة الاقتصاد بالمؤتمر الوطني "د. حسن أحمد طه" لـ(المجهر) (2/2)

شاركت في السياسات الاقتصادية وأتحمل وزري في إخفاقاتها!!
لست راضياً عن حال الاقتصاد.. وقد أختلف مع الحزب في بعض السياسات!!
“حمدي” لم يُعطَ فرصة لاعتبارات سياسية!!
الإنفاق الحكومي لا يشبه ظروف الدولة.. وهذه سياساتنا من كان له رأي فليطرحه!!

حوار – نجدة آدم بشارة

{ اقتصاديون بندوة أقامتها حماية المستهلك قالوا إن هنالك (6) مليارات دولار في السودان وخارج سيطرة المصارف.. ما هي الأبعاد الاقتصادية لذلك؟
– هذا الحديث تحديداً قاله “عبد الرحيم حمدي” وأعتقد ظل يقول هذا الكلام منذ فترة طويلة، وهذا واضح لأن (أنت ما عندك نقد أجنبي لكن الأشياء المستوردة لم توقف).. البقالات والصيدليات ممتلئة.. الناس تعتقد أنه لا يوجد دواء لكن أدوات التجميل (مالية) الصيدليات أكثر من الدواء.. هذا يعني أن هنالك نقداً أجنبياً ليلبي كل هذا الطلب، ويوجد من لديهم (قروش) ويشترون هذه الأشياء.. النقد الأجنبي مكون من موارد المغتربين وحجمهم أعتقد كبير (عندهم قروش.. لكن حايمة في السوق الأسود) لأن سعره ليس متماشياً مع السعر الرسمي.
{ وهذا خلق إشكالية أليس كذلك؟
_ صحيح، اليوم عندنا أربعة أسعار للدولار، وفي ظل التعدد في الأسعار إذا كان هناك مغترب عنده دولار في السوق الأسود سعره (9) جنيهات في السوق الأسود في حين سعره الرسمي (5) جنيهات، فمؤكد المغترب سيلجأ إلى السوق الموازي، وتكون بذلك قيدت الصرافات وهذا أدى إلى ذهاب الدولار إلى طلب السلع المستوردة (دي بتدخل السودان بأي سعر).. هناك فئات لديها قوة شرائية عالية ويمكن أن تشتري الدولار بأي ثمن، لذلك لا بد من معالجة قضية سعر الصرف وهي الحل (وقبل كدا) كان موجوداً، وكان هناك سعران، بنك السودان حرك السعر الحقيقي مقابل السوق الأسود فتلاشى الفرق بين السعرين، لكن سلبيات هذه الطريقة أنها تؤدي إلى رفع سعر السلع المدعومة.. اليوم (أي حاجة) تشتريها في السوق غير القمح والبترول والكهرباء سعرها بالسعر الأسود، (ودي الثلاثة سلع الخالقة لي الإشكال).. لابد من وجود معالجة للثلاث سلع وأنا لا أرى مشكلة كبيرة في ذلك، المشكلة الكبيرة في الخبز.
{ حتى الخبز؟
– مؤكد الخبز هو مشكلة المشاكل لأنه قوت الناس، وهناك طبقات لا تحتمل هذا الضغط، وفي نفس الوقت أقول للناس سعر الخبز الحقيقي يتراوح ثمن الكيس من (6) إلى (7) جنيهات وأنا أبيعه لك بجنيه واحد، لذلك أرى أن أدعم الأسر الفقيرة بالخمسة جنيهات فرق السعر.
{ اقتصاديون انتقدوا سياسة البنك المركزي وقالوا إنها غير صحيحة في صرف الدولار؟
– لا توجد مشكلة في البنك المركزي، المشكلة في السياسات المالية لوزارة المالية. لأن السلع الأساسية الثلاث تصادق عليها وزارة المالية، ودور البنك مراجعة السياسة وبنك السودان في سياسته حتى حصيلة الصادر يحولها إلى السعر الرسمي.
{ برأيك ما الجهات الأكثر تأثراً برفع الدعم؟
_ “عبد الرحمن الخضر” أول من احتج من الولاة وقال (ما ترفعوا الدعم)، (وناس الولايات لم يحتجوا).. مثلاً أمشي نيالا ستجد الجازولين المحتجين عليه برفع الدعم هم (ما لاقينوا)، وأنا إذا كان عندي (7) ملايين مواطن وقلت عندي (2) مليون فقير فهذه مشكلة كبيرة.. بنك السودان ممكن بقرار واحد يرفع سعر الصرف إلى (9) جنيهات لكن هذا يعني أن الخبز من (3) جنيهات سيرتفع إلى (9) جنيهات، وبدل ما كنت بتشتري الخبز بـ(2) جنيه سيصبح الخبز بـ(6).. فمن يتحمل ذلك؟!
{ ما الحل إذن؟
_ الآلية التي وضعناها هي أن أدعم كل أسرة فقيرة بسعر الخبز يومياً، وعندما أرفع الدعم يكون عندي كذا أسرة فقيرة أنا سأعطيهم (6) جنيهات يومياً يعني حوالي (180) جنيهاً لكل أسرة شهرياً مقابل رفع الدعم عن القمح.
في هذه الحالة لابد أن أكون ضامن الآلية.. أما بالنسبة للجازولين، المواصلات قد تحدث فيها زيادة وسأنظر هل أنا عندي موارد أعالج بها الزيادة.. بالتالي الشخص الذي يمتلك عربة خاصة حتى إذا زدنا البنزين (ما عندي شغلة بيهو). أنا يهمني الفقير الذي يستخدم وسيلة المواصلات، بالإضافة إلى مشكلة أخرى وهي أن النقل الداخلي سيزيد، وبالتالي يرفع أسعار السلع.. لذلك لازم أدفع للفقير تكلفة شهرية توفر له جزءاً من (حق المواصلات)، وهذا أفضل من دعم المحروقات، وإذا رفعت الدعم سأوفر للحكومة فائضاً مالياً أقوم بتحويله للمساكين.
{ “حمدي” تبرأ من سياسة التحرير الاقتصادي وقال إن الدولة لم تطبق السياسة بالصورة الصحيحة وحمّل الحكومة مسؤولية تعثر سياسة التحرير؟
– لم أسمع هذا الكلام.. لكن “حمدي” أستاذي وأنا (اشتغلت) معه في سياسات التحرير الأولى، وأعتقد أن “حمدي” من أشطر الاقتصاديين الموجودين، وعنده رؤيته في التحرير الكامل لكن لم يمنح فرصة لاعتبارات سياسية كثيرة.. وبالتالي هو في مواجهة سياساته.. وبيقول إن الاختناقات والتردد في السياسات هو الذي خلق ارتفاع الأسعار، ولو حررت الأسعار كلياً مؤكد ستستقر.. لكن تحرير جانب وترك الجانب الآخر سيخلق اضطراباً في السوق وهذا سيجعل فئات معينة تستفيد من الوضع.. “حمدي” مع التحرير الكامل ومع آليات الدعم التي توصل الناس للفقراء وتدعمهم.
وأنا كنت معه كوكيل وزارة ثم وزير دولة، وهو أنشأ إدارة للدعم الاجتماعي بوزارة المالية وأتى بوزير دولة من القطاع الاجتماعي لإدراكه بأنه لا يمكن أن تحرر بدون توجيه سياسات أخرى للمعالجة في ذات الاتجاه، ومافي سياسة كاملة أو ما عندها آثار جانبية.. وكانت رؤيته أن كل الصناديق من الصحة والرعاية الاجتماعية والدعم الاجتماعي تكون تحت رعاية الدولة لتعمل على معالجة الآثار الجانبية لسياسة التحرير، لأنك بدون هذه المعالجات الناس ستتضرر.
هذا هو الجانب الذي يعنيه “حمدي”.. أنك تمشي خطوة وتنظر لما بعدها.. وهو يرى أن السياسات التقشفية تضر أكثر مما تصلح، ورأيه أن تضخ أموال تدعم بها الفقراء، قد يحدث الضخ تضخماً ولكن رؤيته أن تسحب الدولة هذه الأموال وتترك سندات بأسعار عالية وتأخذ (القروش) لمعالجة التضخم، أفتكر أن قراءة “حمدي” صحيحة ونفهم ما يعنيه تماماً.
{ يعني أنت مع رأي “حمدي” أنه حدث تعثر في سياسة التحرير الاقتصادي ولم تطبق بالصورة الصحيحة؟
– تماماً.
{ وأنت مع سياسة تحرير الاقتصاد؟
– أنا مع سياسة التحرير، مع إيجاد آليات دعم فعالة تعالج قضايا الفقراء بالصورة الفعالة وتأخذ من الأغنياء لتعالج بها قضايا الفقراء، لكن نحن الآن ندعم الأغنياء أكثر مما ندعم الفقراء.
{ أنت كنت من أوائل الاقتصاديين الذين أوكلت لهم الإنقاذ إدارة أمر الاقتصاد بالبلاد.. والمشاركة في وضع سياساتها؟
– ما زلت مشاركاً وأنا مسؤول حالياً عن الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني وجزء لا يتجزأ من الفريق الذي يضع السياسات، وأتحمل وزري في إخفاقاته، أتحمل نجاحاته ولا أبرئ نفسي من أي إخفاق، ولا أضع يدي في الماء الباردة (أنا يدي ورجلي في الموية الحارة).. وأنا جزء في الحزب.. ومن صناع القرار في المجال الاقتصادي بالدولة.. قد أختلف معهم في بعض السياسات لكن في النهاية نحن فريق واحد وأشاركهم في وضع السياسات ونتحمل تبعاته معاً.
{ إذن هل أنتم راضون عن ما آل إليه حال الاقتصاد؟
– (نحن ما راضين.. نحن بتُفرض علينا أشياء خارجة عن إرادتنا).. ومع ذلك قلت لك إن برنامجنا صحيح والسياسات التي وضعت في الإطار الصحيح، لكن واجهتنا تحديات مثلاً لم نضع اعتباراً لمشاكل الحدود، وحصلت مشاكل وحروب ودمرت منشآت البترول، لذلك كان لازم نتخذ آليات أخرى لنعالج الوضع الناتج من هذه الأحداث، والشيء الوحيد الذي اختلف فيه مع زملائي وأعتقد أننا لم نبذل فيها جهداً كافياً هو مسألة تقليل الإنفاق الحكومي، وهذا يعود لتعقيدات دستورية والمشاكل الأمنية، لكن يمكن أن نخفض من هيكلة الحكومة لنقلل كثيراً من الإنفاق الذي لا يشبه الظروف التي نعيشها.
لكن أعتقد أننا نواجه إشكالات حقيقية ونتعامل معها بالسياسات المثلى، والرأي الآخر إذا كان عنده رؤية غير هذه فليطرح رؤيته.
 { هناك من يرى أن هنالك فوضى إدارية يتسبب فيها الجهاز التنفيذي الذي لا تحكمه سلطة ولا قوانين من خلال التعدي على المال والفساد وزيادة الإنفاق الحكومي؟
– زيادة الإنفاق الحكومي هيكلي ودستوري، وأعتقد أننا قادرون على أن نفرض على الولايات التخفيض بشأنه، لكن المشكلة أن  الهيكل مدرج بالدستور، وأنا أريد طرح حلول في إطار الدستور والقبضة المركزية لا تصلح للسودان، لذلك يمكن أن يكون الحكم فيدرالياً ورشيقاً وأنيقاً وفعالاً وليس بالشكل المترهل.
{ والفساد؟
– الفساد شقان.. هناك شق متضخم وهو التجاوز.. هل الإنفاق كله مطبق حسب اللوائح والنظم المالية؟؟ هذه التجاوزات تحكمها القوانين، ومدى تفعيلها لتحكم المال العام، وقانون الإجراءات المالية والجنايات المالية.
{ ولماذا يحدث تجاوز لهذه القوانين؟
– أعتقد أن قانون الإجراءات المالية موجود، لكن توجد تجاوزات قد لا أملك لها نسبة الآن، وهذا يحتاج إلى ضوابط أكثر في تفعيل القانون وأعتقد أن جعل الوزير ليكون التنفيذي الأول في الوزارة هو أحد الإشكاليات التي لابد من معالجتها، لأن موظفي الدولة بالخدمة المدنية كلهم يتعاملون بقانون الإجراءات المالية لكن الوزير يحاسب سياسياً، وإذا تجاوز الوزير اللائحة تصعب محاسبته، لذلك يمكن أن نوجه التفويض بالصرف وأمر الميزانية على مستوى المنصرفات إلى وكيل الوزارة وليس الوزير، لأن الوكيل يمكن أن يحاسب بقانون الخدمة المدنية إذا أخفق.
{ قانون الشركات.. كانت كل شركة ملزمة بتقديم حسابها.. الآن هناك شركات تدار بسلطة أفراد داخل التنظيم وتدار في عمارة (الفيحاء) دون تقديم حسابات حسب قول اقتصاديين.. تعليقك؟
– الشركات الخاصة تعامل بقانون الشركات (وأنا ما عندي بيها شغلة يعني دي من حقك تعملي شركة وأنا من حقي..)، فقط لو كنت موظفاً عاماً القانون لا يعطيني الحق في عمل شركة (ما حزب الأمة عندو شركات وأي تنظيم آخر ممكن يعمل شركات..).
أية شركة لها قانونها وحساباتها الخاصة بها.
{ ماذا عن شركة (الفيحاء)؟
– (أنا ما بعرف شركة الفيحاء.. دي قلتيها إنت).. (أنا ما دخلت العمارة دي منذ عام 1988م.. لكن الآن لو قلت لي الفيحاء وين ما بعرفها.. إنت لو عندك حاجة معينة قوليها).
{ اقتصاديون قالوا إن هناك (500) شركة خاصة بأفراد التنظيم (الحزب الحاكم) تدار من (الفيحاء) دون تقديم حساباتها؟
– (ما ممكن 500 شركة تدار في مبنى واحد).. وليكن ألف شركة (ما يهمنا بيها) فلتدار، لكن ما يهمني أنا هو المال العام والشركات الخاصة حساباتها داخلية لدى مجلس إدارتها.. (ممكن نراجعها إذا قدمت الضرائب أم لا.. وبتدفع زكاة أم لا.. غير كدا ما عندنا شغلة بيها).

 
 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية