تقارير

هل تعصف رياح القبلية بولاية شرق دارفور؟!

بعد أن استعصت الحلول 
تقرير عبد المنعم مادبو
  كانت المكونات السكانية لولاية شرق دارفور عندما أعلن انشطار ولايتهم عن جنوب دارفور في مطلع العام (2012م) متماسكة ومترابطة خاصة أنها تتكون من (3) مكونات قبلية رئيسية حتى ظن البعض أنَّ الولاية الوليدة سوف تنهض وتتفوق في مجال التنمية على أمها جنوب دارفور التي كانت مثقلة بالصراعات وعدم الاستقرار لكنها وجهت بعاصفة من التحديات.
– كانت أول التحديات اختيار الوالي فسرعان ما دخلت شرق دارفور في أولى تحدياتها المتمثلة في اختيار الوالي، ففي فترة عامين ونصف من عمر الولاية تعاقب عليها  ثلاثة ولاة، فبعد أن رفض دكتور “عبد الحميد موسى كاشا” تكليفه بإدارة شؤونها تم تكليف اللواء “محمد فضل الله” الذي هو الآخر دخل في حالة مرضية مستعصية اضطرت المركز إلى العودة لإقناع “كاشا” بقيادة الولاية، وكأنما “كاشا” كان يعلم عندما رفض التكليف في المرة الأولى ما لا يعلمه الذين كانوا متفائلين بقيام الولاية، وعندما أقعد المرض اللواء “فضل الله” وكثرت المحاولات والرجاءات على “كاشا” قبل بالتكليف لكنه قد يكون عضَّ أنامله من الندم على قبوله.
عنق الزجاجة
انفجر القتال القبلي بصورة مفاجئة بين ضلعي المثلث المكون للولاية وبصورة عنيفة لجهة أنَّ النزاع قام على أنقاض صراع قديم اندلع في مطلع
العقد الماضي، فكانت نتائج المعارك كارثية فغادر “كاشا” مسرح شرق دارفور، لكن هذه المرة في موقف لم تكن فيه رجاءات ومطالبة به كما حدث عندما رفض التكليف في المرة الأولى بل خلف وراءه حيرة مثقلة صعب معها اختيار والي من أبناء الولاية، ومن ذلك الوقت استعصت كل أبواب حلول النزاع رغم تدخل رئاسة الجمهورية والهيئة التشريعية القومية، وفشل لعدة مرات انعقاد مؤتمر الصلح الذي لعبت فيه ولاية غرب كردفان دور الوسيط، لكن بعض مواطني الولاية والمراقبين للوضع أبدوا تفاؤلاً عندما تم تعيين العقيد ركن “الطيب عبد الكريم” والياً للولاية لجهة أنه من المؤسسة العسكرية وليس من مكون الولاية، بجانب أنه مقرب من رئاسة الجمهورية فظنوا أن تكون له القوة لفرض هيبة الدولة وحسم هذا الملف المعقد، ورغم أنَّ بعض الجهود أثمرت عن تحقيق هدنات وتوقف مؤقت للقتال، إلا أنَّ المعارك ظلت تتجدد من وقت لآخر بصورة أكثر فظاعة من سابقتها، وكانت آخرها التي اندلعت شرارتها في منطقة (أم راكوبة) يوم (السبت) الماضي منتصف أغسطس، وخلفت المعارك الأخيرة مئات القتلى والجرحى، واتهمت فيها قيادات قبيلة المعاليا بالمجلس الوطني أفراداً من قوات الشرطة بالمشاركة في المعارك ضدهم؛ الأمر الذي استفسر بموجبه البرلمان وزير الداخلية الذي قطع بدوره بعدم وجود معلومات تؤكد مشاركة عناصر الشرطة في تلك المعارك.
  إلغاء الولاية
  يرى بعض المراقبين أنَّ الأوضاع بشرق دارفور مهددة بإلغاء الولاية خاصة أن هناك مطالبة بهذا الأمر من قبل قيادات قبيلة المعاليا الذين سحبوا أبناءهم من حكومة الولاية ومجلسها التشريعي عند بداية المشكلة وفضلوا الانضمام لأي ولاية أخرى أو تكون لهم ولاية جديدة بدل البقاء في شرق دارفور، كما برز للسطح امتعاض بعض أبناء محليات شعيرية وياسين الذين يمثلون المكون القبلي الثالث للولاية من الوضع الذي تعيشه ولايتهم. واعتبروا أنَّ هذا الوضع حرمهم من حقوقهم في التنمية والخدمات لجهة أنَّ الولاية ظلت بدون تشكيل حكومة لمدة (18) شهراً، وهنا يقول لـ(المجهر) الأستاذ “صديق عبد النبي” الذي كان عضواً في اللجنة العليا لتـأسيس الولاية إنهم بذلوا جهوداً كبيرة لقيام الولاية لكن للأسف لم تحظَ بحكومة منذ قيامها. وأبان أنَّ اللواء “فضل الله” الوالي الأول حكم الولاية (6) أشهر قضاها مريضاً وتدار الولاية في عهده بواسطة الوزراء، أما “كاشا” فقد حكمها (9) أشهر لم يجتمع خلالها بحكومته إلا يوم إعلانها ويوم إعفائه. وأشار “صديق” إلى أنَّ الوالي الحالي العقيد “الطيب” منذ أن تولى زمام الأمر لم يشكل حكومته، وظلت الأمور هكذا لأكثر من (18) شهراً. وقال إنَّ إصرار المركز على عدم تشكيل الحكومة شكل رأياً عاماً بدأ يظهر في محليتي شعيرية وياسين بعدم جدوى تبعيتهم لهذه الولاية خاصة أنَّ مواطني هاتين المحليتين يرون أنَّ عدم تشكيل الحكومة لا يسنده أي منطق باعتبار أنهم كمكون ثالث للولاية ليسوا طرفاً في الصراع الدائر؛ لذلك بدأت بعض الأصوات تنادي بالعودة لجنوب دارفور باعتبار أنَّ شرق دارفور ولاية غير مؤهلة. وأضاف أنَّ هذا الوضع سيؤثر سلباً على مستقبل الولاية خاصة أنه عند تأسيسها كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين مؤيد ومعارض للتبعية للولاية.
قلق وجهود دولية للحل.
يبدو أنَّ الصراعات القبلية بدارفور هي الأخرى أحدثت قلقاً دولياً وتخطت مقدرات الحكومة على حسمها مما اضطر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لأن تضع أمر معالجته ضمن تفويض بعثة (اليوناميد). وقال رئيس البعثة “محمد بن شمباز” إنَّ التفويض الأخير تم بموجبه تكليف البعثة بحل الإشكالات القبلية بدارفور. وكشف عن جهود تقودها (اليوناميد) عبر رئيس الشؤون المدنية بالبعثة مع الإدارة الأهلية وحكومة شرق دارفور لإنهاء الصراع وتحقيق الصلح والسلام بين القبليتين. وأعرب عن قلق البعثة من القتال بين الرزيقات والمعاليا. وقال إنَّ الوضع الإنساني بمناطق النزاع مقلق. وأبان أنَّ البعثة قامت بإخلاء جوي لبعض الجرحى لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى مناطق عديلة وابوكارنكا. وأضاف أنهم لا يدرون حجم المشكلة هناك وأكد أن البعثة ستسعى للوصول إليها لمعرفة الوضع الحقيقي للمواطنين.
 إذن هكذا صارت الأوضاع بالولاية ذات العامين ونصف بما لا يشتهيه مواطنوها. فهل تسير الأمور في اتجاه إلغاء الولاية أم ستسفر المساعي المبذولة إلى معالجة جذرية تعبد طريق البقاء لشرق دارفور؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية