"أمبيكي" والمهام الجديدة.. هل ثمة ما هو مريب في الأمر؟؟
بعد أن قطعت الحكومة بمشاركته كمراقب فقط
تقرير- محمد إبراهيم الحاج
تحركات مكوكية يقوم بها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثابيو أمبيكي” في البلاد منذ وصوله إليها قبل بضعة أيام.. تحركات في كل الاتجاهات لم تستثن حكومة أو معارضة، مقتنعة بالحوار الوطني كمخرج أساسي لكل قضايا البلاد أو الأخرى الرافضة للدخول في تفاوض مباشر مع الحكومة بسبب مطلوبات ترى أنها ملحة وضرورية يجب توفيرها قبل الخوض في أي تفصيلات متعلقة بالجلوس إلى طاولة التحاور.
و”أمبيكي” الذي عهدته أروقة السياسة السودانية وسيطاً دائماً لمعظم القضايا السودانية سواء أكانت مرتبطة بالجارة الجديدة جنوب السودان أو بالحركات الدارفورية المسلحة وقبلها في اتفاقية (نيفاشا) التي قضت بانفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة، يظهر الرئيس الجنوب أفريقي السابق هذه المرة على مسرح السياسة السودانية محركاً لعملية الحوار الوطني الذي انطلقت الإشارة إليه ربما لأول مرة شأناً داخلياً خالصاً بعد خطاب الوثبة الشهير لرئيس الجمهورية، ولهذا فإن المسرح الذي سيتحرك فيه “أمبيكي” هذه المرة يختلف عن سابقه كون تحركاته ستكون فقط داخل حدود البلاد لإقناع القوى السياسية المعارضة للحكومة بالإضافة إلى خروجه خارج البلاد ربما لفترة قصيرة لإقناع الحركات المسلحة بجدوى الدخول في حوار مباشر مع الحكومة قد يفضي إلى المساهمة في حل بعض القضايا السودانية التي تتناسل باطراد.
ثمة استفهامات ملحة وعاجلة دونتها القوى السياسية وبعض المفكرين عن الدور الرئيسي الذي سيلعبه “أمبيكي” هذه المرة في الأزمة السودانية، فبعد مخاوف دفع بها البعض من أن يكون رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى مخلباً للتدخل في الشأن الداخلي، أعلنت الحكومة أمس بكلمات واضحة وصريحة رفضها لأي تدخلات خارجية عادّة الحوار الوطني (سوداني سوداني)، وقطعت بأن الوساطة التي يقودها “أمبيكي” والاتحاد الأفريقي تأتي بصفتهم مراقبين، قائلة إن الحوار الوطني لا يعني أن تمس قضايا البلاد القومية كالأمن القومي.
{ جولات “أمبيكي”
رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثابيو أمبيكي” التقى خلال هذه الزيارة للبلاد بعدد من القوى السياسية الرافضة للحوار والتي تقبل به، فقد التقى بالدكتور “غازي صلاح الدين”، واتفق معه على عدة نقاط من بينها أن ما تحقق من خارطة الطريق هو ما أمكن الوصول له عملياً، كما أمن على عدم جدوى التلويح بأن الانتخابات قائمة في موعدها وعلى القوى السياسية القبول بها كأمر واقع ما أمكن التوصل إليه عملياً، وتبقى مهام أكبر من أهمها أن يكون الحوار شاملاً لكل القوى السياسية المسلحة وغير المسلحة، والشروع فوراً من الحكومة في بناء الثقة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأن يلعب “أمبيكي” دور الضامن نيابة عن الاتحاد الأفريقي في ظل عدم الثقة بين الحكومة والقوى السياسية.. ولكنه لم يقف عند هذا الحد، بل إنه مضى إلى أبعد من ذلك بأن التقى بالجهات غير الحكومية أو الحزبية، فقد التقى بالمنظمة السودانية للحريات الصحافية بغرض الاطلاع على أوضاع الحريات الصحافية وأثرها على الحوار الوطني، وأمن الطرفان على ضرورة مواصلة الحوار الوطني مع التركيز على الحريات العامة والحريات الصحفية.
{ مخاوف و(شعرة) رقيقة
الحركة التي أحدثها قدوم “أمبيكي” للبلاد وتحركاته الواسعة ولقاءاته المتعددة مع الجهات الرسمية والمعارضة والمؤسسات غير الرسمية، منحت “أمبيكي” وجوداً فرضته واقعية (وضع اليد) الآن، وهو ما حذر منه أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د. “عمر عبد العزيز” بالقول إن التعامل معه يجب أن يكون بحذر مثله مثل أية قوى أجنبية حتى لا يتمدد نفوذه، لافتاً إلى أن الوسيط يمكن أن يكون محايداً أو غير ذلك، وأضاف د. “عمر” إن التدخل في الشأن المحلي موجود منذ فترة، فنزاع منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق يحتاج إلى تدخل ووساطة يعمل فيها “أمبيكي” ذاته كما أن القطريين ينشطون في الوساطة في قضية دارفور، مبيناً أن الوجود الخارجي لا يعني بالضرورة أن يكون تدخلاً، إلا أنه أوضح أن الحوار الوطني بدأ هذه المرة داخلياً، وأن الحكومة تستشهد بالحوار كأحد المعالجات السياسية الداخلية والعمل على الوصول إلى إجماع وطني، كما أن وزارة الخارجية تنشط في عمل تنوير لبعض الدبلوماسيين للتطورات السياسية بالبلاد، وتابع: (اطلاع الاتحاد الأفريقي على موضوع الحوار بالبلاد يجب أن يأتي على سبيل الاطلاع فقط، وأن يكون ملماً، وقد يُطلب منه دور باعتبار علاقاته واتصالاته مع قطاع الشمال والجبهة الثورية، وإذا لم يفهم ويستوعب الحوار الداخلي كأحد آليات المعالجة لا يمكن أن يقوم بدوره كاملاً)، إلا أن د. “عمر” مضى إلى التنبيه من خطورة هذا الوجود قائلاً إن هناك شعرة معاوية بين التنوير والمعرفة وبين التدخل في الشأن الداخلي، وقد يصبح “أمبيكي” وصياً على العمل، وهذا الأمر يعتمد على حركته بين الأطراف ومجرد وجوده ليس فيه مشكلة، ويمكن أن تتم الاستعانة به في حشد المعارضة للحوار، ولكن يجب الحذر من أن يتجاوز هذا الدور.
{ أجندة أجنبية
كل قدم أجنبية تدب في البلاد وتتنقل بين القوى السياسية ترقبها العيون وتتابعها التحليلات، ووجود “أمبيكي” هذه المرة مشارك فاعل في الأزمة الداخلية، جعل الكثيرين يصوبون أعينهم ويرمون بأحداقهم إلى أبعد من لقاءاته على الهواء الطلق، ويطلقون العنان لتفكيرهم بأن يكون “أمبيكي” مدفوعاً من بعض القوى الأجنبية للضغط على الحكومة لتسريع خطوات الحل السياسي ومن ثم تقديم تنازلات، أو أن تكون هناك قوى خارجية من مصلحتها أن تقحم أنفها في كل ما يخص أمر البلاد، ورغم أن إجابة د. “عمر عبد العزيز” لم تأت بالإيجاب أو النفي إلا أنه ألمح إلى أن كل جهة في العالم تعمل لمصلحتها، وأردف: (لا استبعد الجهات الإقليمية والدولية التي تهتم لأمر البلاد)، لافتاً إلى أن هؤلاء يعملون على قراءة المستقبل ووضع الخطط له بينما نعمل نحن بردود الأفعال فقط، وأضاف: (أمبيكي قد يبدأ مراقباً، ولكنه قد يتدخل بعد ذلك في حال لم تتم مباركة خطواته، ولهذا يجب الحذر منه)، إلا أن المحلل السياسي “عبد الله آدم خاطر” استعبد الأمر جملة وتفصيلاً، وقال: (من الصعب اتهام أمبيكي بأنه يتدخل أو يساند على التدخل لأن تاريخه النضالي في جنوب أفريقيا ينفي عنه هذا الاتهام، فأمبيكي كان المساعد للمناضل نيلسون مانديلا في التفاوض مع البيض، وكان من المناضلين لإزالة التفرقة العنصرية في بلاده، ورجل مثل هذا عانى وشعبه كثيراً من التدخل الأجنبي لا أظن أنه يتطلع لتحقيق أغراض أجنبية). ومضى “خاطر” في القول إن وجود “أمبيكي” في الخارطة السياسية ليس جديداً، فقد ظل مرتبطاً بالأزمة السودانية قبل انفصال الجنوب، وكان مدفوعاً بالإرادة الأفريقية التي ترى أن مشاكل القارة يجب أن تحل في أفريقيا، وهذه هي فلسفتهم واجتهدوا في ذلك، واتفاقية (نيفاشا) في السودان تعدّ من الإنجازات الأفريقية، وأصبحت نموذجاً لكل دول القارة، وأعتقد أن المسؤولية لا تزال قائمة تجاه جنوب السودان، وقضية السودان الملحة الآن هي وجود الديمقراطية التي تحتاج إلى سلام دائم لن يتحقق إلا بالتفاوض مع الحركات المسلحة.. وكل هذه المسائل تعمل على توحيد المنبر السوداني لاستيعاب وحدة السودان في إطار فيدرالي، وهذا ما يعمل فيه “أمبيكي” الآن.