الإمام "الصادق" والدكتور "الترابي".. أيهما أذكى من الآخر؟!
بقلم – عادل عبده
الذكاء السياسي متلازمة عقلية من طراز فريد، يتوكأ على إيقاعات مهلة تخطف الألباب، تحرك في الشخصية العامة زخماً مهولاً من الدهاء والمكر والحيلة والتهديف الصائب والقراءة الصحيحة في سياق تحقيق الأهداف والمقاصد على بلاط التكاليف العامة وكرسي الحكم.
التاريخ المعاصر يصور على صفحات دقيقة وجود الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي والدكتور “حسن الترابي” الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي على قائمة الرموز القيادية في الساحة السودانية التي تستخدم الذكاء السياسي كوسيلة إستراتيجية على صعيد ميادين التحركات والصراعات والبلاغات والطموحات في بحر السياسة المتلاطم الأمواج.
دلالات المحطات المشتركة بين الإمام “الصادق” والدكتور “الترابي” في عشق الصولجان والسلطة والإحساس الزائد بالتفوق والريادة تتأطر من خلال مشاهد لا تقبل القسمة، وبذات القدر توجد صور مذهلة ومشدودة تعكس ظلال الغيرة العارمة والتنافس الحاد بين الرجلين على مشوار الوصول إلى الجوزاء.
حين يصدح “الترابي” ويتبختر يغيب الإمام “الصادق”، وكذلك عندما يتألق الإمام في المحافل يظل “الترابي” داخل صومعته، وهما لا يلتقيان إلا في المصائب الكبرى، ولا يتحالفان إلا عندما تكفهر السماء ويشعران معاً بوقوع النازلة المشتركة، وكلاهما يتعامل بالذكاء على جميع صوره في إطار التفكير الملائم للقضية المعنية والمناخ الملائم!!
في الصورة المقطعية نجد أن “الترابي” و”الصادق” يدركان النوايا والسرائر كل في دواخل الآخر، فقد استوعب الإمام حيلة “الترابي” في محادثات فرانكفورت بألمانيا عندما كان الرجل صاحب التدابير في الإنقاذ، وعلى ذات المنوال كان “الترابي” يعلم من الوهلة الأولى محصلة حوارات الإمام الكثيرة مع المؤتمر الوطني، وكيف أن الإمام “الصادق” كان يلمس باب المشاركة بإصبعه دون أن يدخل.
من هنا يبرز السؤال المركزي عن الإمام و”الترابي”.. أيهما أذكى من الآخر؟! فالواضح أن الإجابة ستكون معقدة ومتشابكة من خلال ظهور الخصائص والمزايا المتعددة في تركيبة الاثنين، حيث لا يمكن استنباط القياس الصحيح في محاولة ملامسة النتائج!!
تندلق الفرضية المعرفية عن الذكاء السياسي للإمام “الصادق” عندما نجح في تحويل الأنصارية من جهادية مليئة بالحمى والانغلاق والحماسة إلى واحة رطبة في السياسة والدين، تحتضن الانفتاح والاعتراف بالآخر حتى الوصول إلى مرحلة وجود المرأة الأنصارية في سُلم القيادة الحزبية في سياق التفاعل مع الألفية الثالثة وعصر اكتشافات الفضاء، وبالمقابل تلوح علامات الذكاء السياسي للدكتور “الترابي” عندما حوّل الحركة الإسلامية من تنظيم صغير يرقد في الظل على الساحة الوطنية لا تتجاوز عضويته قرية واحدة إلى كيان هائل وضخم قلب الموازين وانداح على الطول والعرض ليحكم السودان في أطول فترة زمنية خلال التاريخ المعاصر.
كذلك من صور الذكاء السياسي للإمام “الصادق” أنه يستخدم التشبيهات والأمثلة التصويرية الحية في تقدير المواقف وإظهار منطقه وحجته.. وعلى صعيد الدكتور “الترابي”، نلاحظ مقدرته الفائقة على تطبيق المهارات الإحيائية والتأثيرية التي تساعده في توصيل رسالته على الشكل المطلوب.. وأيضاً من علامات الذكاء السياسي للرجلين أنهما لا يدخلان في معركة سياسية حامية الوطيس في الهواء الطلق.. قد يكون التراشق من بعيد وأحياناً يُستخدم الوكلاء.. وفي الغابة عندما يلتقي الأسد والنمر كلاهما ينظر إلى الآخر ملياً لفترة قصيرة ثم يبتعدان في اتجاه مضاد دون أن يتعاركا!!
هكذا تدور ماكينة المنافسة السياسية بين “الترابي” والإمام “الصادق” وهما يستخدمان التفكير الحواري والتجريبي والإبداعي والإلهامي في قضايا السياسة المتشابكة!!