رأي

حديث لا بدّ منه (43)

} ما زلنا نعيش الذكريات الحسان من مدينة الجهاد والنضال الوطني من أجل العزة والكرامة.. مدينة عطبرة الصامدة أبداً بحول الله وقوته.. وهي مدينة متدينة تحب العلم والعلماء.. وكانت شيمة كبرى لفحول العلماء.. وليالي رمضان بعطبرة عامرة بالذكر وتلاوة القرآن.
} قلت إن الشيخ “ميرغني مختار” كان من تلاميذ الشيخ “ماهر إسماعيل” ومن طلابه الكبار، ولا أقصد بكلمة الكبار كبر السن، ولكن كبر الهمة والإخلاص والتجرد. والشيخ “ميرغني مختار” كان من أوائل الذين كانوا يقومون بالتدريس داخل ورش عطبرة العالية والعاتية والفتية.. ويلتف حوله عدد كثيف من العمال من الساعة التاسعة صباحاً وحتى العاشرة صباحاً.. وكان على هذا المنوال إلى أن نزلت به محنة عنيفة.. حيث دخل في غيبوبة لفترة أربعين يوماً بالتمام والكمال.. وقال لي الشيخ “محمد صالح كرار” – وهو من تلاميذ الشيخ “ماهر إسماعيل” – إنهم أرسلوا (تلغراف) بالعلة المرضية للشيخ “ميرغني مختار”، وقد رد لهم بأسلوب موجز ومحكم في (تلغراف)، وقال (انزعجنا ثم اطمأننا.. فاطمئنوا).. والشيخ طريح الفراش أربعين يوماً.. وتوصل الأطباء أن هنالك نزيفاً بالمخ.. وأنهم في انتظار فرج رباني.. وبالفعل بعد هذه الفترة عادت الصحة والعافية للشيخ “ميرغني مختار” كأن لم يكن به ألم ولا أذى..
} وكان خيار أهل عطبرة يكثرون من الدعاء للشيخ الكريم، لأن مدينة عطبرة ارتبطت به علمياً وروحياً. والشيخ بعد ذلك مارس عمله بالسكة الحديد (قومندة) بورشة (العمرة بخار عجل الديزل)، وكان مصدراً للفتوى التي يحتاجها من ألم به أمر من الأمور التي تستدعي المعرفة الدينية.. وبعدها أخذ يزاول دروسه في الزاوية القومية بحي الحصايا.. المعروف حالياً (فكي مدني شرق).. وكان النشاط والزحام يزداد في شهر رمضان الكريم ..والدرس الذي يقدم من كتاب (إحياء علوم الدين) للإمام الشيخ أبي حامد الغزالي الكبير.. وقال العلماء في شأن كتابه (إحياء علوم الدين): (من أراد أن يحيى فعليه بالإحياء).. وكان يقدمه بصورة مشوقة وجاذبة ومؤثرة في النفوس.. حيث تجد الصفاء الإيماني يتسع.. والناس كل الناس يلتفون حول درسه في مساء ذلك الشهر العظيم.. وهذا الدرس كان يومياً في أيام شهر رمضان بخلاف الشهور الأخر.. حيث الدرس بالزاوية يومي الاثنين والأربعاء.. ثم الانتقال بالدروس إلى أماكن أخرى.. وهي (الداخلة) صاحب الحظ الأوفر. وفي رمضان بعد نهاية الدرس هنالك حلقة ذكر يقودها بنفسه.. وذلك بعد أداء صلاة التسابيح.. وهي صلاة مهمة خص بها النبي الكريم عمه “العباس” حيث قال له: (يا عماه.. ألا أعطيك.. ألا أمنحك.. ألا أحبوك.. ألا أخصك).. ثم علمه صلاة التسابيح وهي أربع ركعات متصلة كصلاة العشاء.. وإذا كانت ليلاً القراءة فيها جهراً.. وإذا كانت نهاراً القراءة فيها سراً.. حيث يكبر المصلي ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة.. ثم يسبح قائلاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة.. ثم يركع فيقول التسبيح عشر مرات.. ثم يرفع فيقوله عشر مرات.. ثم يسجد ويقول ذلك عشراً.. وكذلك بين الجلستين.. وعند السجود الثاني.. وعند القيام.. وقبل القراءة كذلك يسبح عشرة مرات.. ومجمل التسبيح في الركعة الواحدة خمس وسبعون تسبيحة.. وفي الركعتين مائة وخمسون.. وفي الأربع ركعات ثلاثمائة تسبيحة.. وهي صلاة فيها بركات كثيرة.. وهذا ما سنقف عليه لاحقاً إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية