السكوت عن مأساة إضعاف الثروة الحيوانية السودانية!!
إذا كانت الملاريا تسمى القاتل الصامت لأنها حصدت أرواح الملايين من البشر في شتى بقاع العالم، فإن هنالك سياسات وأجندة تطبق في بلادنا تستهدف إضعاف وهلاك الثروة الحيوانية السودانية من بعض الدوائر المسؤولة التي ترتبط بشبكات استثمارية طفيلية تؤدي محصلة الخطوات التي تقوم بها إلى ذات النتائج التي تحدثها الملاريا على الشعوب!
فالشاهد على الإطلاق أن جرائم القتل والإبادة ليست بالضرورة أن تتم بالرصاص، حيث يمكن أن تتحقق بأسلوب آخر مماثل في الفعل يرتكب في الخفاء وليس ضد البشر دون ضوضاء تثير الانتباه والفضول.
اللوحة تراجيدية، والصورة قاتمة ومؤلمة على أوضاع الثروة الحيوانية في بلادنا التي تعدّ واحداً من مصادر الاقتصاد الوطني القوي في منظومة الصادر التي تقف علامة دالة على خصوصية السوق التجاري المتميز والآلية الواسعة لجلب العملة الصعبة.
ها هي السياسات المدمرة، والخطوات الضارة، والأجندة القائمة على المنافع الذاتية تجتاح قطاع الثروة الحيوانية في مشهد يجلب الحيرة والبؤس والضياع، فقد انقلبت السياسات والبرامج الراسخة والمسؤولة التي كانت تحظر تصدير إناث الأغنام والأبقار والضأن والجمال إلى الخارج رأساً على عقب بين عشية وضحاها، واهتزت الصورة الوطنية الثابتة التي استمرت منذ الاستقلال والقائمة على بقاء إناث الماشية السودانية بالداخل!!
الآن تؤطر اللوحة المأساوية موافقة السلطات على تصدير (500) رأس من إناث الضأن إلى دولة خليجية، حيث استقبل محجر سواكن البيطري في الأيام الفائتة النعاج المصدقة للتصدير، وقد تحفظ الأطباء البيطريون من واقع إلمامهم وعلمهم بفداحة الخطوة وانعكاسها السالب على الاقتصاد الوطني غير أن الأمر ليس في أيديهم!! والأدهى في الموضوع عندما استفسر الدكتور “جعفر أبو دبيب” مدير المحجر البيطري بسواكن عن أبعاد الخطوة، فأجاب بأنه ممنوع من التعليق (جريدة السوداني بتاريخ 21/6/2014م).
وفي صورة قاتمة أخرى قامت السلطات خلال الشهور الفائتة بتصدير أعداد كبيرة من إناث الجمال إلى دولة عربية بتصديق من وزارة الثروة الحيوانية، وقبل ذلك تم تصدير سلالات نادرة بأعداد كبيرة من إناث الماشية السودانية إلى الخارج.
وفي الإطار أمرت جهة نافذة وزارة التجارة بكتابة خطاب إلى بنك السودان للسماح للمصارف بالدخول في الترتيبات المصرفية المتعلقة بصادر الماشية السودانية إناثاً كانت أم ذكوراً.
هكذا تزداد وتيرة زيادة صادر إناث الماشية السودانية إلى الخارج على شكل متوالية هندسية بعلم السلطات من خلال التنسيق الواضح مع البيوتات التجارية والاستثمارية في إطار عملية هدم السياسات التي كانت تحمي الاقتصاد السوداني، فضلاً عن الجري وراء المصالح الآنية والذاتية، فالواضح أن بعض الدوائر في السلطة تريد الحصول على الدولار والنقد الأجنبي بصورة سريعة، بينما يريد التاجر الحصول على الربح الشخصي في سياق عملية استثمارية مرغوبة من الدول المستفيدة، لأن وجود الإناث من الماشية السودانية في تلك الأقطار يعني قيام سوق محلي إنتاجي عندهم ربما يقود إلى إيقاف الاستيراد من السودان في المستقبل. ومن هنا يتبلور السؤال المركزي.. لماذا السكوت عن مأساة إضعاف الماشية السودانية؟!
لا شك أن هذا العمل الضار المخالف للقوانين يعدّ جريمة اقتصادية في حق الوطن بكل المقاييس دون تدليس أو مداراة، فالواجب إيقاف هذه التصرفات بالشكل الحاسم والقيام بالتحقيق الفوري مع إبطال هذه الخطوات المدمرة كما فعلت المملكة الأردنية الهاشمية في هذا الملف.