كوب الليمون..!
شكراً يا “حازم”.. زمن طويل لم أطلب فيه كوباً مثلجاً من الليمون.. وأصدقك القول إن تناولي لهذا الكوب خفف كثيراً من (توتري النهاري) وربما قلل من سخونة الطقس الحار..!
وكوب الليمون الذي لم يشاورني زميلي في العمل “حازم” قبل أن يطلبه لي لم يكن في حسباني حيث جرت العادة أن أبدأ يومي بكوب من القهوة تصنعه “مريم “ست الشاي بمهارة عالية جعلتني أسيراً لهذا الكوب ومدمناً عليه.. لكن “حازم” استطاع قلب العادة نهار أمس.. وجعلني انحاز للبارد وليس الساخن.. وأشرب الليمون بدلاً من القهوة..!
وماهي إلا دقائق معدودات وأنا أشرب كوب الليمون حتى دخلت “مريم “تحمل كوباً من القهوة.. فرمقتني بنظرة فيها تساؤل فهمته جيداً.. كأنها اندهشت من هذا التحول.. فسارعت بالتأكيد لها أن “الليمون” مجرد عزومة من “حازم.. “وإنني لا محالة سأشرب كوب القهوة أيضاً!!
وبالفعل تناولت الكوبين معاً.. وكان الانتقال من البارد إلى الساخن أشبه بطقس السودان المتقلب والفجائي.. فيما ظل على المائدة الكوبان الفارغان حيث يبدو كوب الليمون أكبر من كوب القهوة.. أما القاع فثمة شاي قليل هنا.. وماء ليموني اللون هناك..!
العلماء يقولون إن تناول الليمون يخفف من سخونة الجسم ويهدئ الأعصاب و(يروق الدم) على رأي أخواتنا المصريين وهذا يعتقد به السودانيون أيضاً الذين يكثرون من تناول مشروب الليمون عبر خلطه أو وضعه في الكثير من الوجبات الغذائية والسلطات بفتح السين طبعاً..!
أما القهوة فقد حيرنا العلماء في أمرها.. تارة يقولون بفوائدها الجمة.. وتارة أخرى يتحدثون عن أضرارها البالغة.. ورغم ذلك فللقهوة شاربيها الكثير وطقوسها الجميلة والتي تختلف من شعب إلى آخر..!
وأذكر فيما أذكر أن صديقاً لي في الغربة التي امتدت سنوات طوال ظل كلما التقينا يطلب (القهوة (ومعها نصف ليمونة.. يضعها على قهوته ثم يتناولها وهو يتباهى أمامي بعبقرية اختراعه هذا مؤكداً أن ما يفعله هو نوع من الطقس الخاص الذي يلهمه ويرفع من معنوياته ويمنحه قدرة أكبر على التفكير..!!
ولأنه كان كثير التحدث عن اختراعه هذا.. فقد تجرأت وحاكيته ذات مرة إلا أنني لم أستطع ارتشاف بقية الكوب لأن طعمه لم يكن مستساغاً بالنسبة لي!!
لاحقاً اكتشفت أن صاحبي لم يكن الاختراع حكراً عليه لأن هناك كثيرين قابلتهم فيما بعد يضعون الليمون على (الشاي).. وربما الجديد والمبتكر عند صديقي هذا هو أنه وضع الليمون على القهوة وليس الشاي..!
تذكرت تلك الحكايات القديمة لأنني تناولت نهار أمس كوباً من الليمون ثم وبعده مباشرة كوباً من القهوة.. كأنني فعلت ذات الشيء الذي كان يفعله صديق غربتي.. والفارق هو فارق التوقيت مابين الكوبين.. فيما كان صديقي يتناولهما معاً في توقيت واحد.. أما هذه المرة فلم أشعر بأن هناك مذاقاً لا احتمله.. بل كان تناولي للكوبين مستساغاً إلى حد كبير..!
الطعم (الحمضي) الذي يتميز به الليمون ظل دائماً يحتاج إلى بعض قطع السكر.. فالبشر لا يحتملون الأحماض.. غير أن هناك من يقوم على) مص) الليمونة بخبرة عالية تجعلني أحياناً أراقب هذا المشهد منزعجاً وكأن حساسية ما قد أصابت أسناني.. ولماذا نتعجب ومعظمنا يأكل) سلطة الخضار) بكميات كبيرة من الليمون دون أن يضع عليها السكر وإنما الملح.. حيث يلتقي الحامض والمالح في طقس غذائي غريب يفتح شهية الكثيرين لمزيد من الاحتفاء بالسلطة التي هي أيضاً بفتح السين وليس ضمها..!
والليمون يعد مطهراً وبديلاً للصابون وطارداً للروائح حيث يكثر في المطاعم التي تقدم وجبات السمك.. وهناك أنواع عديدة من الصابون يتم تصنيعها من الليمون وتجد انتشاراً كبيراً بين ستات البيوت..!
أما رائحة الليمون فهي طيبة وتمنحنا شعوراً بالحيوية والانتعاش.. وتذكرنا بشعراء كبار خاصة شعراء المقاومة الفلسطينية الذين تغنوا للحمضيات التي تشتهر بها بلادهم كالبرتقال والليمون وغيرها من منتجات الزراعة.
شكراً مرة أخرى لـ “حازم” الذي ألهمني كوب ليمونه لأن أجد موضوعاً يمكن أن أكتب حوله بعيداً عن لخمة الاقتصاد ودوشة السياسة والأفكار المحنطة والمستهلكة.. فليس من حل لاستمرارية بوحنا وكتابتنا إلا بأن نلتقط الأشياء الصغيرة والبريئة من حولنا التي لا تتجاوز حجم (الليمونة) لنعبر عنها ولنعبر أيضاً من خلالها عن أفكارنا وذواتنا.. فتلك الأشياء الصغيرة هي وحدها التي لم تلوثها ضوضاء السياسة وعبث السياسيين..!
المقال من أعمدتي القديمة وجدته على سطح الحاسوب فقرأته وذكرني بأيام خلت وأدهشني أنه وقع تحت يدي صدفة في زمن يشهد الليمون وفرة لافتة بالأسواق، فهل يكون في إعادة النشر ترويجاً مجانياً لباعته أم العكس تماماً .. عموماً هي مجرد دعوة لكوب مثلج من الليمون تطفئ حرارة الطقس التي قالت الأرصاد الجوية إنها ربما تشهد المزيد من الارتفاع خلال الأيام المقبلة !!