رأي

مراحل الثورة

أي ثورة تمر بمراحل وهذه المراحل تأتي تلقائياً بعد انتهاء كل مرحلة. فالثورة في بدايتها تكون حلماً في الأذهان. ولا تتحول إلى واقع إلا إذا كانت هناك إرادة وعزيمة. يقولون إن الظلم يصنع الثورة وأقول إن الظلم وحده لا يكفي لصناعة الثورة، فلابد أن يحس هذا المظلوم بالظلم وتكون له عزيمة وإرادة على رفضه. وقد يأتي الرفض في البداية في شكل شعارات أو أغنيات يرددها المظلومون. وفي النهاية لابد أن يظهر رجل يأخذ على عاتقه تنفيذ كل أو بعض من هذه الثورة.
كل الثورات بدأت حلماً صعب التحقيق في البداية لأن الملوك كانت لهم هالة مقدسة. وكان الناس يعتقدون أن بقاءهم في الحكم إرادة إلهية والثورة عليهم تعتبر من الحرماتنم ولهذا ظلت بعض العائلات في أوروبا تحكم لمئات السنين ولم يهدد سلطانها أحد. فكان الملوك يعيشون حياة البذخ ويمتلكون الأرض وما عليها. ولا أحد يسألهم بل مر على البشرية عهد كان فيه النيل يمتلك الأرض ومن عليها وما عليها. وكان الفلاح يعمل في أرض النيل أو الملك مجاناً مقابل الطعام. ولم يعترض أحد على ذلك ولم يحس أحد أن ظلماً وقع عليه وهذا أحد شروط الثورة الأساسي بالظلم.
الثورة في السودان مرت أيضاً بمراحل. وفي كل مرحلة كانت لها سمات مختلفة يتطلب الأمر أن تتعامل مع أشخاص مخلصين ومع أحداث مختلفة، لم يكن هناك مفر في التعامل معها. الثورة في السودان التي بدأت برفع شعار الإسلام كان عليها أن تؤكد أولاً أنها ثورة إسلامية لأنها جاءت عقب عدة هبات تسير في الطريق الإسلامي مهدت الطريق للثورة، وكان لابد لكل من يأتي إلى هذا الطريق أن يسير على النهج الإسلامي ليقنع (الناس). في البداية جاءت الثورة في ظل ظروف حرب بين جزأين من السودان. وكان هذا أول تحدي يواجهها ويواجه مشروعها الإسلامي. فكان عليها أن تتعامل بروح إسلامية وفي نفس الوقت بحسم، وكان لابد أن تؤكد قيادات الثورة أنها قادرة على حمايتها وأنها مستعدة للتضحية بأي شيء. وشاهدنا في الأيام الأولى كبار الوزراء والمسؤولين يشاركون بأنفسهم وأبنائهم في المعارك الحربية، وبعضهم استشهد في أرض العمليات. ولعل ما أقنع الناس بجدية الثورة كانت قوافل المجاهدين وتضحياتهم واستعدادهم للموت هذا ما أقنع الناس بجدية الثورة وأرهب أعداءها.
في تلك المرحلة كان لابد من دفع الناس إلى مسارح العمليات لتحريك الوازع الديني فيهم. وبالفعل كانت الشعارات كلها دينية إسلامية وكانت الأناشيد كلها إسلامية. ولهذا اندفع المجاهدون إلى مسارح العمليات يبحثون عن الشهادة بأي ثمن، ونجحت الثورة في اختيارها الأول وأمنت نفسها ضد أعدائها وأرهبتهم بقوتها وعزيمتها. فاختبأ أعداؤها ولم يظهروا في أي مكان وكان أي واحد فيهم يظهر اعتراضه يجد الحسم. والقضية إذن الثورة في أول مراحلها وهي تثبت أقدامها في حاجة إلى الحسم والقوة. وهذا ما كان في أمر ثورة الإنقاذ في البداية. فكانت تلك الأناشيد الجهادية تردد في كل مكان حتى في أرض المعارك، وكان الناس يحافظون على صلواتهم وارتدت النساء الحجاب. وعاش الناس حياة إسلامية وأحسوا أنهم قريبون من الله وهو يحميهم وأمنوا بالفعل أن قتلاهم في الجنة وقتلى أعدائهم في النار. وهذا أحد عوامل نجاحها بعد أكثر من عشرين عاماً حدثت تطورات على المستوى العالمي والداخلي تتطلب حدوث نفس التطورات بالداخل. على مستوى العالم انهارت المنظومة الاشتراكية وتوحدت أوروبا ولم تعد الاشتراكية وحدها في الساحة تسحر الناس وأصبحت الكلمة للحرية. حرية الفرد.. حرية الصحافة.. حرية الرأي.. وتأكد للناس أنه لا مكان في العالم للانعزال عن هذه الصيحة العالمية. فكانت لابد أن تتغير هذه الثورة في السودان.. وأساساً الثورة السودانية أن تعاليمها لا تتعارض مع هذه الشعارات، ولهذا جاء تحولها هادئاً مؤثراً لم يكلفها أي تضحيات بأي شعار. وها هي حتى اليوم مستمرة تتغير كل يوم وفق المتغيرات العالمية. وهذا وضع طبيعي لكننا نأمل أن تواصل طريقها وتصل إلى محطة الحرية الأخيرة وهي الحرية الكاملة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية