الطبيبة!!
} فتحت قضية الطبيبة (المرتدة) عن الإسلام كما جاء في حيثيات الحكم الصادر يوم (الخميس) الماضي الباب واسعاً، لجدل سياسي وفقهي في الساحة عن الحكم الصادر وتطبيقه بجز عنق الطبيبة كما جاء في كتاب الله.. حكم المرتد عن الدين.. وما جاء في الإرث التاريخي حروب الردة التي خاضها سيدنا “أبو بكر الصديق” بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ونكوص بعض القبائل والجماعات عن الدين الإسلامي بوفاة الحبيب المصطفى. وهل حروب الردة في الظروف التاريخية تصلح قياساً بهذا العصر لمن ارتد عن الإسلام كفرد وأنكر انتماءه أصلاً للإسلام.. وجاء أهله وعشيرته الأقربون إثبات إسلامه أمام المحكمة التي أخذت بشهادة هؤلاء، ولم تعر أقوال الطبيبة قيمة عند وزن البينات!!
قضية الطبيبة المرتدة عن الإسلام وضعت الصحافة السودانية أمام حرج بالغ عن دورها في التنوير والتثقيف والتوعية، أم أن دورها (نقلي) يعرض الوقائع كشاهد فقط ويترك للمتلقي حق التفكير والأخذ والرد.. ووضعت القضية علماء الدين والفقهاء والمفكرين أمام امتحان عسير، اختار البعض الصمت الذي لا يليق وتلهف البعض الردود العجولة.. ما بين مؤيد لأحكام المحكمة وهو يسير على هدى نصوص القانون الجنائي غافلاً نصوص الدستور التي تتحدث عن حرية التدين والاعتقاد ولم تطرف لهؤلاء عين، والقانون الجنائي يعلو على الدستور.. والقاضي المحترم في بلدة الحاج يوسف شرق الخرطوم (يطبق) نصوص القانون كما وردت من المشرع على حالة خاصة.
} واتخذت بعض جماعات اليسار والتيارات العلمانية من قضية الفتاة (المرتدة) قميص “يوسف” وهي لا تستحي من رفع الفتاة نفسها على الأكتاف، حاملينها إلى مجلس الكنائس العالمي وبابا الفاتيكان في إيطاليا مطالبين بإصدار حكم أممي بفساد النظام الإسلامي وتخلفه عن العصر الحديث، وضرورة إزاحته من الوجود اليوم قبل الغد. وتلك الجماعات رفعت من قبل فستان “حليمة” التي جلدت في محكمة جنوب الخرطوم ورفعت بنطال الصحافية المهاجرة “لبنى أحمد حسين” حتى تمزق البنطال ما بين أيدي المتصارعين عليه.
} ولاذ فقهاء النظام بالصمت المريب الذي لا يليق بهم من كافوري حيث منبر د. “عصام أحمد البشير” أحد الفقهاء المعاصرين، وحتى مسجد الإمام “عبد الرحمن” بودنوباوي الذي شغله استدعاء السيد “الصادق المهدي” في نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة عن رفع حاجبه لرؤية الفتاة السودانية “مريم”، كما تدعي هي و”أبرار” كما تدعي أسرة قالت إن الفتاة خرجت من صلبها والفتاة أنكرت ذلك جهراً وعلناً.
لكن “كمال رزق” أكثر الفقهاء وخطباء المساجد نصرة لنظام الإنقاذ ومدافعة عنه، ورجماً لأعدائه ومنافحة عما يقول ويعمل.. قال “رزق” للزميلة (الصيحة) عقب صلاة (الجمعة)، إن الفقه الحنفي لا يجوز قتل الطبيبة المرتدة رافضاً الخوض في التفاصيل الفقهية. وشكك “رزق” في سلامة عقل الطبيبة!! ولم يسأل “كمال رزق” نفسه متى كانت آراء واجتهادات المذهب الحنفي يؤخذ بها في السودان الذي اختار فقهاؤه جعل المذهب المالكي مرجعاً وحيداً، و(نبذوا) نيابة عن أهل السودان الأخذ بما يقوله الفقهاء من الحنابلة والشافعية.
ولكن السؤال هل القضية التي عرضت أمام محكمة الحاج يوسف وصدر حكم بجز عنق الطبيبة المرتدة قضية جنائية عادية؟؟ أم هي قضية فكرية وفقهية؟؟ وهل محكمة ابتدائية مثل محكمة الحاج يوسف مؤهلة لإصدار مثل هذا الحكم الذي ارتعشت له أطراف الأرض، وأثار حنقاً وغضباً عارماً على السودان وحكومته في الغرب ورضاءً وارتياحاً في أوساط عامة المسلمين؟؟ ولماذا صمتت مؤسسات مثل الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية وجماعات أنصار السنة والسلفيون عن التعليق على الواقعة؟ نواصل غداً.