حديث لابد منه (26)
ما زلنا نواصل في خطاب النقابة في المهرجان الحاشد بإستاد مدينة عطبرة العملاقة الصامدة. وكانت هنالك مقاطعة تقاطع بالتصفيق الحاد لأنه قد لمس قضاياهم المهمة والحساسة، إذن نواصل ما جاء في الخطاب.
إن بوادر التقويم قد لاحت، ولكن لابد من وضع الضوابط التي تضمن استقرار العاملين حتى ينتجوا، وهذه الضوابط تتلخص في مراقبة السوق، لأننا نرى في كل يوم بل في كل ساعة ارتفاعاً في الأسعار غير مبرر وخاصة في الضروريات كـ(الزيت) و(الصابون) و(الدقيق) و(الفحم) و(الأقمشة) و(الأحذية)، بل في المنازل التي نستأجرها للسكن وفي المواصلات التي نستغلها، بل اسبيرات عجلاتنا البسيطة التي نستعملها وكراسات أبنائنا التي يتعلمون من خلالها والأدوية التي نحتاجها، كل هذا يا سيدي الرئيس إذا لم توضع له الضوابط، فإن التقويم سوف يذهب أدراج الرياح، ونحن كعمال نلتزم أمامك بالصدق والإنتاج لصيانة جميع الوابوارت وتوفير حلقة المسير، ولكننا نطالب هنا أمامك الأخ وزير النقل بإيجاد الاسبيرات، وإعادة النظر في بعض الإداريين وفي بعض العاملين الذين لا يشرفوننا حتى ننطلق معاً في وحدة وتقدم وازدهار.. سيدي الرئيس إننا لا نعادي أحداً من الإداريين لأنهم إخوتنا والكل مكمل لبعضه، ولكن هنالك بعضاً لا يصلح في هذا المجال لعجزه الفني والإداري، ونحن قادرون على إثباته بالعمل، وأن الوابور الذي خرج بأيدي عمالنا الأوفياء لأكبر دليل على ذلك، هذا الوابور الذي وضعت أمامه العراقيل من بعض الإداريين خوفاً من مهارة عمالنا الأوفياء، رفعوا جدول البرنامج ولم يتجاوبوا في إدخاله للورشة وإيجاد الاسبيرات إلا بعد صعوبات كثيرة (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). ماذا حدث عندما رفعوا عدد الوابورات في البرنامج ليحدث العجز في قوة العمال، ماذا حدث؟ إن الإخوة العمال كانوا بالإجازات السنوية والمحلية قطعوا إجازاتهم وجاءوا للعمل مسرعين ملبيين نداء الواجب الوطني ليكرموا الرئيس القائد وصحبه الأبرار بمهاراتهم، وكانوا يعملون ليل نهار من غير مقابل ولا كلل ولا ملل، وكان الإخوة الذين يعملون في الأقسام يأتون بعد ساعات عملهم ليتعاونوا معهم، فإن الله نصرهم من أجل ذلك كتبوا على مقدمة الوابور شعار الوحدة الوطنية والختم الرباني الذي ختم به سيدنا “نوح” عليه السلام سفينته (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، لأجل ذلك انطلقت القاطرة إلى بر السلام، وبإذن الله سوف تكون هذه هدية لك ثم لشعب السوداني قاطبة لتشارك في نقل المواد التموينية، وأن بقية الوابورات على أثرها بإذن الله هذا ليعلم إخوتنا المهندسون، أننا منهم وإليهم ولكن عليهم أن يطهروا صفوفهم من المتكبرين والمتغطرسين، كما أننا نعاهدهم بأن نطهر صفوفنا من المتخاذلين والمتسكعين.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).. فكلنا مكمل لبعضه.. سيدي الرئيس القائد العمل النقابي الذي نعرفه هو أن يقدم ما عليه من واجب نحو وطنه وشعبه، وأن يطالب بما له من حق لعماله وشعارنا نرفعه معاً (شركاء لا أجراء).
سيدي الرئيس أسمح لي أن أقدم لك سرداً موجزاً عن فترة إيقاف الوابور رقم (1022) من العمل.. وقف هذا الوابور من يوليو 1977م، ولقد قدرنا أن فترة وقوفه سبعة عشر شهراً، وإذا ذكرنا مثالاً واحداً لهذا الوابور في شهر واحد لسلعة معينة كـ(السكر) وسافر ثلاث مرات فقط، نجده يعود بحصيلة مالية كبيرة تبلغ مبلغ قدره (ثمانية وثلاثون ألف وثلاثمائة واثنتان وأربعون جنيهاً وسبعمائة مليم) في الشهر الواحد، فتكون فترة الوقوف خسارة على بلادنا وهي في هذه الفترة التي وقفها القطار منتظراً للاسبيرات تقدر بـ(ستمائة وواحد وخمسون ألف جنيهاً وثمانمائة وخمسة وعشرون وتسعمائة مليم)، أما كان ذلك خيراً بأن تعود لهيئتنا وبلادنا وما ذلك إلا بالحواجز النفسية والبشرية التي كانت في طريق عمالنا الأوفياء، لقد انكشف الضباب وانتشر النور بحمد الله تعالى.. سيدي الرئيس إن برنامج الدورة الذي رفعناه من أول يوم لهو خير وبركة على مرفق السكة الحديد ليؤدي دوره كاملاً بإذن الله نحو سوداننا الحبيب، لأننا نعتبر أن السكة الحديد هي القلب النابض لبلادنا الحبيبة، فوضعنا في مقدمة برنامجنا العملي تطوير مرفق السكة الحديد، ولا يتم ذلك إلا بإعادة النظر في بعض الإداريين والعاملين وتوفير الاسبيرات وإنصاف العاملين، وهو من ضمن برنامج الدورة الجديدة التي تنتهي في أغسطس المقبل 1980م بإذن الله منتصرة لبلادنا وعمالنا، ومن ضمن برامجنا يا سيدي الرئيس الدستور الجديد للنقابة، لأن الدستور السابق لا يشرف عمال السكة الحديد أصحاب التاريخ الناصع، هذا الدستور الذي نضعه في المقام الأول لمصلحة العمال لا لمصلحة القيادة، لأن القيادة تزول أما القاعدة فهي ثابتة وراسخة متينة قوية متماسكة، مع إدخال الروح الوطنية الحقة في دستورنا الجديد، ورقابة الضمير الذي يقود الإنسان إلى الخير، لأن الرقابة الخارجية محدودة أما الرقابة الداخلية غير محدودة، وكذلك من ضمن برامجنا المحاسبة الجادة لقيادة النقابة السابقة التي تلاعبت بحق الوطن والعمال، هذه المحاسبة ليست مبنية على خلاف شخصي ولا من منطلق حقد، وإنما هي العظة والعبرة والسلوك الحميد، هذا وقد اتصلنا بحمد الله بتيم المراجعة القانوني (أزهري وإخوانه)، وفرغ من مراجعة الميزانية من 11/1974م إلى أكتوبر 1978م، ولقد وجدنا عبثاً كثيراً وتلاعباً واضحاً ولا نريد أن نشوه جلال المناسبة بذكره أمام السيد الرئيس القائد وصحبه الأبرار، بل سنعلنه للإخوة العمال في ليلة عمالية كبرى في القريب العاجل بإذن الله ليعرفوا حقيقة الأمر بأنفسهم.
نقف هنا ثم نواصل لاحقاً بإذن الله.