تقارير

الحوار الوطني.. من يتحمل وزر الانتكاسة؟

تساؤلات عديدة ظلت تطرح في الساحة السياسية لمعرفة أسباب تأخر خطوات الحوار الذي دعا له رئيس الجمهورية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يتم حتى الآن تكوين أساسياته المتعلقة بتكوين الآلية. المؤتمر الوطني حاول في أكثر لقاء النأي بنفسه من هذا التأخير حينما قال إنه فرغ من اختيار ممثليه في الآلية وفي انتظار أحزاب المعارضة التي قبلت الحوار من تحديد ممثليها. حركة الإصلاح الآن من جانبها أقرت على لسان نائب رئيسها «حسن رزق» بذلك حيث أرجعت التأخير إلى وجود خلافات ممثلة في تضارب الآراء بين بعض المعارضين فهناك من يريد اختيار الممثلين من دون الأحزاب الرافضة للحوار. بينما يرى البعض الآخر ضرورة إشراكهم، وتطابق هذا القول مع إقرار آخر لحزب الأمة القومي حول تلكؤ الأطراف أكده نائب رئيس الحزب ومسؤول ملف الحوار بالأمة «فضل الله برمة ناصر» مرجعاً ذلك إلى تعدد الأحزاب وحرصها على المشاركة في لجنة الحوار الوطني معتبراً أن تمثيل (83) حزباً سياسياً أمراً غير عملي.
ويذكر أن الأحزاب المعارضة التي اتفقت على الحوار قد عقدت ثلاثة اجتماعات بغرض الاتفاق على ممثليها في الآلية لكن لم تصل إلى رؤية مشتركة والاجتماع الرابع حدد له يوم (الثلاثاء) المقبل باتحاد أصحاب العمل وقد تعود هذه الاختلافات إلى اختلاف في الرؤى والأهداف السياسية حيث يحاول كل حزب تثبيت رؤيته عبر تشكيلات هذه الآلية.
لكن مع مرور الأيام يبدو أن المؤتمر الوطني شعر بخطورة الحملة التي تشنها الأحزاب الرافضة للحوار وأبرزها الحزب الشيوعي والحزب البعث على الحوار سواء كان من خلال الصحف أو الندوات مستقبله لهذا السبب انتقل من خانة تحميل المسؤولية إلى الأحزاب المحاورة إلى توجيه تهمة محاولة عرقلة الحوار إلى هذه الأحزاب أي الشيوعي والبعث أو كما قال الأمين السياسي للمؤتمر الوطني دكتور «مصطفى عثمان إسماعيل»: (إن الأحزاب الرافضة للحوار صارت تحول شروطها للمشاركة في الحوار إلى ابتزاز بصورة تهدف لتعويق مسيرة الحوار وتنطلق من نظرة ضيقة) منوهاً إلى أنها لا تملك مصلحة في نجاحه وتسعى لإفشاله بينما اعتبر مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور «إبراهيم غندور» إن إثارة قضايا الفساد على نحو ما ظهر قصد بها لفت النظر عن الحوار الوطني ومحاولة تمييعه ، لكن بالمقابل هناك بعض المراقبين يرون أن الحزب الحاكم هو من يحاول إقحام قضايا الفساد في هذا التوقيت لصرف الأنظار عن موضوع الحوار وشغل الساحة بكشف ملفات فساد وتشجيع الإعلام على تقديم المزيد وشغل القوى السياسية حتى يتمكن من كسب الوقت بالنسبة لكثير من القضايا من ضمنها قضية الانتخابات، وبالتالي إقناع المؤسسات الإقليمية بسلامة موقفه المبني على ترجيح كفة الحوار على من سوها وحينها سيتمكن من فك الضائقة الاقتصادية من خلال رفع العقوبات الاقتصادية وحل مشاكله الأخرى.
الناظر لتسلسل المواقف الخارجية قد يلاحظ ثمة إشارات رضاء ظلت تطلق من بعض الجهات معبرة فيها عن تقديرها إلى الدور الذي تقوم به الحكومة وحزبها الحاكم في ما يخص الحوار ربما وصولاً إلى الهبوط الناعم كما يعتقد بعض المحللين ومن بين هذه الإشارات مباركة مسؤول الشؤون الأفريقية في السفارة البريطانية لخطوة الحوار السوداني بين الحكومة والقوى السياسية من خلال اتصال تم بينه وبين وزير الخارجية «علي أحمد كرتي» الذي احتفت به حكومة السودان، الإشارة الثانية تمثلت في إبطال مشروع قرار إدانة لقوات الدعم السريع الذي كان مجلس الأمن ينوي إصداره، وتعديله إلى مشروع دعم للحوار الذي طرحه الرئيس على القوى السياسية والمسلحة.
هذه التبريكات قد تكون هي التي دعت الحزب الشيوعي إلى الحديث عن وجود ضغوط تمارس عليه بينما طالب مسؤول ملف الحوار في السلطة «مصطفى إسماعيل» الحزب الشيوعي السوداني، بالكشف عن الجهات التي تضغط عليهما للقبول بالحوار، نافياً تقديم المؤتمر الوطني إغراءات لأي حزب لإقناعه بالحوار، مؤكداً أن الوطني قدم طرحاً وطنياً. «غندور» من جهته أقر لبرنامج (مؤتمر إذاعي) بأن ضغوطاً دولية ولدت الاتفاق الجزئي الذي تم خلال جولة المفاوضات الأخيرة بين وفدي الحكومة وقطاع الشمال في أديس أبابا.
وكان الحزب الشيوعي كشف (الأربعاء) عن تعرضه لضغوط من أحزاب ومنظمات وسفارات دول أجنبية – لم يسمها- لإجباره على الدخول في الحوار الذي دعت له الحكومة السودانية.
وقال الحزب في بيان صحفي إنه لن يتردد في لقاء تلك الجهات وإبلاغها باشتراطات وضعتها قوى المعارضة ، للدخول في الحوار بجانب رؤية تلك القوى لحل الأزمة التي تمر بها البلاد .أشار إلى أنه يتابع الضغوط الدولية والإقليمية التي تمارس على النظام وبعض القوى السياسية الأخرى المرتبطة مصالحها الطبقية بالرأسمالية العالمية من أجل الإسراع بعقد الحوار تمهيداً لاتخاذ القرارات أعدت مسبقاً من أجل (الهبوط الناعم)، وفرضه كأمر واقع بمساندة القوى التي قبلت الحوار حفاظاً على مصالحها والإبقاء على النظام الحاكم الحالي مع إجراء بعض التغييرات الشكلية.
إلا أن «مصطفى عثمان إسماعيل» قال إن الحزب الشيوعي سبق أن تحدث عن مؤامرة أمريكية لإطالة عمر النظام الحاكم في السودان متسائلا: (إذن من هي تلك الجهات التي تسعى للضغط على الأحزاب؟). وبالمقابل اتهم بروفيسور «إبراهيم غندور» جهات خارجية بممارسة ضغوط على قطاع الشمال لعدم التوقيع على اتفاق ينهي الحرب كذلك هناك من يرى أن قرار الحركات المسلحة من حيث المشاركة في الحوار من عدمه قد يكون مرتبطاً بأطراف خارجية رغم العلاقة السياسية التي تربط بينها وبعض الحركات التي قبلت الحوار.
من ناحية أخرى يعتبر بعض المراقبين أن ما يقوم به المؤتمر الشعبي من أجل إقناع الحركات المسلحة ووصول المعارض المعروف إلى السودان «مبارك الفاضل» يدل على أن قاطرة الحوار الآن قد وصلت القضيب ، ووسط هذه التجاذبات والحديث عن التمييع والعرقلة هل يتدخل الرئيس «البشير» بقرارات أو صكوك جديدة للعبور بالحوار إلى الأمام؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية