تاجر المشغولات الجلدية «النويري» يكشف عن أسرار المهنة !!
داخل الأزقة الخلفية لسوق أم درمان ومع ضجيج السابلة والمارة لا زال المشترون يتنسمون عبق الماضي من خلال حاجيات تراودك عن نفسك لشرائها مع عدم حاجتك لها لتزدهي بها إحدى غرف المنزل، أو كـ(نوجستاليا) وريح حنين تهزم كل مستجدات الحاضر أو ربما لتؤانس وحشة وبرودة لوازم هذا العصر الإلكتروني. أثناء مرورنا هناك تعثرت أمام أعيننا محلات (ود النويري) لتجليد السيوف و(السيطان) وكما قال هو (بنجلد أي حاجة)، لقد وجدنا “أحمد النويري” حاملاً ضحكته في إنتظار أي زبون يبدد عليه أثر القعدة الطويلة، وعندما سألناه بإلحاح عن معروضاته شعر بأن لتلك الأسئلة ما ورائها، حينها عرفناه بمهمتنا، رد قائلاً: “أيوااا معناها عاوزين مشاكل”.. فأجبت بالنفي قائلة: “شغلتك دي بتاعت ونسة ومزاج رغم (السيطان) المعلقة في الباب دي”.. رد قائلاً: “هو الجايب لينا الجلا شنو بلا الونسة دي.. الناس دي تجي تسألك دي بي كم ودي بي كم ودي لي شنو؟ ونحن في حالة أجوبة مستمرة لا نكل ولا نمل.. زهجنا شديد خصوصاً وأن السوق نايم نوم العوافي والبضاعة في حالة ندرة ما بنقدر نحدد الأسعار والخام غير موجود، وهسي شغالين بي نظام أسمه (الدِّيانة) تشتري بضاعة بالكمية وتجي تدفع سعرها بالقطاعي”.
البداية والتعريف
“أحمد المصطفى النويري” من أهالي حي العرب، هذه المهنة ورثتها عن والدي وأجدادي كنت أحضر إلى هنا من الصغر، وأستمتع بمشاهدتهم وهم يقومون بتجليد السيوف.. والعمل في ذلك الوقت كان رائجاً وله نكهته، وعلى ما أذكر من شيوخ هذه المهنة “علي كوكو”، “الطيب كوكو”، “محمد الحسن”، “إبراهيم عبد القادر”، “الزين آدم العيش”، “مصطفى بلال”، “البدري حمدان” وآخرين.
(السوط) أحر من الموت
وعندما سألناه عن (السيطان) الموضوعة بعناية على بوابة المحل، قال إنها الأكثر قبولاً وطلباً من الزبائن، وتنقسم إلى نوعين (عنج) وهي غالية الثمن ونادرة وتصنع من جلد (القرنتية)، كانت ترد إلينا من “جنوب السودان”، لكن الآن أصبحت متعثرة الوصول. (السوط العادي) ويصنع من جلد الخرفان والماعز، ومعظم هذه الأشياء تعود لإرث قديم تبدلت لأشياء جديدة، فلا يلجأ إليها الناس إلا في المناسبات كالختان والزواج ربما يكون (السوط) هو الأكثر طلباً نسبةً لعادة (البطان)، وأيضاً للمدارس، ويوضع في البيت كمعتقد و(حرز).
النفاضة
وعندما أشرنا إلى تلك الأداة الجلدية المليئة بالشعر الملون بالأحمر والوردي ذكر أنها تسمى بـ(النفاضة)، والتي تستخدم لنظافة المحلات التجارية والسيارات من الغبار والأتربة، وتصنع من (جلد التور).
الحجبات والرحط
أيضاً نقوم بتغليف وتجليد الحجبات والحرز حتى نحفظها من التلف، أما الرحط يأتينا من الغرب ويتم شراؤه كزينة فولكلورية والعرض في معارض التراث، والمثل بقول ليك (الدنيا توريك رحيط أمك)، وهذا كناية عن تقلبها وأنك سترى فيها كل شئ.
العصاية
العصا أو (العصاية) من أنواعها الخيزران، القنا، المضببة والأبنوس، وهي أيضاً تستخدم للخطب في المساجد و(الحدَّاثة) يكملوا بيها الكلام (الكريز) للأوامر. أما (عصاة المحلب) فهي غالية ولا يحملها عامة الناس بل الموسرون وتشتهر بجمال الرائحة لأنها تصنع من نبات (المحلب) وتأتي من “الهند” و”تركيا”، لكنها الآن غير موجودة وحتى إذا وجدت غالباً ماتكون (سكند هاند) وسعرها بين (600 – 700) جنيه للأوامر بكملوا بيها الكلام.
حاجات تانية
نقوم بصناعة بيت السيف وهو ما يسمى بـ(الجفير)، ويصنع من جلد الخراف و(الماعز)، بالإضافة إلى بيع الحبال وصناعة (السروج)، (البردعة)، (اللبدة) للحصان و(الحمار)، وبعض الأشياء التي تأتي من غرب السودان كـ(الشليل) وهو من مستلزمات (الهودج) بالنسبة لقبائل الرحل.
مواقف
حكا لنا “أحمد” قائلاً: وجودي في السوق يعرضني لمشاهدة الكثير من المشاكل مما يستدعي أن أقوم بحمل السوط لفض أية مشكلة، وفي مرة حدثت مشادة بين طفلين.. وحضرت كالعادة لأفض تلك المشادة، لكن ضربة واحدة من السوط كانت سبباً في فتح بطن الصبي مما أدخلني في مشاكل كثيرة كانت سبباً في دخولي السجن لأول وآخر مرة.
من المواقف الجميلة التي مرت بالوالد.. سألته (خواجية) عن الحجاب وفائدته.. فرد عليها: “إذا لبستيه يشفي من الصداع”، لكنها شعرت أن سعره غالٍ، فقالت له: (إسبرين بي قرش وجع راسي ما في).