بروفيسور "غندور" .. تمسك
الدكتور “الخضر” لن يكون كبش فداء بمفرده وهو لم يرتكب جريمة حتى يعاقب عليها، ولم توجد عنده العمارات ولا الفلل ولا السيارات الفارهة، فلماذا يعاقب على جريمة لم يركبها، وفعلاً من ائتمنهم طعنوه من الخلف؟!
بين يدي الناس انطلاق جولة جديدة للمفاوضات بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال، تختلف الآراء حول هذا المسعى بين مؤمن وملتزم بالسلام كغاية لا يضرها تطاول أمد الأخذ والرد حول أمورها، وبين مجتهد وساع بالخير وبين متكسب منها لأغراض شتى. ولكن تظل في النهاية الأمور محكومة بخواتيمها، فإن أنتجت سلاماً يقيل عثرة الأهالي في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويعيد بعض المغاضبين إلى الوطن كان خيراً للجميع وإن كتب الله خلاصة أخرى، فتلكن مشيئته ولكن يبقى فقط الاجتهاد بصدق.
كما قلت من قبل كنا شهوداً وحاضرين، رأينا رئيس الوفد الحكومي ينفق الساعات في متاحات الصبر النبيل، والطرف الآخر يمارس نشاطاً أقرب ما يكون إلى تهريج المهرجين في سيرك للعامة، كل المقترحات مرفوضة وكل أبواب الحلول توصد، وخبراء السوء ومرشدو الحروب وسماسرتها بينهم من حضر بنفسه وبينهم من تخفى وراء حجاب غيوم “أديس” الجميلة، وبعضهم اختار (الفلل) في محيط منطقة (كاسانجس) يخرج إليه “ياسر عرمان” كلما سنحت السانحة فيدبر عنا بوجه ويأتي بآخر، وفي كل هذا تحلى الوفد الحكومي بالحكمة ولو كنت أنا شخصياً رئيس هذا الوفد لفاض بي الكيل ولغشيت مني المتمردين غاشية.
شهدنا اجتماعات الساعات، وامتداد المراجعات والتدبير والتشاور إلى منتصف الليل وفي التاسعة صباحاً وقبل الجميع يكون وفدنا حاضراً بأوراقه وخياراته، لا يطفئ “عرمان” شمعة الأمل إلا وأضاء له الوفد أخرى، وقد أدركت والله أن بعضنا يحمل على من يكلفون بمهام هذه المفاوضات وغيرها، فأنا الذي مضيت إلى هناك صحفياً شعرت بأن مثل هذه المناشط تحتاج إلى (تأهيل نفسي). ففي الساعة التي هي ستون دقيقة يبرز أكثر من مناج وطقس، بقدر تصاب معه على مدار هذا التقلب بالفرح الغامر والارتياح، ثم تنتكس إلى الإحباط المريع. وشهد الله أن وفدنا ظل في كل هذا راسخ القسمات تعلو وجوه الحاضرين منهم الثقة في أنفسهم وموقفهم.
إن سلعة السلام غالية، وإطفاء نار حرب مسألة تحتاج فيما علمت وتعلمت إلى الصبر واتساع الصدر، ورجاحة العقل وإخراج النفس ببراعة من متلازمات البغض والتطرف، فطالما أن غرضنا الأخير إبراء جسد هذا الوطن من جروح الثأرات والغبائن، فلنتحلَّ بالصبر والتفاؤل وليكن كل همنا التواثق على دعم كل فرص التوصل إلى اتفاق، لأن السلام دائماً يثبت أنه ومهما كان مرهقاً فإنه آخر الأمر يعيد الحياة ويرسم المستقبل لكل الوطن.
ولسنا في مقام الناصحين للبروفيسور “غندور” ، لا ينبغي لنا أو يجوز، ولكن إن كان من نصح فهو المحافظة على وفده هذا بتشكيلته ذاتها، فقد جمع وأوعى وزاوج فيه بين التمثيل السياسي الشامل لغالب القوى السياسية المرتبطة بالمنطقة، والقيادات الأهلية ذات الرمزية العسكريين النابهين، مصابيح الأرض الحرام في السلم وحين الشدة وبالتوفيق.